انكشاف األمن القومي العربي لحماية إسرائيل
ما حدث ليلتي 13 و91 إبريل/ نيسان كان أبعد وأخطر من مجرد خرق األمن القومي العربي، املخترق أصا، إذ جرى استبدال مفهوم األمن القومي العربي بـ «األمن القومي الصهيوني»، وانــطـلــقــت نــــواة إنـــشـــاء حــلــف عــســكـري عـربـي إسرائيلي مبني على أشاء الغزين، كل عربي وإنـــســـان كــــان ضـحـيـة املـــشـــروع الـصـهـيـونـي. صـــحـــيـــح أن مــــــــرور املــــســــيــــرات والــــصــــواريــــخ اإليـــرانـــيـــة بــاتــجــاه إســرائــيــل يــــدل عـلـى غياب االحترام لسيادات دول عربية على أراضيها، لكن هـذه السيادات مرهونة أصـا باتفاقيات أمنية عسكرية مـع كــل مـن أميركا وإسرائيل. فما شهدناه من صمت إلى تواطؤ، بل تعاون عربي، يثبت مجددًا أن األمن الوطني لكل دولة على حــدة، واألمـــن القومي، ال وجــود لهما إذا كان املطلوب إثبات الوفاء لسادة االستعمار في واشنطن والعواصم الغربية. لم يستطع رؤساء الغرب إخفاء ابتهاجهم بنجاح مشاركة العرب في إسقاط نحو 300 من املسيرات والصواريخ اإليرانية فـوق أراض عربية، وبتعاون بعض الـــــدول الـغـربـيـة مـعـهـا، مــبــشــرة بـحـلـف غربي عربي إسرائيلي للدفاع عن إسرائيل. كان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، أكثرهم وضــوحــا، حــن بـــدا محتفا بـهـذا «اإلنـــجـــاز»، وتوظيفه مبالغا في أهميته الدفاعية، بقوله إنـه «لـوال عرقلة الغرب وبعض العرب أسلحة الطيران الحربي اإليراني لكان هناك مئات من الجرحى والضحايا اإلسرائيلين». وقد هدفت تصريحات كـامـيـرون إلــى اسـتـعـادة إسرائيل صـــورة «الـضـحـيـة» بعد تــداعــي صـورتـهـا في الــغــرب نتيجة سلسلة مــجــازر حـــرب اإلبــــادة ضد أهل غزة، ووحشيتها في الضفة الغربية والقدس، بادعاء ات كاذبة بنجاح تدخل الغرب، وبـــعـــض الــــعــــرب فــــي مـــنـــع إيـــــــران مــــن ارتـــكـــاب «مـــــجـــــزرة» ضــــد اإلســـرائـــيـــلـــيـــن. فـــهـــو يــعــرف تماما أن إيران أبلغت الواليات املتحدة مسبقا بعمليتها مـــحـــدودة الــتــأثــيــر. كــمــا أن إيــــران لــم تكن تحتاج مـئـات املــســيــرات والـصـواريـخ إلحــداث خسائر بشرية بن اإلسرائيلين، أي تعمدت عــدم حـــدوث ذلـــك، لـكـن التضليل مهم لتسويق االستراتيجية الغربية الصهيونية لتشكيل تحالف عسكري إسرائيلي عربي، في مواجهة «الخطر اإليراني»، وتصبح إسرائيل ضامنة أمن العرب ومستقبلهم. مـجـريـات األحــــداث تـفـرض ســؤالــن: مـا تأثير اســـتـــعـــراض الـــقـــوى اإليــــرانــــي عــلــى مستقبل حـرب اإلبـــادة في غــزة؟ ما تأثيره على مجمل القضية الفلسطينية؟ ... لم تتحرك إيـران ولم تنفذ االسـتـعـراض الـجـوي املثير إلنـقـاذ غــزة، لكنها تحركت ردًا على قصف قنصليتها في دمشق، ما أغضب كثيرًا من الفلسطينين. غير أن إيران دولة تحاول فرض سيطرتها إقليميا، وفـــي الــوقــت نفسه، هــي الـوحـيـدة الـتـي تدعم املقاومة املسلحة الفلسطينية، إذ إن ذلـك من
شروط شرعيتها، منذ انتصار الثورة اإليرانية ،)1979( لكنها لن تضحي بمصالحها لتحرير فلسطن. أمـــا الـتـوتـر اإلقليمي الـــذي أنتجته حرب اإلبادة ضد فلسطينيي غزة، واستمرار طهران في الدعم السياسي والعملي لحركتي حـــمـــاس والــــجــــهــــاد اإلســـــامـــــي، قـــبـــل الـــحـــرب وخــالــهــا، مـهـمـا كــانــت دوافـــعـــه، كــانــت سببا رئيسا في استهداف إسرائيل أهدافا إيرانية فـــي ســـوريـــة وداخـــــل إيـــــران، فـمـنـذ 7 أكـتـوبـر/ تشرين األول 2023 تمكنت إسرائيل من اغتيال 18 مــــن الــــقــــادة املـــيـــدانـــيـــن لــلــحــرس الـــثـــوري اإليراني. أي أن املواجهة اإليرانية اإلسرائيلية غـيـر منفصلة عـمـا يـحـدث فــي فلسطن، وإن كــان الـدافـع املباشر إليـــران ضـــرورة الـــرد على قصف قنصليتها فـي دمشق وتغيير قواعد االشـتـبـاك مــع إســرائــيــل، ومــن الــضــروري فهم هذا الرابط بن األحداث لفهم تداعيات الغياب الـعـربـي والـتـخـلـي عــن الفلسطينين، وحتى الـتـخـلـي عــن الــدفــاع أو حـمـايـة ســيــادة الـــدول العربية، على القضية الفلسطينية، فاملقاومة ال تستطيع التخلي عن الدعم اإليـرانـي، ومن السهل القول إن عليها أن تعتمد على نفسها، والـــتـــواطـــؤ الــعــربــي الــــذي تــكــشــف فـــي صـــورة
َّ مـهـيـنـة عـمـق شـعـور الفلسطينين بعزلتهم بــالــرغــم مـــن اتـــســـاع الـــدعـــم لـهـم بـــن الـشـعـوب واملثقفن فـي الـغـرب والـعـالـم. فليس مطلوبا من الفلسطينين معاداة إيران، حتى لو شعر كـثـيـر مـنـهـم بـــالـــخـــذالن، وال االعــتــمــاد عليها حليفا مبدئيا. املطلوب رؤية فلسطينية تحدد ماهية االســتــفــادة مــن التناقضات اإلقليمية والـــــدولـــــيـــــة. بـــــدت الــــــــدول الـــعـــربـــيـــة ضـعـيـفـة وهـــزيـــلـــة، فــيــمــا اســـتـــمـــر الـفـلـسـطـيـنـيـون في مـواجـهـاتـهـم الـيـومـيـة مـــع االحـــتـــال، بينما شـــعـــرت الـــشـــعـــوب الــعــربــيــة نـفـسـهـا مــكــبــلــة، فمقاومة االحتال قـرارًا يفرض نفسه أسهل مـــن تـــحـــرك جــمــاهــيــري يـفـتـقـد إلــــى قـــيـــادات قوية، ألسباب مفهومة، منها القمع الرسمي
وخــشــيــة االنــــجــــرار نــحــو الـــفـــوضـــى فـــي ظــل هيمنة إسرائيلية تكشفت فـي صــورة مذلة خال جولتي املواجهة اإليرانية اإلسرائيلية، واألردن أوضـــــح مـــثـــال عــلــى ذلـــــك. فــالــدولــة األردنية مشلولة نتيجة ارتباطها بمعاهدة سام مع إسرائيل، واتفاقيات رهنت قطاعات حيوية بعدو صهيوني يبتز األردن في أمنه وحـــقـــوقـــه املـــائـــيـــة املـــشـــروعـــة، فــيــمــا فــرضــت املعاهدة العسكرية األردنية األميركية، التي وقــعــت خـــال عـهـد الـرئـيـس الـسـابـق دونـالـد ترمب، إسقاط مسيرات وصـواريـخ إيرانية،
ُّ مقابل سكوت مطبق على مــرور الصواريخ اإلسرائيلية املتجهة إلى إيران فوق أرضه. املـــشـــكـــلـــة ال تـــكـــمـــن فـــــي الـــتـــبـــعـــيـــة األردنـــــيـــــة ألمـــيـــركـــا فـــحـــســـب، وإنــــمــــا فــــي فـــشـــل الــنــظــام العربي بالحفاظ على األمــن القومي ورهنه بمصالح واشنطن، فــاألردن أضحى ضعيفا أمـــام االبـــتـــزاز األمـيـركـي واإلســرائــيــلــي، فيما تدفع واشنطن دوال عربية غنيةّ نحو تطبيع تحالفي مـع إسـرائـيـل، بـل وتـمـولـه، فــإن كان الذل العربي الرسمي زاد من وقع حرب اإلبادة املحبط للشعب العربي، إال أنه يجب أن يكون دافعا لاستمرار في مناهضة التطبيع. فجزء من الشلل هو نتيجة ملعاهدات التطبيع، لكن ذلـك كله لم ولـن ينهي القضية الفلسطينية. لـــنـــتـــذكـــر ذلــــــك، فــالــتــضــحــيــات الـفـلـسـطـيـنـيـة مستمرة ويجب أال تذهب هباء.
مع كل التداعيات السلبية النكشاف تطويع األمن القومي العربي لصالح إسرائيل، لم تقّزم المواجهة اإليرانية اإلسرائيلية القضية الفلسطينية