Al Araby Al Jadeed

أزمة السكن في إيران إخفاق في حل مشكلة بدأت قبل ثالثين عامًا

تصل جذور أزمة السكن في إيران إلى ثالثين عامًا لم تتمكن خاللها الحكومات المتعاقبة من االلتزام بنص الدستور، الذي يحّملها مسؤولية توفير البيت المالئم للمواطنين، حتى إنهم يحتاجون إلى 79 عامًا من االنتظار لتحقيق حلمهم

- طهران ـ صابر غل عنبري

لـــم يـتـمـكـن الــــزوجـ­ـــان اإليـــران­ـــيـــان شــاهــن رئـفـتـي وآزيــتــا كريميان مــــــن شـــــــــ­ـراء بــــيــــ­ت بــــعــــ­د عـــشـــري­ـــن عـــامـــا مـــن الــــــــ­زواج، إذ يــتــنــق­ــان ســنــويــ­ا في طـــهـــرا­ن مـــن بــيــت إلــــى آخــــر. ويـــقـــو­ل شـاهـن لــ«الـعـربـي الـجـديـد» إنــه اضـطـر إلــى السكن جنوبي الـعـاصـمـ­ة، حيث األســعــا­ر أرخــص، إذ يدفع ثلث دخله الشهري إليجار البيت، بــاإلضــا­فــة إلـــى 450 مـلـيـون تــومــان 9( آالف دوالر أمــيــركـ­ـي) رهــنــا لـــدى صــاحــب الـبـيـت، وما يتبقى من دخله، ال يكفي لتغطية بقية تكاليف الحياة وبالطبع ادخار مبلغ لشراء بيت الحقا. ويــعــمــ­ل شــاهــن ســائــقــ­ا لــســيــا­رة أجــــرة منذ خمس سنوات، ويجني 650 دوالرًا لقاء 14 ساعة عمل يوميا، وبعدما سمع بمشروع «نــــهــــ­ضــــة الــــســـ­ـكــــن الــــوطــ­ــنــــيــ­ــة» الـــحـــك­ـــومـــي عــــام 2021 ســجــل فــيــه واضـــعـــ­ا آمـــالـــ­ه عليه لـــاســـت­ـــقـــرار، عـــبـــر امــــتـــ­ـاك شـــقـــة مــــن بــــن 4 مــــايـــ­ـن وحــــــــ­دة مـــخـــصـ­ــصـــة لــــــــذ­وي الـــدخـــ­ل املــحــدو­د، كــان يفترض أن ينتهي تنفيذها خــــال أربـــــع ســــنــــ­وات. «لـــكـــن عـــامـــن انـتـهـيـا مــن دون مـعـرفـة مصير املـــشـــ­روع، وكـــان من املفترض عند تـوفـر الشقة دفــع قسط أولـي قـــدره نـحـو 8 آالف دوالر، والحــقــا لعشرين عـامـا دفــع أقـسـاط تـبـدأ مـن نحو 200 دوالر شهريا وتتصاعد بالتدريج».

جذور أزمة السكن

ال تعد أزمة السكن وليدة السنوات األخيرة فـي إيـــران الـتـي تشهد عـقـوبـات شاملة منذ عام ،2018 على خلفية االنسحاب األميركي من االتفاق الـنـووي، بل تعود إلـى 30 عاما، كما يقول الخبير السكني مجيد غــودرزي، مــــوضـــ­ـحــــا أن أســـــعــ­ـــار الــــســـ­ـكــــن خـــــــال هــــذه العقود الثاثة ارتفعت نحو 1472 ضعفا، مـــع تـسـجـيـل قـــطـــاع الـــعـــق­ـــارات والــســكـ­ـن في الــبــاد قــفــزات متواصلة خــال هــذه الفترة، إذ وصـــل مـتـوسـط سـعـر مـتـر املـكـعـب لشقة سكنية فـي العاصمة حاليا إلــى 77 مليون تومان 1540( دوالرًا) بحسب بيانات مركز اإلحصاء اإليراني الحكومي املنشورة في 20 أكتوبر/تشرين األول .2023 ويضيف املركز أن أسعار السكن زادت خال عـام، بداية من أكتوبر 2022 وحـتـى أكتوبر ،2023 بنسبة 75 في املـائـة، بينما سجل تضخم األسعار في بقية السلع نحو 46 في املائة. وال يمتلك 42 في املائة من سكان إيـران، البالغ عددهم 85 مليون نسمة، بيتا، كما تصل النسبة إلى 50 في املائة من سكان العاصمة 9( ماين نـسـمـة)، ويـقـطـنـو­ن فــي وحــــدات مـسـتـأجـر­ة، حـــســـب مــــا يـــوضـــح­ـــه لـــــ «الـــعـــر­بـــي الـــجـــد­يـــد» عضو مجلس تحرير مـوقـع «اقــتــصــ­اددان» (خــاص)، مجيد غــودرزي، محددًا أهم عامل لزيادة أسعار السكن والعقارات بـ«اإلهمال الحكومي، وتــرك القطاع بـا رعـايـة ورقابة قانونية»، كاشفا عن أنـه حتى اليوم ومنذ 116 عاما حينما تشكل أول مجلس وطني (برملان) في الباد، ال يوجد أي نص قانوني ينظم شـــؤون قـطـاع السكن والتسعير فيه، بينما في معظم االقتصادات الحرة بالدول األوروبـــ­ـيــــة يـــوجـــد نـــظـــام تـسـعـيـر مـنـاطـقـي. وتساهم البنوك الحكومية الخاصة املتنفذة فــي خـلـق أزمـــة الـسـكـن وتـشـديـده­ـا، إذ إنها تـمـنـع إقـــــرار أي قـــانـــو­ن للتسعير الـسـكـنـي، وفــــق غـــــــود­رزي، والـــــذي أكــــد أن كـــبـــار املـــاك وفي مقدمتهم البنوك، يقاومون أي ضرائب تفرض على البيوت غير املأهولة من خال رفع األسعار.

انتظار حتى 79 عامًا

حتى يتمكن املواطن اإليراني من شراء بيت، وفـــق مـتـوسـط الــدخــل الـشـهـري الـــذي يـعـادل 307 دوالرات، يــحــتــا­ج إلــــى 79 عـــامـــا، كما يقول الخبير غـــودرزي، مضيفا أن القروض الحكومية املخصصة لتمويل السكن تقدم بــأربــاح عـالـيـة، بينما فــي دول أخـــرى تمنح بأقل األرباح. وتقدم الحكومة عبر بنك السكن أصنافا مختلفة من القروض، منها منح 80 مليون تومان (ما يعادل 1600 دوالر) لشراء البيت األول في مراكز املحافظات واملدن التي يفوق عدد سكانها 200 ألف شخص، ولبقية املـدن ما دون هذا العدد السكاني 60 مليون تــومــان 1200( دوالر)، 100و مـلـيـون تـومـان 2000( دوالر) في طهران، على أن تسدد على شكل أقـسـاط شهرية يبلغ كـل منها مليون 600و ألف تومان (نحو 30 دوالرًا) خال عشر سنوات وبأرباح ،%17.5 كما يقول الرئيس السابق لإلدارة العامة للصيرفة اإللكتروني­ة ببنك الزراعة الحكومي، إيـرج يوسفي. «وال يـسـاوي هــذا املبلغ فـي طـهـران شـــراء مترين مــن شـقـة سكنية فــي جـنـوبـهـا، نـاهـيـكـم عن شمالها، حيث يبدأ سعر كل متر في جنوب طهران من 70 مليون تومان 1400( دوالر) إلى أكثر مـن 300 مليون تـومـان 6( آالف دوالر) في شمالها»، بحسب يوسفي. أما القروض التي يفترض أن تقدم للمسجلن بمشروع نـهـضـة الـسـكـن الـوطـنـيـ­ة فــتــتــر­اوح بــن 300 مـلـيـون للمحافظات، 400و مـلـيـون 8( آالف دوالر) في طهران، على أن تسدد على شكل أقساط خال عشرين عاما، بقيمة 10 ماين تومان 200( دوالر) كل شهر. كما أنها تمنح بـأربـاح 2 فـي املـائـة لألسر مـحـدودة الدخل، تــحــت رعـــايـــ­ة مــؤســســ­ات اإلغـــاثـ­ــة والــرعــا­يــة االجـتـمـا­عـيـة، لكنها أيــضــا غـيـر قــــادرة على تسديد األقساط بحسب ما رصـده يوسفي. الـــافـــ­ت أن 650 ألــــف عـــائـــل­ـــة، مـــن أصــــل 1.7 مليون عائلة سجلت في املشروع، تمكنت من إكـمـال أوراقــهــ­ا الثبوتية، مـا يعني أن ثلثي املسجلن غير قادرين على تسديد القروض، ألنـــهـــ­م لــــم يــســتــك­ــمــلــوا عــمــلــي­ــات الــتــســ­جــيــل، بحسب تحليل البيانات املنشورة على موقع وكــالــة «ركــنــا» اإليــرانـ­ـيــة اإلصــاحــ­يـة فــي 13 نوفمبر/تشرين الثاني املاضي.

مشاريع حكومية غير مدروسة

تبنت الحكومات اإليرانية منذ مجيء الثورة اإلسامية عام 1979 مشاريع متعددة، بدءًا من منح األراضي ملوظفي الحكومة بأسعار زهــــيـــ­ـدة، ومـــــــر­ورًا بـــمـــشـ­ــروع «مـــهـــر» للسكن فـي عهد الرئيس اإليــرانـ­ـي األسـبـق محمود أحـمـدي نـجـاد 2005( ـ )2013 ووصـــوال إلى مــشــروع «نهضة الـسـكـن» الـوطـنـي الحالي، كما يقول الخبير في قطاع السكن، فرشيد إيـاتـي لــ«الـعـربـي الـجـديـد» مضيفا أنــه في عهد حكومة الرئيس السابق حسن روحاني لم تنفذ أي مشاريع سكنية بعدما انتقدت املشاريع السابقة، وطرحت الحكومة وقتها مشروعا باسم «السكن االجـتـمـا­عـي»، لكنه ظل حبرًا على الورق، ولم ينفذ، ولم توضح الحكومة حتى مــاذا تعني بـاملـشـرو­ع، وهو ما أدى إلى ارتفاع الطلب وتراجع العرض، ثم ارتفعت أسعار البيوت والعقارات. وبــنــت إيـــــران مــنــذ 1997 وحــتــى عــــام 2018 ثمانية مـايـن شـقـة سكنية جــديــدة، منها 4 مـايـن 800و شقة ضمن مـشـروع «مهر» الــســكــ­نــي فـــي عــهــد أحـــمـــد­ي نـــجـــاد، بحسب بيانات صادرة عن مركز اإلحصاء اإليراني فـــي يــنــايــ­ر/كــانــون الــثــانـ­ـي ،2019 ويضيف الخبير إياتي وهو من مديري مركز نوادي الــفــكــ­ر اإليــــرا­نــــي املــســتـ­ـقــل، املــعــنـ­ـي بـتـطـويـر األداء والـــســـ­يـــاســـا­ت فـــي مـخـتـلـف املـــجـــ­االت االقتصادية، بما فيها السكن، أن الحكومة الــحــالـ­ـيــة مــنــذ تـشـكـيـلـ­هـا فـــي أغـــســـط­ـــس/آب 2021 أعلنت عن مشروع لبناء 4 ماين شقة سكنية، يتوقع أن توفر السكن ألكثر من 12 مليون شخص، مشيرًا إلـى بـدء تحضيرات

بناء مليون 700و وحدة سكنية، ما من شأنه أن يحسن الوضع، الفتا إلى أن وزارة الطرق والسكن وبناء املدن تتولى مسؤولية تنفيذ املشاريع في الباد.

حقيقة ما جرى تشييده ضمن مشروع نهضة السكن

يـــــؤكــ­ـــد الــــعـــ­ـضــــو الـــــســ­ـــابـــــ­ق بـــمـــجـ­ــلـــس إدارة منظمة الهندسة اإلنشائية غير الحكومية، أحـــمـــد رضــــا ســـرحـــد­ي لــــ«الـــعـــر­بـــي الــجــديـ­ـد» أن الـحـكـومـ­ات املتعاقبة بعد الــثــورة لــم تقم بــواجــبـ­ـهــا الــقــانـ­ـونــي تـــجـــاه تــوفــيــ­ر املــســاك­ــن لـــلـــمـ­ــواطـــنـ­ــن والـــــــ­ذي تـــنـــص عــلــيــه املـــــــ­ادة 31 بــالــدسـ­ـتــور، مـــا عـــدا حـكـومـة أحـــمـــد­ي نـجـاد، الـتـي أطلقت مـشـروع «مــهــر»، ورغـــم مشاكله وإشكالياته املتعددة املرتبطة بطريقة البناء االقتصادي، لكنه كان جيدًا، مشيرًا إلى تأثير مشاكل املــوازنـ­ـة وشــح املـــوارد، مـا يعوق حل األزمـــة. وقبل الـثـورة لـم يكن هناك مـا يمكن اعــتــبــ­اره أزمــــة ســكــن، كـمـا يــوضــح ســرحــدي، مستدركا بأن الباد عرفت وقتها نقصا في الـوحـدات املتوفرة، بعد موجة هجرة بعض سكان القرى إلـى املــدن، جــراء تنفيذ مشروع اإلصاح األرضي عام 1961 أو ما عرف أيضا بالثورة البيضاء، عبر توزيع األراضــي على الـفـاحـن. وتـنـص املـــادة الـحـاديـة والثاثن مــن الــدســتـ­ـور اإليـــران­ـــي، املـنـشـور عـلـى موقع الخارجية اإليرانية، على أن «امتاك املسكن املناسب للحاجة حق لكل فرد إيراني، ولكل أســـــرة إيـــرانــ­ـيـــة، والـــحـــ­كـــومـــة مــلــزمــ­ة بـــإعـــد­اد مـــقـــدم­ـــات تـنـفـيـذ هــــذه املــــــا­دة حــســب أولـــويــ­ـة األكـــثــ­ـر حـــاجـــة إلــــى الـــســـك­ـــن، ال ســيــمــا سـكـان الـــقـــر­ى والــــعــ­ــمــــال». وعــــن مـــشـــرو­ع الــحــكــ­ومــة الحالية الرامي لبناء 4 ماين وحدة سكنية، يـقـول الخبير سـرحـدي إن الـرئـيـس إبراهيم رئيسي طرح هذا املشروع كدعاية انتخابية عام ،2021 معتبرًا أن املشروع «غير مدروس وغـيـر عـلـمـي»، ألن إيــــران ال تملك إمكانيات وقــــــــ­ـدرات بـــنـــاء 4 مـــايـــن شـــقـــة ســكــنــي­ــة فـي أربـــع ســنــوات. ويكلف املــشــرو­ع نحو ثاثة تـريـلـيـو­نـات تــومــان 60( مـلـيـار دوالر حسب سعر 50 ألف تومان في مقابل الدوالر)، حسب الـخـبـيـر ســـرحـــد­ي، والـــــذي أكــــد أن الـحـكـومـ­ة تمكنت مـن توفير 12 تريليون تـومـان فقط، أي 240 مليون دوالر، ما يعني عـدم قدرتها على تغطية كلفة تنفيذ املشروع، وهو ما أدى إلى الضغط على البنوك لتوفير هذه املوازنة، لكنها أيضا ال تملك مــوارد كافية. ويخلص سـرحـدي إلــى أن الحكومة الحالية «عـاجـزة عن تنفيذ هذا املشروع، ويمكنني القول إنها بعد مرور عامن تمكنت فقط من بناء 200« ألف وحدة سكنية»، ويشير الخبير اإليراني إلى أن الحكومة أخفقت أيضا في تخصيص األراضـــي الـازمـة للمشروع، الفتا في الوقت ذاته إلى أن القطاع الخاص يبني سنويا ما بـن 500 ألــف إلــى 700 ألــف شقة سكنية في الباد. وبسبب تصاعد األزمــة، يكشف مركز الــبــحــ­وث الــتــابـ­ـع ملـجـمـع تشخيص مصلحة الــنــظــ­ام، فــي تــقــريــ­ر، نــشــره عـلـى مـوقـعـه يـوم 22 سبتمبر/ أيـلـول 2020 عـن نشوء ظاهرة «العيش على هـامـش الـعـشـوائ­ـيـات»، مشيرًا إلى أنه نتيجة األوضاع االقتصادية الصعبة فـقـدت أســر إيـرانـيـة الــقــدرة على توفير ماذ للعيش في املناطق العشوائية، فاضطرت إلى التراجع للعيش على هامش هذه املناطق.

يلزم الدستور اإليراني الحكومة بتوفير المسكن المالئم لكل فرد

تساهم البنوك الحكومية الخاصة المتنفذة في خلق أزمة السكن

 ?? )Getty( ?? لم ينفذ مشروع اإلسكان االجتماعي بعد طرحه في عهد روحاني
)Getty( لم ينفذ مشروع اإلسكان االجتماعي بعد طرحه في عهد روحاني
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar