Al Araby Al Jadeed

بن غفير ليس وحيدًا

- بشير البكر

عندما يدعو وزير األمن القومي اإلسرائيلي، إيتمار بن غفير، إلى إعدام األسرى الفلسطينين­ي وال يجد ردًا، فهذا يعني أنـه ليس وحـده من يفكر هكذا. يصرح هـذا العنصري اليميني املتطرف بـضـرورة إعــدام أســرى بسبب االكتظاظ في السجون، وال يجد من يستنكر كالمه أو يعاقبه على ذلك. حني ال يطرده رئيس الوزراء بنيامني نتنياهو من مجلس الوزراء، فهذا يعني أنه يشاركه النظرة ذاتها مع فـارق بسيط، أن بن غفير أكثر وقاحة فقط. وعندما يصمت بقية أعضاء مجلس الوزراء، وأعضاء مجلس الحرب، واملعارضة اإلسرائيلي­ة، كما سبق لهم أن فعلوا حيال دعوة وزير التراث اإلسرائيلي، عميحاي إلياهو، الذي اقترح ضرب غزة بقنبلة ذريـة، فهذا يؤكد أنهم جميعًا على املوجة العنصرية املنفلتة ذاتها، التي تعبر بوضوح عما بلغته املؤسسة اإلسرائيلي­ة من تطرف. ليس كالم بن غفير من فراغ أو دعوة من دون سند، وتؤكد هيئة شؤون األسرى الفلسطينية أن تطبيق دعوته ساري املفعول في السجون اإلسرائيلي­ة، حيث قتلت مجموعة من األسرى منذ بداية الحرب على غزة، كما تمارس إسرائيل االحتجاز القسري ملعتقلني من القطاع، بينهم نساء وأطفال، في أكثر من سجن، ال يقل فظاعة عن «غوانتانامو»، وال أحد يستنكر هذه الجريمة. يـراقـب العالم بصمت جـرائـم إسـرائـيـل فـي غـــزة، وفــي مقدمتها التجويع الـذي يستخدم سالحًا للقتل، من أجل توفير ثمن القذائف، وبينما ال تتوقف املظاهرات في إسرائيل من أجل اإلفراج عن عشرات األسرى اإلسرائيلي­ني في غزة، وهذا حــق مـشـروع، ال أحــد فـي إسرائيل على استعداد لـرؤيـة الـصـورة املرعبة على الجانب اآلخــر. لو كانت إسرائيل تعترف بحقوق اإلنسان والقانون الدولي ملا أسقطت حق حماية األســرى، ولعاملتهم على نحو الئـق، لكنها ليست في هذا الـوارد وهي تجد من يوفر لها الغطاء في الهيئات الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية. ليس بــن غفير عنصريًا إسرائيليًا منقطع الــجــذور عما يحصل فــي العالم، هناك ماليني يشبهونه فـي كــل مـكـان، منهم مـن يـقـودون حكومات فـي بلدان أوروبية عريقة حضاريًا، وبعضهم يطل بصورة دائمة من وسائل إعالم دولية ذات سمعة. وهناك من ال يتحّرج من تبني خطاب بن غفير، وبعضهم اآلخر يمارس الصمت حيال الجرائم اإلسرائيلي­ة املروعة، ويدير وجهه عما يحصل من تدمير يومي، وقتل عائالت بكاملها. يسكتون عن تجويع األبـريـاء وقطع املاء الصالح للشرب عن أكثر من مليوني إنسان، وال يحرج ضمائرهم املنحرفة أن تعامل إسرائيل أهـل غــزة كالحيوانات. واألكـثـر مـن ذلــك، أن هــؤالء يتلقون عقوبة ثمن تطاولهم على الديمقراطي­ة الوحيدة في الشرق األوسط، ديمقراطية االستيطان واألبارتها­يد التي زرعوها في أراضي الفلسطينين­ي كي تسمم حياة هذه الجزء من العالم، وتدّمر مستقبل أجياله، وتمنعه من أن يعيش على أرضه مثل باقي شعوب العالم. يريدون طرد الناس من بيوتهم، ويستكثرون عليهم حتى االحتجاج، في حني أن القانون الدولي يقر بحق الشعوب في املقاومة. في العالم العربي هناك تيار واسع على شاكلة بن غفير، ال يقتصر فقط على مطبعني يواصلون «البزنس» مع القتلة؛ مجرمي الحرب في إسرائيل، الذين دمروا حياة املاليني من الفلسطينين­ي، بل يتجاوزهم إلى الشهود على الجريمة، سواء كان عن رضا أو خوف أو بداعي العجز. كل هؤالء شركاء بدرجات في جريمة إبادة غزة، التي تقاتل بعينيها وال تركع، ال تدافع عن نفسها فقط، بل عن حق كل األحرار بالكرامة والحرية. غزة الصغيرة والفقيرة، املحاصرة بالطغاة، معجزة إنسانية في هـذا العالم الشاسع والغني، تعلمه كـل يـوم قيمة الدفاع عن الحق والعدالة، وال تتراجع عن ذلك مهما كان الثمن.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar