Al Araby Al Jadeed

النازح السوري في لبنان

- جيرار ديب

فـــي مـطـلـع قـصـيـدتـه الــشــهــ­يــرة «تـرصـيـع بـالـذهـب عـلـى سـيـف دمــشــقــ­ي»، يتساء ل الدمشقي نزار قباني، بقلق، ما إذا كانت مرايا دمشق ستعرفه من جديد أم «غيرته السنون»؟ الم ابن عائلة القباني العريقة في قصيدته نفسه على هذا التغير، ولكن ما لم يخطر بباله ولو عرضًا، أن دمشق الــتــي أتــاهــا فــوجــدهـ­ـا كـمـا هــي بأنهرها السبعة «بعد فرقة دهر»، يمكن أن تتغير. لن يصدق نزار أنه إن أتى اليوم، بعد ربع قرن فقط على دفنه في قلب مدينته كما أوصـى ليستحضر زمانًا في الصالحية سمحا، وذكريات ذاك الفتى الذي لعب في زواريب دمشق، لوجدها تغيرت ولم تعد كما حني غادرها. فــدمــشــ­ق الـــيـــو­م كــمــا أغــلــبــ­يــة مـحـافـظـا­ت سورية، غريبة عن حضارتها، وال تشبه «الهوى األموي». فاملشهدية كلها تغيرت، وبـــــات يـسـكـنـهـ­ا أغــلــبــ­يــة كـــانـــو­ا بــاألمــس الــقــريـ­ـب يـــمـــرو­ن عـلـيـهـا زوارًا، وسـيـاحـا دينيني. إذ تقول املـصـادر إنــه فـي الفترة األخـيـرة، تـزايـد شــراء اإليـرانـي­ـني للبيوت والـعـقـار­ات فـي قلب دمـشـق، مـع تأسيس املـــراكـ­ــز التعليمية الـشـيـعـي­ـة والـــحـــ­وزات والـحـسـيـ­نـيـات، هـــذا مــا يــؤكــد للكثيرين أن التغيير فـي الـهـوى والـهـويـة مشروع يكتمل تجهيزه. األخطر في الحرب على ســـوريـــ­ة، لــيــس فــقــط أنـــهـــا دفــعــت أغلبية ساكنيها كي يكونوا نازحني في مختلف دول الـعـالـم، وتهجيرهم وتشتيتهم في أقاصي املعمورة، بل تكمن الخطورة في الـقـوة الناعمة التي اعتمدتها السياسة اإليرانية لبالد الشام، عبر السعي لتغيير هـويـة هــذا البلد، الـــذي كــان يعتبر «قلب الــعــروب­ــة الــنــابـ­ـض». أمـــا الـــيـــو­م، فـلـم يبق مـــن الـــعـــر­وبـــة إال الـــشـــع­ـــار، حــيــث ربــطــت البالد بمحور أطلقت عليه إيــران محور املـمـانـع­ـة، بينما كـثـرت فيها الجنسيات ذات األغلبية من طائفة تدعمها إيران، مع تصدير ثورتها بعد عام .1979 ال يعاني النازح السوري من مطرقة القوة الناعمة اإليرانية فحسب، بل في لبنان، وبــعــد مـقـتـل املـــواطـ­ــن بــاســكــ­ال سـلـيـمـان، في منطقة جبيل، األحد 7 إبريل/ نيسان الـــحـــا­لـــي، تـــصـــاع­ـــدت مـــوجـــة الــتــحــ­ريــض بــحــق الــنــازح­ــني الــســوري­ــني الــداعــي­ــة إلـى طردهم من لبنان. وبــدأت بعض شـوارع الـعـاصـمـ­ة، كـمـا مـنـاطـق لـبـنـانـي­ـة، تشهد اعـــــــت­ـــــــداء­ات عـــلـــى الــــنـــ­ـازحــــني مـــــن شـــبـــان لبنانيني بطريقة عشوائية، ملجرد أنهم مــن ســـوريـــ­ة، ونــظــمــ­ت الــحــمــ­الت وعـلـقـت مناشير على الجدران تطالبهم باملغادرة فورا. لقد دانت املفوضية السامية لألمم املــتــحـ­ـدة لـــشـــؤو­ن الــالجــئ­ــني بـــشـــدة مقتل املـــــوا­طـــــن الـــلـــب­ـــنـــانـ­ــي بـــاســـك­ـــال ســلــيــم­ــان، وأعـــربــ­ـت عـــن حــزنــهــ­ا الــعــمــ­يــق إزاء هــذه الـجـريـمـ­ة داعــيــة إلـــى حـمـايـة الــســوري­ــني. وأوضـحـت املتحدثة باسمها فـي لبنان، لـــ «الــعــربـ­ـي الــجــديـ­ـد»، أنــــه «عــقــب اإلعـــالن عن الوفاة، تلقينا تقارير أفادت بهجمات استهدفت نـازحـني سـوريـني، فـي مناطق مختلفة في لبنان. وتشير بعض التقارير إلى إقدام سكان محليني في مدن لبنانية مختلفة على رفــع منسوب التهديد إلى حالة الطرد الجماعي». يــقــع الـــنـــا­زح الـــســـو­ري الـــيـــو­م فـــي لـبـنـان، بني الرواية األمنية الهزيلة، والفرضيات املنطقية، وسيناريو االغتيال السياسي، واألحـــكـ­ــام الـطـائـشـ­ة الــتــي اسـتـعـجـل أهـل السياسة ومـنـاصـرو­هـم، وكـذلـك اإلعــالم، الـــخـــر­وج بــهــا لـتـأجـيـج الــخــصــ­ومــة، ومــا تــبــعــه­ــا مــــن ردات فـــعـــل عـــاطـــف­ـــيـــة. لــهــذا بـتـنـا نـسـمـع يـومـيـًا عـــن اعــــتـــ­ـداءات بـحـق النازح، والدعوات إلى مغادرته األراضي الـــلـــب­ـــنـــانـ­ــيـــة، مــــا يــــنــــ­ذر بـــــــأن الــــوضــ­ــع قـد يخرج عن السيطرة، ويعيد إلـى الذاكرة اللبنانية مشهدية الحرب. ال يختلف اثـنـان فـي لبنان على أن ملف النزوح بات يشكل عبئًا على كاهل وطن جــريــح يــئــن سـيـاسـيـًا واقــتــصـ­ـاديــًا، وزاد مـــن أنــيــنــ­ه إصــــــرا­ر حــــزب الـــلـــه عــلــى فتح الـــســـا­حـــة الحــتــمـ­ـالــيــة حـــــرب واســــعــ­ــة مـع العدو اإلسرائيلي. غير أن الواقع ال يشبه التمنيات، فالنازح اليوم هو من يسارع بـالـعـودة إلــى وطـنـه، ولـكـن الــســؤال: متى عـــــاد، هـــل ســيــجــد مـــا تـــركـــه لـــم يــــزل على حاله؟ هل سيعرفه املكان الذي هرب منه خوفًا من املـوت، أم حتى املكانية تغيرت في سورية مع الزمانية التي مّرت؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar