Al Araby Al Jadeed

حرب بين معسكرين في الشرق األوسط

- فاطمة ياسين

لطاملا اعتمد البروتوكول العسكري، بن إيران وإسرائيل، على تجنيب العمق اإليراني املواجهة املباشرة، وكان كل تصعيد عسكري يقوم به حزب الله، أحد وكالء إيران، يقترن بتحرك سياسي محسوب، تريد منه إيران إيصال رسالة أو تسجيل موقف، وكانت إسرائيل تـرد مباشرة على الجهة املهاجمة، وعــادة ما وجهت ضربات إلى جنوب لبنان أو إلى الداخل السوري، وفي كل هجمات إسرائيل، وفي جميع هجماتها املضادة، قبل 19 إبريل/ نيسان الحالي، بقي العمق اإليراني بمنأى عنها. لكن الهجوم املـبـاشـر على القنصلية اإليــرانـ­ـيــة فــي دمــشــق، أول الـشـهـر، اعتبرته إيـــران هجومًا مباشرًا عليها، وكسرًا للبروتوكوا­لت السابقة، فقررت الـرد بيد إيرانية صرفة هذه املرة، ووجهت أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة نحو إسرائيل، انقشع دخانها الكثيف عن أضرار ال تذكر، فأسقط معظم تلك القذائف قبل أن تدخل أجواء األراضي الفلسطينية املحتلة. ورغم النصائح األميركية، ردت إسرائيل وهاجمت صاروخيًا قاعدة عسكرية إيرانية في أصفهان، أول من أمس الجمعة. تحطم مفهوم املواربة التي تفرض تجنب الوقوف وجهًا لوجه، وكسرت قاعدة االعتماد على طرف ثالث. ويتطلب هذا التصدع في االتفاقات غير املكتوبة جهودًا ضخمة من حلفاء الطرفن، وقد بدأ بالفعل ظهور معسكرين كبيرين يقفان في وضع االستعداد. فقد ساهمت الضربة اإليرانية في تخفيف العزلة اإلسرائيلي­ة عندما وجــدت حولها حلفاء «مخلصن»؛ الواليات املتحدة وفرنسا وبريطانيا، أسهم هؤالء الحلفاء في جعل الضربة الجوية مجرد ألعاب نارية. في املقابل، تجلس إيران بن روسيا والصن، وهي تصدر أكثر من مليون ونصف مليون برميل من النفط يوميًا إلى بكن، وهذه نسبة ترشحها لتكون من الحلفاء املقربن. وفي الوقت ذاتــه، تساعد طهران موسكو، فتمدها باملسيرات اإليرانية إلدامة الحرب على أوكرانيا، ويتصاعد تطور العالقات بن روسيا والصن لتشكيل ما يشبه التحالف الـذي من املمكن توسيعه، وتحديد مفاهيمه السياسية وربما العسكرية، ويمكن تفسير انهيار التفاهمات غير املكتوبة، بشأن طريقة التعامل العسكري بن إسرائيل وإيران، في إطار خريطة التحالفات التي تتشكل بالفعل. لم تظهر إيران رد فعل قويًا تجاه الهجمات اإلسرائيلي­ة على قاعدتها في أصفهان، وقالت إنها تصدت ملا وصفته بـ«مسيرات صغيرة» هاجمت أجواء أصفهان، وقالت أيـضـًا إن منشآتها الـنـوويـة بعيدة وآمـنـة ولــم تتعرض لـــلذى. ال يـبـدو مـن خطاب املسؤولن اإليرانين أنهم في عجلة من أمرهم، وال يبدو أن إيران ترغب في التصرف منفردة، بل تتريث لتعرف رأي الحلفاء، وحتى رد إسرائيل، أخيرًا، جـاء محدودًا وضيقًا وقليل التأثير، ما يعكس استيعاب إسرائيل رغبات حلفائها في تجنب توسيع رقع الحرب الدائرة في غزة، وعلى تخوم أوروبا الغربية في أوكرانيا. انبعاث التكتالت الكبرى إلى الوجود مرة أخرى سالح ذو حدين، ويمكن أن يعمل بشكل غير متوقع، فقد كانت األحالف في السابق تلزم األطراف حدودًا متعارفًا عليها، وكان كل طرف يعترف لآلخر بمناطق نفوذ يلعب فيها، ويطبق فيها أيديولوجيا­ته، لكن أحالف اليوم لها عناوين مختلفة، فإيران وشركاؤها يخضعون لعقوبات متفاوتة الـشـدة، ويمارسون السياسة والتجارة بمنطق االختالس والـهـروب من العقوبات، وإيران في الوقت ذاته محتقنة ومتخمة بالسالح، وقادرة على إشعال حرب كبرى، لكنها غير راغبة فيها، والواليات املتحدة وأوروبا، ومعهما إسرائيل، تلتزم بحرب من نوع آخر، تعتمد على االستنزاف واملراهنة على الوقت للقضاء على الخصوم، وهذه السياسة تبن أسلوبها في الدعم الذي تقدمه ألوكرانيا وطريقة تعاطيها مع إيران. أمـا العالقات مع الصن فال تختلف كثيرًا رغم املسار االقتصادي املستمر معها. ويبدو التحفز واضحًا، فال تبرد جبهة حتى تسخن أخرى، فقد بدأت املواجهات في بحر الصن لتنتقل إلى أوكرانيا، ثم تقفز إلى الشرق األوسط، حتى وصلنا، اليوم، إلى مشهد املواجهة املباشرة بن إسرائيل وإيران.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar