Al Araby Al Jadeed

هؤالء المتآمرون على المقاومة

- صالح الدين الجورشي

يتفهم عـمـوم املـواطـنـ­ن الـعـرب حـالـة الــخــوف الـتـي أصـابـت أنظمتهم فـي األشهر املاضية، فميزان القوى العسكري والسياسي هو في مصلحة الكيان الصهيوني. وتعلم الشعوب أن الغضب اإلسرائيلي على أي دولة عربية قد يتحول عاصفة ال تبقي وال تذر. هذا ما ترسخ في األذهان عشرات السنن، وجعل الشعوب تمتنع عن دعوة حكوماتها إلى خوض حرب، ولو محدودة، ضد الدولة العبرية، رغم الجرائم الهائلة التي ارتكبتها وال تــزال. مع ذلــك، لم تستطع هـذه الشعوب أن تجد مبررًا واحدًا من شأنه أن يدفع بعض الحكومات إلى التورط في حماية الكيان الصهيوني ودعمه، خصوصًا في الظروف الحالية. فما الـذي جعل تلك الحكومات تتصدى للمسيرات والصواريخ اإليرانية املتجهة نحو مدن فلسطن املحتلة، وهي تعلم أن %90 من سكان الكرة األرضية مناهضون لهذا الكيان؟ هذا السلوك الشاذ وغير الطبيعي جعل محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس اإلسرائيلي­ة يعتبر أن الــدول العربية التي اصطفت إلـى جانب إسرائيل في حربها على غزة، وكذلك خالل آخر هجوم إيراني، «تواجه صعوبة في تبرير تحالفها غير املسبوق مع تل أبيب أمــام شعوبها». وأضـــاف: «عندما وضـعـت هـذه األنظمة على املحك، اختارت جانب التحالف األميركي اإلسرائيلي». وما ذكره الكاتب في مقاله لم يجرؤ آالف الكتاب العرب على ذكـره، خوفًا أو لغياب األدلـة القاطعة، حن أشار إلى أن بعض هذه األنظمة «قدمت معلومات استخباراتي­ة، في حن اتخذ بعضهم اآلخر تدابير سرية، رغم أنهم كانوا يدركون أن مصالحهم لم تكن تواجه تهديدًا مباشرًا، وبـأن هدف الهجوم كان إسرائيل فقط». وأكــد، في هذا الخصوص، أن الحرب على غزة «صعبت على الزعماء العرب أن يشرحوا تصرفاتهم بطريقة تقنع شعوبهم». أصبحت الصورة حاليًا أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ستواصل املقاومة تحمل أعباء هذه الحرب وحدها. ليس هذا فقط، بل ستجد نفسها تواجه أكثر من عدو في الوقت نفسه. لهذا، وجهت رسائل عديدة إلى األنظمة العربية من دون أن تهاجمها أو تقطع العالقة مع أي نظام منها، فللضرورة أحكام، رغم علمها باملؤامرات التي تجري على قدم وساق في هذه العاصمة أو تلك. لم تطلب املقاومة منهم جميعًا املشاركة في الحرب، وال دعمها، وال ممارسة الضغط على إسرائيل. وتجنبت لغة التهديد التي كان يلجأ إليها ياسر عرفات عندما تقل موارد منظمة التحرير الفلسطينية، رغم علمها بما يحصل داخل الكواليس، وفي الجلسات الضيقة مع القيادات األمنية، اإلسرائيلي­ة واألميركية. كل ما طالبت به املقاومة أن يتركوها تواجه الجيش الصهيوني وحلفاءه وحدها، وأكدت لهم بوضوح أنها «إذا انتصرت في املعركة فإن انتصارها هو انتصار لهم، وإن خسرت الحرب تحملت النتائج وحدها». يعني: خلوا بينها وبن إسرائيل. حتى هذا الرجاء لم يلتزم به عرب يتظاهرون باملوافقة، ويعملون في الخفاء على كسر شوكة املقاومة وإضعافها بكل الطرائق، ألنهم يريدون تدميرها بالكامل. يرغبون جديًا في التخلص منها ومن أسلحتها وأنفاقها وأبطالها، ومن خطابها الذي يعتبرونه «انتحاريًا». ويظنون أن دفن املقاومة ينهي الصراع، ويفتح أبواب االزدهار، ويرفضون تصديق أن الخطة الصهيونية أكبر من احتالل غزة والضفة والقدس. لهذا، ينتظر جميعهم تقريبًا معركة رفح، ويتوهمون أنها الضربة القاضية التي ستسكت إلى األبـد، صوت املقاومة. إليكم هذا الحوار القصير الذي دار بن املفكر اإليراني، علي شريعتي، وصديق له: قلت لصديقي: ملاذا ال يصيح ديكك؟ قال: اشتكى منه الجيران ألنه يوقظهم، فذبحناه. ... هنا فهمت أن كل من يوقظ الناس من سباتهم على امتداد التاريخ هناك من يريد قطع رأسه. في حياتنا يتداول الناس اسم الدجاج وال أحد يذكر الديك، يفكرون بمن يمل بطونهم وال يفكرون بمن يوقظ عقولهم وأفكارهم». هكذا هو وضع الحكام العرب، ال يسمعون، وإذا سمعوا ال يفهمون، وإذا فهموا ال يصدقون. وفي كل الحاالت، يرفضون من يوقظهم من غفلتهم الطويلة. موعدنا ما بعد رفح.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar