Al Araby Al Jadeed

نواف رضوان

المساحات التي تشبهني وأشبهها تقف هذه الزاوية من خالل أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن مالمح وانشغاالت الجيل العربي الجديد من الكتّاب

- حيفا ـ العربي الجديد

■ ما الهاجس الـذي يشغلك هذه األيـام في ظل ما يجري من عدوان إبادة على غزة؟ أكثر ما أفكر فيه هو الصمت الذي نعيشه فـي أراضـــي فلسطن املـحـتـلـ­ة عــام 1948 بــعــد أكــثــر مـــن ســتــة أشــهــر عــلــى اإلبــــاد­ة

َّ الجماعية املستمرة في غـزة. لقد سلبنا اعــتــيــ­ادنــا املـشـهـد إنـسـانـيـ­تـنـا. هــا نحن ننام على مجزرة ونستيقظ على أخرى، واملجزرة الجديدة تنسينا املجزرة التي ســبــقــت­ــهــا، بــيــنــم­ــا نــجــلــس فــــي أمــاكــنـ­ـنــا مثل تماثيل رخامية ضجرة، مشاعرنا متبلدة، وأحجار عيوننا تتنقل أمام كل هذه الدماء الواضحة في الشاشات عالية الدقة. ما يشغلني بالفعل هو أن يصبح املوت جنبا إلى جنب مع فنجان القهوة الـصـبـاحـ­يـة وجـلـسـة األصـــدقـ­ــاء أو حتى دخول الحمام، أن يتحول كل هذا الخراب إلى تفصيل آخر صغير ضمن يومياتنا، وأن نتحول إلــى متفرجن، وحـتـى هذه اللحظة نحن متفرجون بالفعل، مجرد حـطـام لـهـذا الــعــدوا­ن املـسـتـمـ­ر، وإذا كان أكثر من 34 ألف شهيد 100و ألف جريح ومليوني نـــازح لــم يوقظونا حـتـى اآلن من غفلتنا، فا أعرف ما الذي يمكنه أن يفعل ذلك.

الجديد تــوأم القديم، ومـا بينهما خاف دموي على إرث األب الضال. ربما ال أميل إلى الخوض في مفهوم الكتابة الجديدة فيما يتعلق براهنيتها زمـنـيـا، بقدر ما أفـــضـــل الـنـظـر إلـيـهـا كـمـحـاولـ­ة مـسـتـمـرة تسعى إلـــى خلخلة وتحطيم كـــل مــا هو

بطاقة

ُُ سائد ومهيمن، هذا جوهرها الذي أؤمن بــه، وهــو أن يكون لديها الـوعـي والـقـدرة على دفع حدود األدب إلى أقصى املتخيل واملمكن، وتحويله إلى لعبة خطرة دائمة وخلق مناطق تعبير مجهولة، وإحــداث تـــغـــيـ­ــيـــر جـــــــــ­ذري فـــــي الـــتـــج­ـــربـــة املــعــيـ­ـشــة وأساليب التعبير عنها.

■ هــل تـشـعـر نـفـسـك جــــزءًا مــن جـيـل أدبــــي له مالمحه وما هي هذه املالمح؟ كــــــل جـــيـــل ضـــحـــيـ­ــة هــــواجــ­ــســــه وأزمـــــا­تـــــه ومـسـاعـيـ­ه لـــإفـــا­ت والـــهـــ­رب مـنـهـا، وإذا كــــان بــإمــكــ­انــي الـــحـــد­يـــث عـــن هــــذا الـجـيـل الـــــــذ­ي أنـــتـــم­ـــي إلــــيـــ­ـه فـــهـــو بــــا شـــــك جــيــل الــتــيــ­ه والــضــيـ­ـاع وحـــفـــر الــيــأس املـظـلـمـ­ة، ال عـلـى املـسـتـوى األدبـــــ­ي فـحـسـب، وإنــمــا عـــلـــى املــــســ­ــتــــوى املــــعــ­ــيــــشــ­ــي. نـــحـــن جـــيـــل الـــثـــو­رات الـعـربـيـ­ة املــكــدس­ــة فــي األقـفـاص والــــزنـ­ـــازيــــ­ن واملــــقـ­ـــابــــر الـــجـــم­ـــاعـــيـ­ــة، جـيـل الذكاء االصطناعّي والغباء االصطناعّي والـــخـــ­وارزمـــيـ­ــات الـــتـــي تـطـحـن فـيـنـا ليل نـــهـــار، واألدب بطبيعة الـــحـــا­ل، لـيـس إال امـــتـــد­ادًا ملــا نـحـن عـلـيـه، أو مــا نــحــاول أن نكونه. ربما أنتمي إلى جيل أدبـي اتخذ من السخرية متراسا أخيرًا كآلية دفاعية لكي ال نصاب بالجنون والعته، وسط كل هذه الجدية والعجز والخذالن املحيطن بنا من كل جانب.

أشـــعـــر أن ارتـــبـــ­اطـــي بـــاألجــ­ـيـــال الـسـابـقـ­ة يـشـبـه إلـــى حـــد مــا لـعـبـة شـــد الـحـبـل بن الـــتـــم­ـــرد عــلــى الــتــقــ­الــيــد والـــتـــ­شـــبـــث بــهــا! عاقة متوترة تشوبها الكراهية والحب واالحـــتـ­ــرام والـحـقـد الــدفــن، إنــهــم أشباح املـاضـي الـتـي تـطـاردنـي دائــمــا، وأنـــا أقف على أكتافهم مثل طفل فاسق في مدينة ماه هائلة.

بشكل عــام، ال شكل مـحـددًا لها. ال أصف نــفــســي نــشــطــا ثـــقـــاف­ـــيـــا، ربــــمـــ­ـا أمـــيـــل إلـــى التقوقع على ذاتـــي مثل سلحفاة كئيبة وســـط أرانـــــب األدب الـنـشـيـط­ـة. ربـــمـــا هو الــكــســ­ل، وربـــمـــ­ا أنــنــي ال أحــســن التعامل مع البيئات الجماعية والصورة الكبرى بـقـدر مـا أمـيـل إلــى األفــــرا­د كــأفــراد، بعيدًا عـــن أي اعـــتـــب­ـــارات أخـــــرى، لـكـنـنـي بشكل عــام مــوجــود ضمن املـسـاحـا­ت الصغيرة والــضــيـ­ـقــة فـــي أمـــاكـــ­ن إقــامــتـ­ـي فـــي حيفا وبــــرلــ­ــن وعـــــمــ­ـــان. هـــــذه املـــســـ­احـــات الــتــي تشبهني وأشـبـهـهـ­ا، وأرغـــب فـي إبقائها صغيرة وحقيقية.

هــذه مـفـارقـة أحـبـهـا. صـــدرت مجموعتي الـشـعـريـ­ة األولــــى أثــنــاء ســنــوات دراسـتـي األولـــــ­ــى فـــي كــلــيــة اآلداب فـــي «الــجــامـ­ـعــة األردنــــ­ــــيـــــ­ـــة»، كــــنــــ­ت حــيــنــه­ــا فــــي الــثــانـ­ـيــة والعشرين من عمري، حيث دفعت أستاذة في الكلية باملجموعة إلى الناشر، وخال

أنتمي إلى جيل أدبي اتخذ من السخرية متراسًا أخيرًا

 ?? (تـ: أحمد سالمة) ?? نواف رضوان
(تـ: أحمد سالمة) نواف رضوان

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar