Al Araby Al Jadeed

«مسرحية التعارض» بين واشنطن وتل أبيب

- حسن مدن

إن وِجــدت «مسرحية» في املواجهة الدائرة في املنطقة، فهي «مسرحية التعارض» املزعوم بني وجهتي النظر األميركية واإلسرائيل­ية في طريقة إدارة هـذه املواجهة، سواء تعلق األمر بالعدوان الصهيوني املستمر منذ أشهر على قطاع غزة أو بتبادل الضربات بني إيران وإسرائيل. كل ما في األمر أن لكل من رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتنياهو والرئيس األميركي جو بايدن حسابات خاصة متصلة بالوضع الداخلي، فالجنوح إلى هدنة في غـزة، كي ال نقول وقف العدوان عليها، فضال عن التهدئة مع طهران، سيفقد نتنياهو ورقته األساس التي تبقيه رئيسًا للحكومة في إسرائيل، في ظل استقطاب داخلي حرج، أججته أزمة الرهائن املحتجزين في غزة، فيما بايدن على عتبة انتخابات رئاسية حاسمة في األشهر املقبلة، والعدوان على غــزة ببشاعته املستمرة، ومخاطر انـجـرار املنطقة نحو حـرب إقليمية شاملة، قد تضعف فرصته، هو اآلخر، في البقاء. أي حديث عن تضارب أو تناقض في الرؤى بني واشنطن وتل أبيب مجرد وهم. هناك اتحاد في املصالح بينهما، راسـخ واستراتيجي ومتني، وتنسيق وتعاون في تنفيذ املهام، حتى إن بدا أن لكل من املتربعني على قمة السلطة في البلدين، نتنياهو وبايدن، بعض الحسابات التي ال تنال من جوهر التحالف بينهما، وإنما تتصل بأمور شكلية ليس أكثر. فاجتياح أراضي غزة وارتكاب ما يرتكب فيها من فظائع ما كانا ممكنني لوال التغطية السياسية والدعم اللوجستي بوجوهه كافة من إدارة بايدن. آخر «الفيتوهات» األميركية املتصلة بالحق الفلسطيني كان تعطيل إرادة غالبية أعضاء مجلس األمن بمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطني في األمم املتحدة، رغم الدعم الساحق الذي ناله املقترح، علمًا أن 137 من الدول األعضاء في األمم املتحدة 193( دولة) اعترفت حتى اليوم بدولة فلسطني، ما يظهر زيف كل ما يقال على ألسنة كبار املسؤولني األميركيني من تأييدهم حـل الدولتني، وإقـامـة دولــة فلسطينية مستقلة، وسعيهم إليها. فكيف يستقيم ذلك مع تعطيل هذا القرار وسط تحذير األمـني العام لألمم املتحدة أنطونيو غوتيريس من انزالق الشرق األوسط إلى «نزاع إقليمي شامل»؟ مثال آخـر ال يقل بالغة، وجدناه في حجم الدعم العسكري الـذي قدمته واشنطن إلسرائيل خالل تصديها للهجوم اإليراني ردًا على استهداف تل أبيب القنصلية اإليرانية في دمشق ومقتل عـدد من القادة العسكريني اإليرانيني. وهـو استهداف قوبل بغض طرف أميركي، فغالبية املسيرات والصواريخ اإليرانية أسقطتها الواليات املتحدة وبريطانيا وفرنسا قبل بلوغها األراضي املحتلة. وعـــن صحيفة جـيـروزالـ­يـم بـوسـت الـعـبـريـ­ة، تنقل «بـــي بــي ســـي» مــا قـالـتـه الكاتبة اإلسرائيلي­ة كوكي شويبر إيسان: «قبل بضعة أيام فقط، بدا أنه جرى التخلي عن إسرائيل وازدراؤها من جانب كل دولة على وجه األرض تقريبًا. لم يكن لدى الواليات املتحدة أي مشكلة في انتقاد الطريقة التي تدار بها الحرب... وكانت النيات الحسنة لدى الجميع تقريبًا قد تأثرت. تبخرت في الهواء، ما جعلنا نشعر كما لو كنا وحدنا». لكنها تستدرك: «تطور مفاجئ وغير متوقع أوضح أننا لسنا وحدنا في املعركة». ثم عددت أوجه الدعم الذي حصلت عليه إسرائيل من الدول التي ذكرنا بعضها، إذ اعترضت طائرات عديدة من دون طيار في أثناء تحليقها باتجاه إسرائيل، بأنظمتها التكنولوجي­ة املتقدمة. كــأن واشنطن واملنخرطني معها في تحالف وأوجــه تعاون بددوا الوهم الذي يجرى ترويجه عن تعارض في املواقف. فعندما يتعلق األمر بما يصفونه «أمـن إسرائيل»، فـإن هـؤالء الحلفاء، بقيادة الواليات املتحدة، لن يترددوا في االنخراط املباشر في املواجهة التي قد تدفع املنطقة نحو حرب إقليمية لن تبقي ولن تذر، فليس املهم أمن املنطقة واستقرارها وسالمة شعوبها وحقها في السيادة، وإنما حماية «الصنيعة» إسرائيل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar