فرحُة سينمائٍّي مهّمة لكّن ُمنَجزه أهّم
اخـتـيـار فـيـلـم ملــخــرج أو مـخـرجـة، أو لعامل وعاملة في صناعة الفن السابع العربي، في مهرجان سينمائي، يعني أن بداية مشوار، جـــمـــاهـــيـــري ونـــــقـــــدي، مــنــطــلــقــة عـــبـــر مــنــبــر، يكون فئة أولـى أحيانًا. هذا يدعو إلى فرح، فاملهرجانات الـدولـيـة، إن تكن أولــى أو غير أولى، ممر إلى مشاهدين ومشاهدات أجانب، ربما يكون عددهم أكبر من ذاك الذي تشهده صاالت عربية، إن يسمح لهذا الفيلم أو ذاك بعرض تجاري في بلد املنشأ، أو في االمتداد الجغرافي العربي لبلد املنشأ. هـــذا عـــــادي. انـــجـــذاب عــــرب إلـــى مـهـرجـانـات دولية، من دون اهتمام بمهرجان عربي (رغم رومــانــســيــة خــطــاب وطــنــي قــومــي ملخرجن ومخرجات عن أهمية عرض فيلم لهم ولهن فـــي مــهــرجــان عــربــي أو مــحــلــي)، أو بـعـرض تجاري عربي (لهذا أسباب: رقابة وخطوط حمراء ومنع وتخوين، إلخ.)، عادي. فالجهد املـــبـــذول فــي إنــجــاز فـيـلـم يـــعـــوض عــنــه، ولـو قليال، في اختياره لهذا املهرجان أو ذاك. من
يمضي وقـتـًا إلنــجــاز فيلم، بـكـل مــا يتطلبه اإلنجاز من إرهاق وتوتر، يبدآن في اللحظة األولــــى للتفكير والـكـتـابـة، ثــم فــي التفتيش عـن إنـتـاج أو منحة أو دعــم مـالـي، وربـمـا ال ينتهيان مع رحلة املهرجانات، السابقة ألي عرض تجاري في بلد املنشأ، وهذا يزيد من اإلرهاق والتوتر، إن يصر املخرج واملخرجة على عرض تجاري في بلده؛ من يمضي هذا الوقت كله، ويعاني هذين اإلرهـاق والتوتر، يجد عـزاء وراحـة في اختيار مهرجان دولي (أول وثــــانٍّ وثـــالـــث، إلــــخ.) ملـــنـــجـــزه، فيصبح الالحق أخف إرهاقًا وتوترًا. لكن، ما الداعي إلى تهليل احتفالي عربي، في فيسبوك تحديدًا، وربما في غيره من وسائل
الفرحة بمهرجان حلوة لكن الفيلم العربي ومخرجه أهم تواصل اجتماعي، باختيارات كهذه؟ أيكون االختيار بالنسبة إلى هـؤالء نصرًا عظيمًا، يفرح بغلبة غير حاصلة في يوميات بؤس وقهر وألم وانكسار؟ ماذا يفعل املهللون بعد العرض األول في مهرجان، وبعد املشاهدة، إن يشاهد أحدهم/إحداهن فيلمًا يهللون له بعد اختياره؟ إن يعجبهم الفيلم أم ال، فهم مــخــتــفــون فـــي املــشــهــد االفـــتـــراضـــي، تــاركــن بـقـايـا تهليل يـعـكـس ســـذاجـــة فــي التعاطي مع السينما العربية، وعجزًا عن فهم آليات االختيار، فاملهرجانات الدولية، وإن تصنف فئة أولــى، تطرح تـسـاؤالت عن تلك اآلليات، في اختيار أفالم وأعضاء لجان تحكيم أيضًا. آخر مهزلة تتمثل باختيار األميركية غريتا غـــرويـــغ، مـخـرجـة «بـــاربـــي» ،)2023( رئـيـسـة لـلـجـنـة تـحـكـيـم املــســابــقــة الــرســمــيــة: أيــكــون االخـتـيـار نتيجة جماهيرية الفيلم (مليار 445و مليونًا 638و ألفًا 421و دوالرًا أميركيًا إيــــرادات دولــيــة)، أم مــزيــدًا مــن انـبـطـاح أمــام هــولــيــوود، بـجـانـبـهـا االســتــهــالكــي الـبـحـت؟ أيـــــن «االســـتـــثـــنـــاء الـــفـــرنـــســـي» إزاء اخــتــيــار كهذا؟ انفتاح «كان» على السينما األميركية قــديــم، وتـحـويـل املـهـرجـان األول إلــى منصة إلطـــالق أفـــالم أميركية تجارية ـ استهالكية غـيـر جـــديـــد. لـــكـــن، أي فـــائـــدة يـحـصـل عليها املهرجان من هذين االنفتاح والتحويل؟ أي مــصــداقــيــة سـتـحـضـر فـــي اجــتــمــاعــات لجنة تحكيم تترأسها غــرويــغ، غير املــعــروف عن نتاجاتها، إخراجًا وتمثيال، براعة أو تجديدًا أو حرفية خارجة عن العادي؟ مـــــجـــــددًا: املـــهـــرجـــانـــات املـــصـــنـــفـــة فـــئـــة أولــــى (وغيرها، وإن بتفاوت بينها كلها) تحتاج إلـى تأهيل جــذري. وأيـضـًا: ال أهمية ثقافية وفنية ألي مهرجان وألي جائزة، ألن املنجز الــســيــنــمــائــي، إن يــمــتــلــك شـــرطـــه اإلبــــداعــــي، سيبقى أهم من أهم مهرجان وجائزة. لذا، لن يكون هناك أي مغزى من تهليل عربي ساذج باختيار أفـالم عربية في مهرجانات دولية. فـاألهـم واألجـمـل واألكـثـر فـائـدة كامنة كلها في مشاهدة املنجز، ومناقشته.