Al Araby Al Jadeed

فرحُة سينمائٍّي مهّمة لكّن ُمنَجزه أهّم

- نديم جرجوره

اخـتـيـار فـيـلـم ملــخــرج أو مـخـرجـة، أو لعامل وعاملة في صناعة الفن السابع العربي، في مهرجان سينمائي، يعني أن بداية مشوار، جـــمـــاه­ـــيـــري ونـــــقــ­ـــدي، مــنــطــل­ــقــة عـــبـــر مــنــبــر، يكون فئة أولـى أحيانًا. هذا يدعو إلى فرح، فاملهرجانا­ت الـدولـيـة، إن تكن أولــى أو غير أولى، ممر إلى مشاهدين ومشاهدات أجانب، ربما يكون عددهم أكبر من ذاك الذي تشهده صاالت عربية، إن يسمح لهذا الفيلم أو ذاك بعرض تجاري في بلد املنشأ، أو في االمتداد الجغرافي العربي لبلد املنشأ. هـــذا عـــــادي. انـــجـــذ­اب عــــرب إلـــى مـهـرجـانـ­ات دولية، من دون اهتمام بمهرجان عربي (رغم رومــانــس­ــيــة خــطــاب وطــنــي قــومــي ملخرجن ومخرجات عن أهمية عرض فيلم لهم ولهن فـــي مــهــرجــ­ان عــربــي أو مــحــلــي)، أو بـعـرض تجاري عربي (لهذا أسباب: رقابة وخطوط حمراء ومنع وتخوين، إلخ.)، عادي. فالجهد املـــبـــ­ذول فــي إنــجــاز فـيـلـم يـــعـــوض عــنــه، ولـو قليال، في اختياره لهذا املهرجان أو ذاك. من

يمضي وقـتـًا إلنــجــاز فيلم، بـكـل مــا يتطلبه اإلنجاز من إرهاق وتوتر، يبدآن في اللحظة األولــــى للتفكير والـكـتـاب­ـة، ثــم فــي التفتيش عـن إنـتـاج أو منحة أو دعــم مـالـي، وربـمـا ال ينتهيان مع رحلة املهرجانات، السابقة ألي عرض تجاري في بلد املنشأ، وهذا يزيد من اإلرهاق والتوتر، إن يصر املخرج واملخرجة على عرض تجاري في بلده؛ من يمضي هذا الوقت كله، ويعاني هذين اإلرهـاق والتوتر، يجد عـزاء وراحـة في اختيار مهرجان دولي (أول وثــــانٍّ وثـــالـــ­ث، إلــــخ.) ملـــنـــج­ـــزه، فيصبح الالحق أخف إرهاقًا وتوترًا. لكن، ما الداعي إلى تهليل احتفالي عربي، في فيسبوك تحديدًا، وربما في غيره من وسائل

الفرحة بمهرجان حلوة لكن الفيلم العربي ومخرجه أهم تواصل اجتماعي، باختيارات كهذه؟ أيكون االختيار بالنسبة إلى هـؤالء نصرًا عظيمًا، يفرح بغلبة غير حاصلة في يوميات بؤس وقهر وألم وانكسار؟ ماذا يفعل املهللون بعد العرض األول في مهرجان، وبعد املشاهدة، إن يشاهد أحدهم/إحداهن فيلمًا يهللون له بعد اختياره؟ إن يعجبهم الفيلم أم ال، فهم مــخــتــف­ــون فـــي املــشــهـ­ـد االفـــتــ­ـراضـــي، تــاركــن بـقـايـا تهليل يـعـكـس ســـذاجـــ­ة فــي التعاطي مع السينما العربية، وعجزًا عن فهم آليات االختيار، فاملهرجانا­ت الدولية، وإن تصنف فئة أولــى، تطرح تـسـاؤالت عن تلك اآلليات، في اختيار أفالم وأعضاء لجان تحكيم أيضًا. آخر مهزلة تتمثل باختيار األميركية غريتا غـــرويـــ­غ، مـخـرجـة «بـــاربـــ­ي» ،)2023( رئـيـسـة لـلـجـنـة تـحـكـيـم املــســاب­ــقــة الــرســمـ­ـيــة: أيــكــون االخـتـيـا­ر نتيجة جماهيرية الفيلم (مليار 445و مليونًا 638و ألفًا 421و دوالرًا أميركيًا إيــــرادا­ت دولــيــة)، أم مــزيــدًا مــن انـبـطـاح أمــام هــولــيــ­وود، بـجـانـبـه­ـا االســتــه­ــالكــي الـبـحـت؟ أيـــــن «االســـتــ­ـثـــنـــا­ء الـــفـــر­نـــســـي» إزاء اخــتــيــ­ار كهذا؟ انفتاح «كان» على السينما األميركية قــديــم، وتـحـويـل املـهـرجـا­ن األول إلــى منصة إلطـــالق أفـــالم أميركية تجارية ـ استهالكية غـيـر جـــديـــد. لـــكـــن، أي فـــائـــد­ة يـحـصـل عليها املهرجان من هذين االنفتاح والتحويل؟ أي مــصــداقـ­ـيــة سـتـحـضـر فـــي اجــتــمــ­اعــات لجنة تحكيم تترأسها غــرويــغ، غير املــعــرو­ف عن نتاجاتها، إخراجًا وتمثيال، براعة أو تجديدًا أو حرفية خارجة عن العادي؟ مـــــجـــ­ــددًا: املـــهـــ­رجـــانـــ­ات املـــصـــ­نـــفـــة فـــئـــة أولــــى (وغيرها، وإن بتفاوت بينها كلها) تحتاج إلـى تأهيل جــذري. وأيـضـًا: ال أهمية ثقافية وفنية ألي مهرجان وألي جائزة، ألن املنجز الــســيــ­نــمــائــ­ي، إن يــمــتــل­ــك شـــرطـــه اإلبــــدا­عــــي، سيبقى أهم من أهم مهرجان وجائزة. لذا، لن يكون هناك أي مغزى من تهليل عربي ساذج باختيار أفـالم عربية في مهرجانات دولية. فـاألهـم واألجـمـل واألكـثـر فـائـدة كامنة كلها في مشاهدة املنجز، ومناقشته.

 ?? (مات )Getty/ّراك ?? ُمشاهدة «إلى أر ٍض مجهولة» لمهدي فليفل أه ّم من «كا ّن»
(مات )Getty/ّراك ُمشاهدة «إلى أر ٍض مجهولة» لمهدي فليفل أه ّم من «كا ّن»

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar