Al Araby Al Jadeed

عن اليوم التالي لحرب غزّة واليوم الذي يليه

- سعيد زيداني

فـــــي «الـــــيــ­ـــوم الــــتـــ­ـالــــي» تــــكــــ­ون الـــــحــ­ـــرب عـلـى غـــــزة قـــد وضـــعـــت أوزارهــــ­ــــا، وتـــكـــو­ن الـــقـــو­ات اإلسرائيلي­ة الغازية قد انسحبت من جميع أجــــــزا­ء الـــقـــط­ـــاع، ويـــكـــو­ن الـــقـــت­ـــال قـــد تـــوقـــف، والـــوقــ­ـف املــســتـ­ـدام إلطــــاق الــنــار قــد تـحـقـق، وتكون املساعدات اإلنسانية قد بدأت تتدفق مــن دون عــوائــق ومـــن دون احــتــســ­اب أعـــداد الشاحنات. وفــي الـيـوم التالي أيـضـا، يكون الـنـازحـو­ن الـغـزيـون قـد ســارعــوا فـي الـعـودة إلى ما تبقى من بيوتهم واستعادة ما تبقى مــن مـحـتـويـا­تـهـا. وفـــي الــيــوم الــتــالـ­ـي، ثالثا، يـــكـــون قـــد بــــدأ إحـــصـــا­ء الــخــســ­ائــر الـبـشـريـ­ة واملادية وتقدير حجم التعويض املالي عما يمكن التعويض عنه من الخسائر الهائلة. وفــي الـيـوم التالي للحرب، أخـيـرًا، يكون قد أنــجــز مــا وجـــب إنـــجـــا­زه فــي مـسـتـوى تـبـادل األســــــ­ـرى والــــرهـ­ـــائــــن، كـــمـــا فــــي مـــســـتـ­ــوى فـــك الحصار والترتيبات األمنية على معبر رفح، وغــيــره مــن مـعـابـر. وال تــشــرق شـمـس الـيـوم التالي مـن دون تحقيق كـل ذلــك )!( بكلمات أخــــرى، أوال، الــيــوم الــتــالـ­ـي لـلـحـرب والـقـتـال لـيـس عـلـى مــرمــى أســابــيـ­ـع أو أشـــهـــر قليلة، ويحتاج التبشير بقدومه إلى توافق أطراف كثيرة، محلية وإقليمية ودولية ذات عاقة. ثانيا، قد يتأخر أو يتعسر قـدوم هـذا اليوم الــتــالـ­ـي كـثـيـرًا إذا أصـــــرت حـكـومـة إسـرائـيـل على تحقيق أهدافها املعلنة بحسب تفسير رئـيـسـهـا، بـنـيـامـن نـتـنـيـاه­ـو، الــــذي يضيف مفهوم املطلق إلــى تلك األهـــداف كلها. وفي جميع األحوال، ال تشرق شمس اليوم التالي من دون أن تعرف هوية من يحكم قطاع غزة، بعد الحرب والقتال واالنسحاب. من يحكم غزة في اليوم التالي للحرب؟ ... من الواضح والجلي أن حركة املقاومة اإلسامية (حـــمـــاس) ال تـسـتـطـيـ­ع االســـتــ­ـمـــرار فـــي حكم قـطـاع غـــزة بـصـورة حصرية أو رئيسة بعد الـــحـــر­ب وانــتــهـ­ـاء الــقــتــ­ال وانــســحـ­ـاب الــقــوات الغازية، وذلك لثاثة أسباب: يكمن األول في استنزاف قدراتها خال فترة الحرب. الثاني، وهو األكثر أهمية، يكمن في عدم قبولها من تلك األطـــراف الخارجية التي ستقدم الدعم الازم لعملية إعادة اإلعمار (واسعة النطاق وعالية التكاليف). أما السبب الثالث، فيكمن فـــي ّحــصــتــه­ــا مـــن املــســؤو­لــيــة عـــن الـخـسـائـ­ر املـروعـة، البشرية واملـاديـة، لعملية عسكرية بادرت إليها يوم 7 أكتوبر. ومن ناحية ثانية، لــن يــكــون فــي مــقــدور الـسـلـطـة الفلسطينية حكم قطاع غــزة بصورة حصرية أو رئيسة بـعـد الـــحـــر­ب، الفــتــقـ­ـارهــا أصــــا إلـــى شرعية الـحـكـم، ســـواء فــي قــطــاع غـــزة أو فــي الضفة الـــغـــر­بـــيـــة، والفـــتــ­ـقـــارهــ­ـا إلــــى الـــقـــو­ى األمــنــي­ــة الكافية والقادرة. واألكثر أهمية من ذلك كله عــدم الترحيب بها مـن الـغـزيـن الـذيـن أذهـل كثيرين منهم عجزها وتخاذلها خال فترة الحرب والقتال. ومـن ناحية ثالثة، لن يقبل الـغـزيـون، بعد كــل ويــات الـحـرب وأهوالها، فــــي اعـــتـــق­ـــاد كـــاتـــب هـــــذه الـــســـط­ـــور، وصـــايـــ­ة غير فلسطينية، عربية كانت تلك الوصاية أم دولــيــة. وبــنــاء عـلـيـه، حـكـم قـطـاع غـــزة في اليوم التالي للحرب مرهون بتوافق القوى السياسية الفلسطينية، الوطنية واملـؤثـرة، عـلـى تشكيل حـكـومـة طــــوارئ، تــشــارك فيها أو تـقـبـل بـهـا كـــل مـــن الـسـلـطـة الفلسطينية وحركات املقاومة اإلسامية، وتكون مقبولة فـي الـوقـت ذاتـــه مـن الـداعـمـن لعملية إعــادة اإلعــمــا­ر، التي مـن شأنها محاصرة الهجرة القسرية/ الطوعية، وتسريع عودة النازحن من الجنوب إلى الشمال. ويـــشـــر­ق صــبــاح «الـــيـــو­م بــعــد الـــتـــا­لـــي» هـــذا، حن يكون النازحون إلى الجنوب، وجنوب الجنوب، قد عادوا إلى ما تبقى من منازلهم في الشمال، وشمال الشمال، وبعد أن تكون عـمـلـيـة إعـــــادة الــبــنــ­اء واإلعـــمـ­ــار قـــد انطلقت وعــــلـــ­ـى أشـــــدهـ­ــــا. وفـــــي الــــيـــ­ـوم بـــعـــد الـــتـــا­لـــي، وبالتوازي مع عملية إعادة اإلعمار، يتحتم الـتـوافـق حــول إنـجـاز املـهـام الرئيسة اآلتية، ذات الــعــاقـ­ـة بــتــجــا­وز واقــــع االنـــفــ­ـصـــال بن شطري الوطن، وبإعادة بناء البيت الوطني الفلسطيني الجامع وهيئاته التمثيلية: أوال، إجـــراء االنـتـخـا­بـات الـرئـاسـي­ـة والتشريعية، املستحقة منذ أكـثـر مــن 15 عــامــا. وفــي هذا الـــصـــد­د، قـــد تــكــون فــكــرة الــفــيــ­درالــيــة عــامــا مساعدًا في إعادة توحيد العاقة وتنظيمها بن الشطرين؛ قطاع غــزة والضفة الغربية. ثـانـيـا، مـبـاشـرة بـعـد االنـتـخـا­بـات الرئاسية والـتـشـري­ـعـيـة يـجـب أن يــبــدأ الـعـمـل الــجــدي والـــحـــ­ثـــيـــث إلعـــــــ­ادة بـــنـــاء املـــجـــ­لـــس الــوطــنـ­ـي الـفـلـسـط­ـيـنـي؛ الــبــيــ­ت الــوطــنـ­ـي الفلسطيني الجامع، على أســس ديمقراطية وتشاركية، باالنتخابا­ت ما أمكن ذلك، وبالتوافق أينما يتعذر عقد االنتخابات. وفي جميع األحوال،

يـجـب أن يــكــون التمثيل مــن خـــال العملية الـديـمـقـ­راطـيـة هــو الـغـالـب والــطــاغ­ــي. ثـالـثـا، مـــبـــاش­ـــرة بــعــد انـــتـــخ­ـــاب الــلــجــ­نــة الـتـنـفـي­ـذيـة الـــجـــد­يـــدة ملــنــظــ­مــة الـــتـــح­ـــريـــر الـفـلـسـط­ـيـنـيـة، وغيرها من هيئات جامعة، يراجع املجلس الـوطـنـي الـجـديـد، مـراجـعـة نــقــديــ­ة، التجربة الفلسطينية خـال العقود الثاثة املاضية، ويـسـتـخـل­ـص مـــا يـــلـــزم ومــــا يــجــب مـــن عـــبـــر، ســـواء على مستوى البرنامج السياسي أم وسـائـل النضال الوطني أم عـاقـة االتـصـال واالنــفــ­صــال بــن منظمة التحرير والسلطة الوطنية التي جاء بها «أوسلو»، ومجروراته من االتفاقيات والتفاهمات. وأخيرًا، يقدم التصور املوجز أعاه الخطوط العريضة ملا يتحتم عمله فلسطينيا في اليوم الــتــالـ­ـي لــلــحــر­ب عــلــى غـــــزة، والحـــقــ­ـا، لـغـرض

إعـــــادة إعـــمـــا­ر مـــا دمـــرتـــ­ه الـــحـــر­ب الـوحـشـيـ­ة، ودمــرت كثيرًا كثيرًا، كما لغرض حكم قطاع غــــــزة بـــعـــد الــــحـــ­ـرب وإعـــــــ­ـادة ربـــطـــه بــالــضــ­فــة الغربية، ولغرض إعادة بناء املجلس الوطني والسلطة الفلسطينية وتـجـديـد الشرعيات التي تداعت وانهارت مع الزمن. غني عن القول إن ما ورد أعاه بشأن اليوم بعد التالي ليس جديدًا، لكنه يصبح أكثر وضوحا وإلحاحا بعد الحرب. وليس خافيا أيضا أن مثل هذا الــتــصــ­ور يــفــتــر­ض انــســحــ­ابــا كـــامـــا لـلـقـوات اإلسرائيلي­ة الـغـازيـة مـن قطاع غـــزة، وإنـهـاء للحصار الخانق والظالم وطويل األمد. هناك ما يبّرر مثل هذا االفتراض، خاصة إذا أخذنا باالعتبار تلك التغيرات الجدية التي طرأت على مواقف دول وشعوب كثيرة، خصوصا في أوروبا الغربية والشمالية واألميركيت­ن، بـاتـجـاه الـتـعـاطـ­ف مــع املـظـالـم والـطـمـوح­ـات الوطنية الفلسطينية، وبـاتـجـاه الـنـفـور من الـدولـة الصهيونية، بسبب ما ارتكبته، وما ترتكبه، من الفظائع والجرائم. وختاما، إلى جــانــب ويــــات الـــحـــر­ب وأهـــوالـ­ــهـــا عــلــى غـــزة، وحصادها املرعب وغير املسبوق من األرواح البريئة واألعيان املدنية (كما يعرفها القانون الـــدولــ­ـي)، هـنـاك فسحات أمــل وأبــــواب نجاة، يؤشر عليها التصور أعاه بشأن مهام اليوم التالي للحرب والقتال، واليوم الذي يليه. فما أحوجنا اليوم، نحن الفلسطينين الحائرين إلـــــى ذلـــــك الـــدلـــ­يـــل الــــــذي يـــوجـــه­ـــنـــا ويــضــبــ­ط إيقاع خطواتنا على الطريق نحو الخاص الوطني.

لن يقبل الغزيون، بعد كل ويالت الحرب وأهوالها، وصايًة غير فلسطينية، عربية كانت تلك الوصاية أم دولية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar