Al Araby Al Jadeed

كي ال ُتْطبَِق إسرائيل وإيران على منطقتنا

- محمود الريماوي

تــشــيــر املـــواجـ­ــهـــة املـــبـــ­اشـــرة، الـــولـــ­يـــدة بني طـــهـــرا­ن وتــــل أبـــيـــب، إلــــى تـــداعـــ­يـــات تـمـس األمن الجماعي في املشرق العربي، وتنبئ فــــي الــــوقــ­ــت ذاتــــــه بــــانـــ­ـزيــــاح فــــي املــفــاه­ــيــم الــســيــ­اســيــة واالســـتـ­ــراتـــيـ­ــجـــيـــ­ة، إذ أصــبــح مـــن املــــألـ­ـــوف، ويــــا لــلــغــر­ابــة! الـــحـــد­يـــث عن صــــراع إيـــرانــ­ـي إســرائــي­ــلــي، فـيـمـا الــصــراع في األصــل عربي فلسطيني مع االحتالل اإلســرائـ­ـيــلــي، وهـــو صــــراع لـــم يـــحـــل حتى اآلن، ولـــم يـتـحـول إلـــى حـالـة ســـالم، إذ إن حــصــيــل­ــة مــــا حـــــدث مـــنـــذ ثـــالثـــ­ة عـــقـــود أن تــل أبـيـب ازدادت تمسكًا بمشروعها في االســــتـ­ـــيــــال­ء عـــلـــى كـــــل فـــلـــسـ­ــطـــني، وانـــتـــ­قـــل قمعها للرازحني تحت االحتالل إلى حالة مـــن الـــتـــو­حـــش وحـــــرب اإلبــــــ­ــادة، ورغـــــم أن هـذه النقلة البنيوية الخطيرة تستدعي، بـداهـة، وقفة تأمل ومراجعة للسلوكيات املساملة مع دولة االحتالل، إال أن شيئًا من ذلك لم يحدث، فيجري االمتناع عن اتخاذ إجـــــراء­ات جــديــة مـلـمـوسـة ضــد تــل أبـيـب، مــا يلحق الــضــرر بمكانة الــــدول العربية واإلســـــ­المـــــيـ­ــــة، وقــــدرتـ­ـــهــــا عـــلـــى الــتــعــ­امــل الناجع مع هذه التحوالت الجيوسياسي­ة، ذات الــنــزعـ­ـة الـتـدمـيـ­ريـة واالسـتـئـ­صـالـيـة. وقبل املضي في هذا الحديث، فإن الصراع اإليــرانـ­ـي اإلسـرائـي­ـلـي يتمحور، مـن طرف طـهـران، حــول بسط النفوذ فـي منطقتنا،

واســتــثـ­ـمــار الـــتـــط­ـــورات، بـمـا فـيـهـا الـحـرب على غزة، لتعزيز هذا النفوذ، فيما يتركز بـالـنـسـب­ـة إلــــى تـــل أبـــيـــب فـــي إضـــعـــا­ف أي مـــركـــز قـــــوة فـــي املــنــطـ­ـقــة يـــنـــاو­ئ املـــشـــ­روع الصهيوني الــرامــي إلــى تصفية القضية الـفـلـسـط­ـيـنـيـة مـــن جـمـيـع جــوانــبـ­ـهــا، ولــو كانت املناوأة هذه من طبيعة أيديولوجية وتعبوية فحسب، مـع قطع الـطـريـق على أي بلد عربي أو إسالمي لتعظيم قدراته فــي حــيــازة أسـلـحـة دمــــار شــامــل أو حتى امتالكه أسلحة تقليدية مـتـطـورة، مع ما يتصل بذلك من محاصرة املوارد العلمية والــتــقـ­ـنــيــة ألي صـــنـــاع­ـــات دفـــاعـــ­يـــة، وبـمـا يـكـفـل الــتــفــ­وق اإلســرائـ­ـيــلــي عـلـى مجموع الــــدول الـعـربـيـ­ة، بـمـا فيها املــنــخـ­ـرطــة في اتفاقيات سلمية معها أو املنفتحة على مــبــدأ إبــــرام اتـفـاقـيـ­ات مستقبلية. والـــذي يـــحـــدث، مــنــذ نــحــو عــقــد عــلــى األقــــــ­ل، أنـــه بـــدل الـعـكـوف عـلـى بــلــورة مــشــروع عربي لألمن الجماعي والبناء الذاتي التنموي الشامل، وصــوغ رؤيــة مشتركة للعالقات مع القوى اإلقليمية على قاعدة املصالح والــحــقـ­ـوق الــعــربـ­ـيــة، مــنــفــر­دة ومـجـتـمـع­ـة، ووفـق مفاهيم القانون الدولي واملواثيق والـشـرعـي­ـة الــدولــي­ــة، بـــدال مــن ذلـــك، نشأت حالة من االنشطار لدى املكونات العربية، بني من يـرى فـي تل أبيب شريكًا، وحتى حـلـيـفـًا، فـــي مــواجــهـ­ـة املــطــام­ــع اإليـــران­ـــيـــة، وبــــني مـــن يـعـتـقـد أن إيــــــرا­ن هـــي الـحـلـيـف املوثوق في مواجهة التوسع اإلسرائيلي، بينما تتمنع أطـراف عديدة عن الـرد على الــــســـ­ـؤال الـــجـــو­هـــري الــــــذي يـــفـــرض­ـــه واقــــع الحال: ملاذا ال يكون العرب حلفاء أنفسهم فــــي صـــيـــاغ­ـــة مـــشـــرو­عـــهـــم لــــألمــ­ــن الــــذاتـ­ـــي والجماعي، وملجابهة املشاريع التوسعية والتصدي السياسي للحروب التدميرية، وملـــن يـسـعـون إلـــى جـعـل املنطقة العربية سـاحـة لطموحاتهم ومطامعهم، بما في ذلك قضم الحقوق العربية؟ وهـــــا هــــي ديـــنـــا­مـــيـــات الـــتـــن­ـــافـــس املــحــمـ­ـوم بـني تـل أبيب وطـهـران تنفلت، وتتخذ من األرض العربية، واملياه العربية اإلقليمية، واألجـواء العربية، ميدانًا لها، مما يبرهن أنه ال يمكن اتخاذ موقف يقوم على الحياد بـاسـم الــنــأي بـالـنـفـس، وال عـلـى االنـحـيـا­ز الـــســـه­ـــل ألحـــــد الـــطـــر­فـــني. فـــفـــي الــحــالـ­ـتــني، يصبح املشرق العربي مفعوال فيه ال فاعال، واألصـل أن ال حياد إزاء املصالح الوطنية والعامة والحقوق الوطنية والقومية، بل انحياز إلى هذه الثوابت، فهي في صميم الـسـيـادة، ولـيـس االنـحـيـا­ز األوتوماتي­كي إلحـــدى الــقــوتـ­ـني اإلقـلـيـم­ـيـتـني. ولــعــل هـذه الـــنـــق­ـــطـــة تـــســـتـ­ــحـــق مـــــزيــ­ـــدًا مـــــن اإلضــــــ­ـــاء ة، فالصراع فـي املنطقة، منذ 67عــامــًا، يـدور بشأن خطر آخر حلقات االستعمار الغربي في منطقتنا، ممثلة بالدولة اإلسرائيلي­ة املمعنة فــي الــتــوسـ­ـع والــعــسـ­ـكــرة، الــتــي لم تجد ما ترد به على مسيرة سلمية طويلة،

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar