Al Araby Al Jadeed

كفاح فالحات مصر... رحلة يومية بين الريف والمدينة

تكافح مئات الريفيات المصريات لتأمين قوت يومهن ومساندة عائالتهن عبر بيع المنتجات الزراعية والخضروات في المدن، وقد بات لديهن زبائنهن

- اإلسكندرية ـ أحمد عبده

بـابــتـسـ­امـة رضــــا، تـسـتـيـقـ­ظ األربـعـيـ­نـيـة خــضــرة عــوضــني أبـــو عـــوف كــل يـــوم قبل أذان الفجر، وتوقظ أبناءها ليذهبوا إلى مدارسهم وزوجها إلى عمله في الحقل، ثم تحزم حمائلها املعدة قبل النوم، وتهرع مسرعة من منزلها بقرية العباسية في محافظة كفر الشيخ شمالي مصر، إلى محطة القطار. في عربة القطار األخيرة، تــجــلــس خـــضـــرة لــتــســت­ــعــد لـــيـــوم طــويــل وشــاق في مدينة اإلسكندرية، إذ تعتبر سوقها وجهتها املفضلة لبيع منتجاتها الطازجة، في رحلة عمل يومية متواصلة منذ أكثر من 15 عامًا. تصل إلـى السوق مـــبـــكـ­ــرًا قـــبـــل وصــــــــ­ول الـــــزبـ­ــــائــــ­ـن، فــتــضــع فرشها القديم املتهالك الذي تعرض عليه منتجاتها من بيض بلدي وجنب قريش ولــــنب رائـــــب وســـمـــن بـــلـــدي، وتـــدعـــ­و الـلـه بتحقيق رزق وفير. بلهجة ريفية وكلمات بسيطة وابتسامة، تستقبل خــضــرة زبـائـنـهـ­ا، فـهـي ليست مجرد بائعة بل صديقة تهتم بصحتهم وتـحـرص على عــدم خـداعـهـم، مـا يخلق حـالـة مـن الـــود تسمح بتبادل القصص واألماني وتقاسم األحزان والنصائح. ليست أبو عوف حالة فريدة من نوعها، بـــل تــمــتــل­ــئ عـــربـــا­ت قــــطــــ­ارات الــســاعـ­ـات األولـــى مـن الصباح بالريفيات اللواتي يـــســـعـ­ــني إلــــــى أرزاقـــــ­ـهــــــن ذهـــــابـ­ــــًا وإيــــابـ­ـــًا بـــني الـــريـــ­ف واملــــــ­دن، فـــي ظـــل الـتـحـديـ­ات االقـــتــ­ـصـــاديــ­ـة وارتـــــف­ـــــاع األســــعـ­ـــار الــتــي تـــواجـــ­هـــهـــا الــــعـــ­ـائــــالت املــــصــ­ــريــــة. تــقــول خـــضـــرة لـــــ «الـــعـــر­بـــي الــــجـــ­ـديــــد»: «ســــوق الـــقـــر­يـــة ال يــمــكــن­ــهــا اســـتـــي­ـــعـــاب األعــــــ­داد املـــتـــ­زايـــدة مـــن الـــبـــا­عـــة، وبــيــنــ­مــا يعتمد الـجـمـيـع عـلـى الـــزراعـ­ــة وتــربــيـ­ـة الـطـيـور واملـــــو­اشـــــي، فـــإنـــه­ـــم يـــضـــطـ­ــرون لـلـبـحـث عــــن أســـــــو­اق جــــديـــ­ـدة فــــي املـــــــ­دن. أحـــــاول اســتــغــ­الل املـــزايـ­ــا الـطـبـيـع­ـيـة والــزراعـ­ـيــة لقريتي الصغيرة وتحويلها إلى فرص تجارية على الرغم من املصاعب الكثيرة للرحلة اليومية إلــى املـديـنـة، ومجهود السفر والتنقل، كما يتعني علي التعامل مـــع املــنــاف­ــســة. مـــع ذلــــك، وبــفــضــ­ل جـــودة املنتجات الطبيعية التي أقدمها، إذ يجد الزبائن قيمة حقيقية، ويفضلون شراء منتجاتي على البدائل الصناعية». إلــــــى جــــــــو­ار خـــــضـــ­ــرة، تـــجـــلـ­ــس ســعــديــ­ة خـــمـــيـ­ــس 50( ســــــنــ­ــــة)، وإلـــــــ­ــى جـــانـــب­ـــهـــا الخضروات الطازجة التي تجهزها قبل بيعها لــلــزبــ­ون عـلـى خـــالف املــعــتـ­ـاد من بائعي السوق. تقول لـ «العربي الجديد»: «مــــنــــ­ذ نـــعـــوم­ـــة أظــــــفـ­ـــــاري، كـــنـــت أســتــقــ­ل القطار مع والدتي يوميًا لبيع البضائع في املدن الساحلية، وبعد وفاتها، أكملت املـــســـ­يـــرة حـــيـــث ال مـــجـــال لـــلـــتـ­ــراخـــي أو التكاسل بسبب تكاليف الحياة وطلبات األبناء التي ال يستطيع زوجي تلبيتها وحــــده». تضيف: «أتـمـيـز عــن غـيـري من الــبــاعـ­ـة بتجهيز الــخــضــ­ار قــبــل بيعها، وأضــيــف مقابل ذلــك سعر خـدمـة زهيد ال يزيد عن خمسة جنيهات للكيلوغرام الــــواحـ­ـــد. وفــــي نــهــايــ­ة الـــيـــو­م، أعـــــود إلــى قريتي الصغيرة على قدمني متعبتني، ولـــكـــن قـلـبـي مـــلـــيء بـــالـــر­ضـــا، أحـــمـــل في جعبتي القليل مـن النقود التي بالكاد تكفي نفقات األبناء في اليوم التالي». وعــــــن إمـــكـــا­نـــيـــة وجـــــــو­د بــــديـــ­ـل لـعـمـلـهـ­ا الـشـاق الـيـومـي، تؤكد أنها وغيرها من الريفيات الكادحات لم يكملن تعليمهن. لذلك، ال يوجد أمامها فرصة لاللتحاق بـــأيـــة وظــيــفــ­ة رســمــيــ­ة أو مـنـتـظـمـ­ة، وال تـمـلـك راتـــبـــًا حــكــومــ­يــًا ملــســانـ­ـدة زوجــهــا في نفقات املعيشة وتربية األبناء الذين تـــحـــرص عــلــى اســتــكــ­مــال تـعـلـيـمـ­هـم في مختلف املراحل التعليمية. سارة طارق، إحــدى زبـائـن الـسـوق، تشيد بالبائعات الفالحات. وتقول: «أحـب أن أشتري من املزروعات البسيطة ألنها تأتي مباشرة من الحقول، وأعــرف أنها زرعـت بعناية كــبــيــر­ة، وأشـــعـــ­ر بــالــثــ­قــة بــمــا أشــتــريـ­ـه». تضيف: «عندما أشـتـري مـن املـزروعـا­ت البسيطة، أشعر أنني أحصل على أفضل جودة ممكنة، فاملنتجات طازجة وغنية بالنكهة، وأعرف أنها لم تتعرض للعديد من املواد الكيميائية واملبيدات الحشرية الــتــي قــد تــكــون مـــوجـــو­دة فــي املنتجات التي تأتي من املصانع الكبيرة». أمــا نــور حـسـني، أحــد الـزبـائـن فـي سوق محطة مصر في اإلسكندرية، فيقول: «من الـرائـع أن أتعامل مباشرة مـع الخضار الـــبـــس­ـــيـــطــ­ـة ويـــمـــك­ـــنـــنــ­ـي طــــــرح أســئــلــ­تــي حــول املنتجات وأصلها، وأحـصـل على مـعـلـومـا­ت دقـيـقـة حـــول وســائــل الــزراعــ­ة والـتـعـام­ـل مــع املـحـاصـي­ـل، وهـــذا يجعل التجربة أكثر قيمة بالنسبة إلي ويعزز الثقة باملنتجات التي أشتريها». يتابع: «أعـــتـــق­ـــد أن دعــــم املـــــزر­وعـــــات الـبـسـيـط­ـة يـسـاهـم فــي تـعـزيـز االقــتــص­ــاد، وعـنـدمـا أشــتــري مــن املـــزروع­ـــات الـبـسـيـط­ـة، أعلم أنــنــي أدعــــم عــائــلــ­ة أو شـخـصـًا حقيقيًا يعمل بجد لتوفير لقمة العيش لعائلته، وهذا يجعلني أشعر بالراحة والفخر». بدورها، ترى الباحثة االجتماعية نجالء عبد املنعم أن توجه املــرأة الريفية لبيع منتجات غـذائـيـة طبيعية فــي املـــدن هو استجابة لتحديات االقـتـصـا­د املصري الحالي. وارتفعت أسعار املواد الغذائية واملـــعــ­ـيـــشـــي­ـــة بـــشـــكـ­ــل مـــلـــحـ­ــوظ وتـــضـــر­ر الـــكـــث­ـــيـــرون مـــن االنـــخــ­ـفـــاض فـــي الـــدخـــ­ل، ويعتبر هــذا النشاط الـتـجـاري البسيط بــمــثــا­بــة فـــرصـــة لـتـحـقـيـ­ق دخــــل إضــافــي يمكن أن يساعد األسر في تحمل نفقاتها اليومية وتلبية احتياجاتها األساسية.

 ?? (العربي الجديد) ?? تعمل بج ّد وتفا ٍن
(العربي الجديد) تعمل بج ّد وتفا ٍن
 ?? (العربي الجديد) ?? هذه الخضروات مصدر رزقها
(العربي الجديد) هذه الخضروات مصدر رزقها

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar