نازحو غزة... مشاريع صغيرة لمحاولة العيش بكرامة
يدفع طول أمد العدوان اإلسرائيلي على غزة نازحين إلى افتتاح مشاريع خاصة توفر لهم متطلبات أسرهم في ظل فقدان مصادر الدخل التي تسمح بأن يعيشوا بكرامة
الــتــركــيــز. وتـــوضـــح أبـــو عـطـيـة فـــي حديثها لـــ«الــعــربــي الـــجـــديـــد»: «يــجــب الــتــركــيــز على التفريغ النفسي وتقليص ساعات الدراسة وتــــعــــزيــــز األنــــشــــطــــة الــــفــــكــــريــــة واملـــخـــاطـــبـــة وتـــحـــســـن جــــــودة مـــشـــاركـــة الــتــلــمــيــذ حـتـى يكون عامًا جيدًا. األزمة التي يشهدها قطاع التعليم هــي األســـــوأ». ويـــرى مـديـر مدرسة بــيــت الهـــيـــا الـــثـــانـــويـــة لــلــبــنــن زيـــــاد خـلـيـل، املـــوجـــود بــن الــنــازحــن فــي مـديـنـة رفــــح، أن الــــعــــدوان اإلســـرائـــيـــلـــي الـــحـــالـــي قــضــى على سنوات تعليمية مقبلة في قطاع غزة، علمًا أن قـطـاع التعليم كـــان يــواجــه قـبـل الــعــدوان اإلسرائيلي معوقات عديدة بسبب الحصار اإلســـرائـــيـــلـــي، بـــاإلضـــافـــة إلــــى عــــدم الــســمــاح بــتــطــويــر الــــوســــائــــل الــتــعــلــيــمــيــة الــحــديــثــة، وتقييد حركة التنقل والتواصل بن مدارس الــضــفــة الــغــربــيــة وقـــطـــاع غـــــزة. ويــشــيــر إلــى أنـــه فــي ظــل تـدمـيـر املـــــدارس وقــتــل التالميذ واملــعــلــمــن يــتــوقــع مــرحــلــة كـــارثـــيـــة مـــا بعد الحرب، ويذكر أنه كان يعمل ناظرًا في إحدى املدارس التي تعرضت للتدمير خالل عدوان عام ،2014 واحتاجت إعادة إعمارها سنوات، ويقول لـ«العربي الجديد»: «واجهنا أضرارًا نفسية عانى منها التالميذ بعد عدوان عام ،2014 لكن العدوان الحالي هو أكثر شراسة فـي ظـل التدمير الكبير لـلـمـدارس واملــرافــق. هل ستكون إعادة إعمار املدارس بعد انتهاء الــــــعــــــدوان ســــريــــعــــة؟ هــــل ســـيـــرفـــع الـــحـــصـــار اإلسـرائـيـلـي؟ هـل ستكون هناك حرية تنقل
يجب التركيز على التفريغ النفسي وتقليص ساعات الدراسة بعد العدوان
لن يكون سهًال على التالميذ تجاوز صدمة خسارة زمالئهم
بعد العدوان؟». يضيف: «األسئلة كبيرة. لو كانت اإلجابات نعم، حينها يمكن استكمال املسيرة التعليمية. لكن في حال بقاء الوضع فـي غــزة كما كــان عليه الـحـال قبل الــعــدوان، مــع الــدمــار والـقـتـل الــحــالــي، فـإنـنـا سنواجه أمراضًا نفسية وأوبئة تدوم لسنوات ألن ما تعرضنا لـه حــرب إبـــادة تمسح أي ذكـريـات تعليمية فــي غــــزة». إلـــى ذلــــك، أعــــرب خـبـراء األمم املتحدة لحقوق اإلنسان عن قلقهم إزاء التدمير املمنهج واملتعمد للنظام التعليمي فـــي قـــطـــاع غـــــزة، والـــهـــجـــمـــات عــلــى املـــــدارس والـــجـــامـــعـــات واملــعــلــمــن والــــطــــالب. وأشــــار الخبراء، في بيان، إلى تدمير جيش االحتالل اإلسرائيلي أكثر من 80 في املائة من املنشآت التعليمية في قطاع غزة.
يـنـشـغـل الـفـلـسـطـيـنـي مــحــمــد مــطــيــر من مــــديــــنــــة غـــــــزة بــــعــــرض حــــلــــوى األطــــفــــال واملــســلــيــات، فــي شـكـل الفـــت، أمـــام خيمة الــنــزوح الـتـي يمكث فيها فـي منطقة تل السلطان غربي مدينة رفح جنوبي قطاع غــــزة، ملــحــاولــة اســتــغــالل الــوقــت وتـوفـيـر مصدر دخل إلعالة أسرته. افتتح بعض الــنــازحــن الـعـاطـلـن عــن الـعـمـل بسطات داخل خيمهم لبيع الحلويات واملسليات والـــحـــطـــب واملــــيــــاه املـــفـــلـــتـــرة واملــنــظــفــات واملــواد التموينية والبقوليات، وآخـرون أفــرانــًا طينية لطهي الـطـعـام للنازحن، كــمــا اشـــتـــروا ألـــواحـــًا لـلـطـاقـة الشمسية لتقديم خدمات شحن الهواتف الخلوية واألجهزة الكهربائية مقابل أموال. أيضًا أنـــشـــأ الــبــعــض بــســطــات لــبــيــع حــلــويــات مـصـنـعـة يـــدويـــًا مـثـل الــعــوامــة والـكـنـافـة وأصـــــابـــــع زيــــنــــب، أو مـــــأكـــــوالت شـعـبـيـة مثل الفالفل واملفتول واألرز. وكـان الفتًا أيضًا استغالل أشخاص الحرف واملهن التي يتقنونها إلنشاء مصالح صغيرة يقدمون فيها خدمات مختلفة. ومن بن هـذه املصالح بسطة للحالقة وتصفيف شــعــر الـــنـــســـاء، وأيـــضـــًا عــــيــــادات لـتـقـديـم استشارات طبية بأمراض الصحة العامة والـــعـــيـــون واألســــنــــان، وأيـــضـــًا األمـــــراض الــجــلــديــة وأخـــــرى طــــرأت بـسـبـب الــنــزوح واالكــــتــــظــــاظ. ويــــقــــول مــطــيــر الــــــذي نـــزح مــن حــي الـشـيـخ رضــــوان شـمـالـي مدينة غـــزة إلـــى مخيم الـبـريـج (وســــط)، ثــم إلـى الجنوب، لـ«العربي الجديد»: «عملت مع بداية الحرب في مهنتي األساسية وهي تعبئة وتــوزيــع غــاز الطهي، ثـم أجبرني شـــح الــغــاز بسبب الـحـصـار اإلسـرائـيـلـي على التوقف، ثـم أنـشـأت بسطة صغيرة لـــبـــيـــع الـــخـــضـــر فــــي مـــرحـــلـــة أولــــــــى، قـبـل أن أوســــــع عــمــلــي عــبــر إضـــافـــة حــلــويــات وسـكـاكـر ومـسـلـيـات، وبـعـض املتطلبات الـخـاصـة بـالـطـهـي، وبــاقــي الـــلـــوازم التي تحتاجها األسر النازحة». ويـوضـح أن العائد املــادي البسيط الذي يحصل عليه يوميًا يـسـاعـده فـي توفير املــتــطــلــبــات األســـاســـيـــة ألســــرتــــه فــــي ظـل تواصل الحرب والخطر وانقطاع مصادر الدخل التي يمكن أن تعينه في مواجهة الــــنــــزوح الــصــعــب واملــــرهــــق. أمــــا شقيقه شــادي مطير فيعمل في شحن الهواتف الخلوية من خالل مشروع بسيط للطاقة الشمسية أنشأه في جزء من الخيمة التي يمكث فيها. ويقول لـ«العربي الجديد»: «بـــــاتـــــت هــــــذه املـــصـــلـــحـــة مــــصــــدر دخـــلـــي الــوحــيــد بـعـدمـا تــوقــف عـمـلـي األســاســي بسبب النزوح القسري الذي كان يوفر لي املال». ويشير إلى «صعوبة حياة النزوح الـتـي تفتقر إلــى أي مـن مقومات الحياة والـــعـــمـــل الــطــبــيــعــي أيـــضـــًا. وقــــد دفـعـنـي الواقع الصعب إلى التفكير بإيجاد بدائل حـتـى إذا كــانــت بسيطة مــن أجـــل توفير دخل، واشتريت ألواحًا للطاقة الشمسية وافتتحت بسطة لشحن الهواتف الخلوية وأجهزة اإلنارة الصغيرة بمقابل مادي». مــــن جـــهـــتـــه يـــتـــحـــدث الـــســـتـــيـــنـــي صــبــري املـــقـــوســـي لــــ «الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد» عــــن أنـــه
فـــقـــد بــيــتــه فــــي األيـــــــام األولـــــــى لـــلـــعـــدوان اإلسرائيلي املتواصل فنزح إلى الجنوب حـيـث األوضــــاع املعيشية واالقـتـصـاديـة واألمنية صعبة جدًا. ويقول: «اضطررت لــلــعــمــل فـــي مـــجـــال تــعــبــئــة مـــيـــاه الــشــرب لــتــوفــيــر مـــصـــدر دخـــــل ألســــرتــــي املــؤلــفــة مـن سبعة أفـــراد فـي ظـل شـح املـسـاعـدات اإلنــــســــانــــيــــة وانــــــعــــــدام مـــــصـــــادر الـــدخـــل الــبــديــلــة، وغــــالء األســـعـــار غــيــر املـسـبـوق الـــذي طـــاول املـــواد الـغـذائـيـة واملتطلبات اليومية لـأسـر». ورغــم االرهـــاق الشديد الـــــــــذي يـــصـــيـــب املــــقــــوســــي جـــــــــراء عــمــلــه املتواصل على مدار اليوم في ظل ظروف صـعـبـة، يـــرى أن هـــذا الـعـمـل مـهـم للغاية على الصعيد الشخصي من أجـل توفير لقمة عيش أسرته، وأيضًا على الصعيد الـــــعـــــام لـــتـــأمـــن مــــيــــاه صـــالـــحـــة لــلــشــرب لـلـنـازحـن فــي الـخـيـام املـــجـــاورة، فــي ظل النقص الشديد في هذه املادة األساسية. ويتشابه حــال معظم أصــحــاب املشاريع الصغيرة في صفوف النازحن. ويوضح مؤيد عبد املجيد الــذي أنشأ فرنًا طينيًا لصنع الخبز واملعجنات وبعض أصناف الـــكـــعـــك والـــحـــلـــويـــات، أن دخـــلـــه الــيــومــي يساعده في سد رمق أسرته. ويشير عبد املجيد الذي بدا مرهقًا خالل تنفيذه مهمة إنــضــاج صينية الـبـطـاطـس داخــــل الـفـرن الطيني، إلــى أنــه يتعاون مـع أشقائه في الــعــمــل، ويــتــولــى بـنـفـسـه عـمـلـيـة الـطـهـي، فـــي حـــن يــتــابــع شـقـيـقـه مــحــمــود تــزويــد الفرن كمية الحطب الالزمة إلشعال النار، ويتسلم والده صواني الطعام والخبز من الزبائن ويسلمها لهم. ويذكر أنه يصاب بإرهاق شديد خالل العمل أمام فرن النار، خاصة مع اشتداد درجـات الحرارة خالل النهار، ويقول: «ال أملك إال خيار مواصلة هـــــذا الـــعـــمـــل رغـــــم الـــتـــعـــب لــتــوفــيــر طــعــام للصغار وكـبـار الـسـن، وبـاقـي املتطلبات املعيشية، ونحن لم نستطع جلب أي شيء معنا حن نزحنا من مدينة غزة في الشهر األول للحرب». ويرى رئيس االتحاد العام لنقابات عـمـال فلسطن فــي غـــزة، سامي العمصي، في حديثه لـ«العربي الجديد»، أن «استمرار العدوان اإلسرائيلي للشهر الــســابــع عــلــى الـــتـــوالـــي أفــقــد شــريــحــة من الــعــمــال، وفـــي مـقـدمـهـم أولــئــك املــيــاومــون مـــــصـــــادر رزقـــــهـــــم بـــســـبـــب تـــدمـــيـــر أمـــاكـــن عــمــلــهــم، وفــــــرض االحــــتــــالل اإلســرائــيــلــي سياسة التهجير القسري التي اجبرتهم على ترك مناطق عملهم وسكنهم». يتابع: «دفــــــع تـــفـــاقـــم حـــــدة األزمــــــــات الـــتـــي بــــدأت باالنتهاكات وإغـالق املعابر ومنع دخول كــل املــــواد األسـاسـيـة شريحة مــن العمال إلـــــى ابـــتـــكـــار مـــشـــاريـــع صـــغـــيـــرة لـتـوفـيـر متطلبات أسرهم في ظل انقطاع مصادر دخــلــهــم األســـاســـيـــة الـــتـــي كـــانـــت تكفيهم بــالــكــاد لـتـوفـيــر هــــذه املــتــطــلــبــات نتيجة تدني املداخيل املادية قبل الحرب بسبب التداعيات السلبية للحصار التي أثـــرت على كل القطاعات االقتصادية.