كي ال ُتْطبَِق إسرائيل وإيران على منطقتنا
تــشــيــر املـــواجـــهـــة املـــبـــاشـــرة، الـــولـــيـــدة بني طـــهـــران وتــــل أبـــيـــب، إلــــى تـــداعـــيـــات تـمـس األمن الجماعي في املشرق العربي، وتنبئ فــــي الــــوقــــت ذاتــــــه بــــانــــزيــــاح فــــي املــفــاهــيــم الــســيــاســيــة واالســـتـــراتـــيـــجـــيـــة، إذ أصــبــح مـــن املــــألــــوف، ويــــا لــلــغــرابــة! الـــحـــديـــث عن صــــراع إيـــرانـــي إســرائــيــلــي، فـيـمـا الــصــراع في األصــل عربي فلسطيني مع االحتالل اإلســرائــيــلــي، وهـــو صــــراع لـــم يـــحـــل حتى اآلن، ولـــم يـتـحـول إلـــى حـالـة ســـالم، إذ إن حــصــيــلــة مــــا حـــــدث مـــنـــذ ثـــالثـــة عـــقـــود أن تــل أبـيـب ازدادت تمسكًا بمشروعها في االســــتــــيــــالء عـــلـــى كـــــل فـــلـــســـطـــني، وانـــتـــقـــل قمعها للرازحني تحت االحتالل إلى حالة مـــن الـــتـــوحـــش وحـــــرب اإلبــــــــادة، ورغـــــم أن هـذه النقلة البنيوية الخطيرة تستدعي، بـداهـة، وقفة تأمل ومراجعة للسلوكيات املساملة مع دولة االحتالل، إال أن شيئًا من ذلك لم يحدث، فيجري االمتناع عن اتخاذ إجـــــراءات جــديــة مـلـمـوسـة ضــد تــل أبـيـب، مــا يلحق الــضــرر بمكانة الــــدول العربية واإلســـــالمـــــيـــــة، وقــــدرتــــهــــا عـــلـــى الــتــعــامــل الناجع مع هذه التحوالت الجيوسياسية، ذات الــنــزعــة الـتـدمـيـريـة واالسـتـئـصـالـيـة. وقبل املضي في هذا الحديث، فإن الصراع اإليــرانــي اإلسـرائـيـلـي يتمحور، مـن طرف طـهـران، حــول بسط النفوذ فـي منطقتنا،
واســتــثــمــار الـــتـــطـــورات، بـمـا فـيـهـا الـحـرب على غزة، لتعزيز هذا النفوذ، فيما يتركز بـالـنـسـبـة إلــــى تـــل أبـــيـــب فـــي إضـــعـــاف أي مـــركـــز قـــــوة فـــي املــنــطــقــة يـــنـــاوئ املـــشـــروع الصهيوني الــرامــي إلــى تصفية القضية الـفـلـسـطـيـنـيـة مـــن جـمـيـع جــوانــبــهــا، ولــو كانت املناوأة هذه من طبيعة أيديولوجية وتعبوية فحسب، مـع قطع الـطـريـق على أي بلد عربي أو إسالمي لتعظيم قدراته فــي حــيــازة أسـلـحـة دمــــار شــامــل أو حتى امتالكه أسلحة تقليدية مـتـطـورة، مع ما يتصل بذلك من محاصرة املوارد العلمية والــتــقــنــيــة ألي صـــنـــاعـــات دفـــاعـــيـــة، وبـمـا يـكـفـل الــتــفــوق اإلســرائــيــلــي عـلـى مجموع الــــدول الـعـربـيـة، بـمـا فيها املــنــخــرطــة في اتفاقيات سلمية معها أو املنفتحة على مــبــدأ إبــــرام اتـفـاقـيـات مستقبلية. والـــذي يـــحـــدث، مــنــذ نــحــو عــقــد عــلــى األقــــــل، أنـــه بـــدل الـعـكـوف عـلـى بــلــورة مــشــروع عربي لألمن الجماعي والبناء الذاتي التنموي الشامل، وصــوغ رؤيــة مشتركة للعالقات مع القوى اإلقليمية على قاعدة املصالح والــحــقــوق الــعــربــيــة، مــنــفــردة ومـجـتـمـعـة، ووفـق مفاهيم القانون الدولي واملواثيق والـشـرعـيـة الــدولــيــة، بـــدال مــن ذلـــك، نشأت حالة من االنشطار لدى املكونات العربية، بني من يـرى فـي تل أبيب شريكًا، وحتى حـلـيـفـًا، فـــي مــواجــهــة املــطــامــع اإليـــرانـــيـــة، وبــــني مـــن يـعـتـقـد أن إيــــــران هـــي الـحـلـيـف املوثوق في مواجهة التوسع اإلسرائيلي، بينما تتمنع أطـراف عديدة عن الـرد على الــــســــؤال الـــجـــوهـــري الــــــذي يـــفـــرضـــه واقــــع الحال: ملاذا ال يكون العرب حلفاء أنفسهم فــــي صـــيـــاغـــة مـــشـــروعـــهـــم لــــألمــــن الــــذاتــــي والجماعي، وملجابهة املشاريع التوسعية والتصدي السياسي للحروب التدميرية، وملـــن يـسـعـون إلـــى جـعـل املنطقة العربية سـاحـة لطموحاتهم ومطامعهم، بما في ذلك قضم الحقوق العربية؟ وهـــــا هــــي ديـــنـــامـــيـــات الـــتـــنـــافـــس املــحــمــوم بـني تـل أبيب وطـهـران تنفلت، وتتخذ من األرض العربية، واملياه العربية اإلقليمية، واألجـواء العربية، ميدانًا لها، مما يبرهن أنه ال يمكن اتخاذ موقف يقوم على الحياد بـاسـم الــنــأي بـالـنـفـس، وال عـلـى االنـحـيـاز الـــســـهـــل ألحـــــد الـــطـــرفـــني. فـــفـــي الــحــالــتــني، يصبح املشرق العربي مفعوال فيه ال فاعال، واألصـل أن ال حياد إزاء املصالح الوطنية والعامة والحقوق الوطنية والقومية، بل انحياز إلى هذه الثوابت، فهي في صميم الـسـيـادة، ولـيـس االنـحـيـاز األوتوماتيكي إلحـــدى الــقــوتــني اإلقـلـيـمـيـتـني. ولــعــل هـذه الـــنـــقـــطـــة تـــســـتـــحـــق مـــــزيـــــدًا مـــــن اإلضـــــــــاء ة، فالصراع فـي املنطقة، منذ 67عــامــًا، يـدور بشأن خطر آخر حلقات االستعمار الغربي في منطقتنا، ممثلة بالدولة اإلسرائيلية املمعنة فــي الــتــوســع والــعــســكــرة، الــتــي لم تجد ما ترد به على مسيرة سلمية طويلة،