Al Araby Al Jadeed

نشر أسلحة تكتيتية في بياروسيا

-

أدراج الـريـاح نظرية الــردع الـنـووي، إذ رأى الـعـلـمـا­ء فــي املــجــال أن ضـــرب دولــــة بسالح نـــووي سيستدعي ردًا نــوويــًا، وألجـــل مثل هـــــذه املـــتـــ­والـــيـــ­ة مــــن األفــــعـ­ـــال والـــــــ­رد عـلـيـهـا ارتفعت صـرخـات باحثي وعلماء الفيزياء الــنــووي­ــة واألمــــن الـــدولــ­ـي مــن أن ســاعــة يـوم قــيــامــ­ة األرض، بـسـبـب األســلــح­ــة الــنــووي­ــة، صــــارت أقــــرب مـــن أي وقـــت مــضــى. صحيح أن الباحثن يعيدون عقارب ساعة القيامة النووية مع كل انفراجة عاملية، إال أن الحرب فـــي أوكـــرانـ­ــيـــا وتـــزايــ­ـد الــســجــ­ال بـــن الــغــرب وروسـيـا حـول السالح الـنـووي أعــادا ضبط الــعــقــ­ارب فــي عـــام 2023 إلـــى دون 90 ثانية (دقـــيـــق­ـــة ونـــصـــف قـــبـــل مــنــتــص­ــف لـــيـــل فــنــاء البشرية) لشدة القلق مـن أن تنفلت األمــور حـــول «يـــوم قـيـامـة نــــووي». ويـعـيـد تصاعد نـبـرة الـحـديـث عــن األسـلـحـة الـنـوويـة الـفـزع بـــن هــــؤالء إلـــى مـــا كـــان عـلـيـه قــبــل الـدقـيـقـ­ة ونصف الدقيقة التي وضعوها على ساعة سيناريو يوم القيامة النووي. وبعد الغزو الروسي ألوكرانيا في 24 فبراير/ شـــبـــاط 2022 تــصــاعــ­دت الــنــبــ­رة الــروســي­ــة، ومنها على لسان رئيسها فالديمير بوتن وساسة روس آخرين، حيال السالح النووي واسـتـخـدا­مـاتـه، ولــو على صـــورة مـا يسمى منه «قنابل نووية تكتيكية»، أي صواريخ وقـنـابـل لـديـهـا مـفـعـول الـتـدمـيـ­ر املـوضـعـي، وذلك ربطًا بـ «تهديد وجود روسيا»، بحسب أدبيات الكرملن. وذهب نائب رئيس مجلس األمن القومي الروسي، دميتري ميدفيديف، إلـى حد اعتبار أن ال معنى للعالم من دون روسـيـا. لكن األمــر لـم يقف عند روسـيـا، إذا باتت دول غربية، منضوية في حلف شمال األطلسي، ال تتردد في الحديث عن السالح النووي بما في ذلك بولندا وحتى النرويج. ومـا طرحه دودا ليس جـديـدًا فـي بولندا، إذ اســتــضــ­افــت الـــبـــا­لد ســابــقــًا صـــواريــ­ـخ نــوويــة ســوفــيــ­يــتــيــة تـــحـــت ســـقـــف «حــــلــــ­ف وارســــــ­ـو» ‪)1991 1955(‬ فــــي مـــواجـــ­هـــة الــــغـــ­ـرب. وبــعــد انـهـيـار االتــحــا­د السوفييتي فــي عـــام ،1991 وبالتالي تفكك «الستار الحديدي» (الحدود بــــن املـــعـــ­ســـكـــري­ـــن الـــغـــر­بـــي والــــشــ­ــرقــــي، الــتــي امــــتـــ­ـدت بـــطـــول نـــحـــو 7 آالف كــيــلــو­مــتــر، مـن أقصى الشمال األوروبـي إلى أقصى جنوبه) وانــتــهـ­ـاء الـــحـــر­ب الـــبـــا­ردة ‪،)1991 1947(‬ ثم

غزو روسيا شبه جزيرة القرم األوكرانية في عام 2014 وضمها بالقوة، كشف أن االتحاد الــســوفـ­ـيــيــتــ­ي الـــســـا­بـــق أعـــــد مـــع الـعـسـكـر­يـن الــبــولـ­ـنــديــن فـــي ثـمـانـيـن­ـيـات الـــقـــر­ن املــاضــي «خطة لضرب الدنمارك بأسلحة نووية»، في سـيـاق اسـتـهـداف واحــتــال­ل دول أطلسية في الـشـمـال األوروبـــ­ـــي، حسبما جـــاء فــي وثـائـق أرشيفية بولندية، نشرت بعضها الصحف الدنماركية. وفي ذلك الوقت كانت الدنمارك مـجـهـزة بـمـدافـع أمـيـركـيـ­ة قــــادرة عـلـى إطــالق القذائف النووية التكتيكية، وفقًا ملا تكشف بــعــد الـــحـــر­ب الــــبـــ­ـاردة. كــمــا كـــان لـأمـيـركـ­يـن ســــــالح نـــــــوو­ي ســــــرًا فــــي جــــزيـــ­ـرة غــريــنــ­النــد الجليدية، في قاعدة ثــوال، التابعة للسيادة الدنماركية، الواقعة على الحدود الكندية على مداخل القطب الشمالي. وترفض الحكومات املتعاقبة في كوبنهاغن، منذ انكشاف انتشار الــنــووي فــي الــجــزيـ­ـرة بـعـد عـــام ،1992 قبول التحقيق فـي عمق االنتشار وتأثيراته على السكان األصلين طيلة الحرب الباردة. تــــقــــ­دم عـــقـــيـ­ــدة حـــلـــف األطــــلـ­ـــســــي مــــا يـشـبـه «مظلة نووية» مع سيناريوهات استخدام الروس ألسلحة نووية ضد أراض أوروبية، مـثـل دولـــة مــن دول البلطيق السوفييتية الــســابـ­ـقــة (التــفــيـ­ـا ولــيــتــ­وانــيــا وإســتــون­ــيــا). ومن املفترض وفق أحد السيناريوه­ات أن يرد «الناتو» عبر ردع روسيا، التي تنشر صــواريــخ إسـكـنـدر فــي جـيـب كالينينغرا­د بن بولندا وليتوانيا، وهي صواريخ قادرة على حمل رأس نووي ملسافة 500 كيلومتر. واألسلحة النووية التكتيكية شكلت عنصرًا أســـاســـ­يـــًا فــــي اســـتـــر­اتـــيـــج­ـــيـــة حـــلـــف شــمــال األطــلــس­ــي الــدفــاع­ــيــة أثـــنـــا­ء الــعــقــ­ود األولـــى للحرب الــبــارد­ة. وتـسـود حـالـة مـن الخوف مـــن الـــجـــا­ر الــشــرقـ­ـي الــكــبــ­يــر، تــســاهــ­م فيها التغيرات الكبيرة الحاصلة منذ بداية حرب أوكرانيا، والتصريحات الروسية املتعاقبة

استضافت بولندا سابقًا صواريخ نووية سوفييتية

نشرت روسيا في صيف عام 2023 أسلحة نووية تكتيكية في بياروسيا، وذلك ردًا على «نشر أميركا مثل تلك األسلحة في عدة دول أوروبية»، بحسب مــا ذكـــر الـرئـيـس الــروســي فــاديــمـ­ـيــر بــوتــيــ­ن فـــي حـيـنـه. واعتبر الرئيس البياروسي ألكسندر لــوكــاشـ­ـيــنــكــ­و (الـــــصــ­ـــورة)، في أغـسـطـس/ آب الـمـاضـي، أن نشر أسلحة نووية في الباد رد فعل مناسب على عسكرة أوروبا الشرقية، لكنه «ال يلغي المبادرات السلمية التي طرحتها مينسك الستئناف الحوار بشأن األمن األوروبي والعالمي». حول األسلحة النووية واستخدامات­ها في ذلــك بشكل أو بـآخـر، مـن دون إغـفـال أيضًا الدور الذي تؤديه الحملة الدعائية لشيطنة روسيا املتواصلة منذ .2022 وبولندا على سبيل املثال باتت ترى نفسها العبًا رئيسيًا في منطقة بحر البلطيق والجوار األوكراني والبيالروس­ي. ويفهم بعض ساسة بولندا أن حـديـث الـــروس عــن نشر أسلحة نووية فــي بــيــالرو­ســيــا، غـيـر بعيد عــن حــدودهــم، يستدعي استحضار مظلة «الـردع النووي الغربي». وليس سرًا أن جيب كالينينغرا­د الــــروسـ­ـــي، الـــــذي أقـــلـــق الــبــولـ­ـنــديــن لــــدوره التسليحي في البلطيق، أصبح تحت مجهر «األطــــلـ­ـــســــي»، بــعــد تـــوســـع رقـــعـــة انــتــشــ­اره فـــي ذلــــك الــبــحــ­ر والـــشـــ­مـــال. ويـــبـــد­و اآلن أن لهجة اسـتـدعـاء مـا يسمى «مـبـدأ املشاركة الـنـوويـة»، تحت سقف «األطـلـسـي»، ليست مقتصرة على بولندا. وفـي السياق، تعمل النرويج على توثيق العالقة العسكرية مع الحليف األمـيـركـ­ي، خصوصًا فـي القواعد املستحدثة فـي أقصى شمالها، غير بعيد عــن أســطــول الـشـمـال الــروســي الــنــووي في بحر كـوال. ويترافق ذلـك مع خشية تفسير الـــــروس لــلــوجــ­ود الـعـسـكـر­ي األمــيــر­كــي في بقية دول اسكندنافيا بـأنـه يمهد لضربة قاصمة لهم. غــيــر أن مـــوضـــو­ع نــشــر أســلــحــ­ة نـــوويـــ­ة في بولندا، أثــار قلقًا داخليًا، حسبما استشف مـن تصريحات رئيس الحكومة البولندية دونالد توسك، التي اعتبر فيها أن املوضوع بــحــاجــ­ة ملــزيــد مـــن الـتـفـاصـ­يـل قــبــل املــوافــ­قــة عـلـيـه، واصــفــًا تـصـريـحـا­ت دودا بـ«الكبيرة والـــخـــ­طـــيـــرة لـــلـــغـ­ــايـــة». وشـــــــد­د تـــوســـك عـلـى ضرورة أن يكون سياسيو بولندا متأكدين تـمـامـًا مـــن أن هـــذا مـــا يـــريـــد­ونـــه، ألن تشنج املـواقـف مع روسيا يتخذ أبـعـادًا ليست في مصلحة معسكر يـعـارض الـسـالح الـنـووي، أقـلـه ليس بمستوى وقـــوة معارضة أجيال مــن املحتجن عـلـى مـــدار ثـالثـة عــقــود، على وجود السالح النووي في أوروبا. وشــيــطــ­نــة الـــعـــا­لقـــة بـــروســـ­يـــا، وتـحـالـفـ­اتـهـا الـصـيـنـي­ـة واإليـــرا­نـــيـــة عــلــى وجـــه الـتـحـديـ­د، تــــصــــ­ب فـــــي نــــهــــ­ايــــة املـــــطـ­ــــاف فـــــي مــصــلــح­ــة الــدعــوا­ت إلــى إعـــادة تفعيل التسلح عمومًا والــــــن­ــــــووي مــــنــــ­ه. كـــمـــا أن الـــــغــ­ـــزو الــــروسـ­ـــي ألوكـــران­ـــيـــا، ومــــا نــجــم عــنــه مـــن أزمـــــة طــاقــة، دفــــع بـــقـــوى كــثــيــر­ة فـــي الـــغـــر­ب إلــــى الـــدعـــ­وة الــصــريـ­ـحــة بــاتــجــ­اه إعـــــادة الــعــمــ­ل بـالـطـاقـ­ة النووية، بما فيها املفاعالت املوجودة فعليًا وتلك املنوي تشييدها. وبالنسبة للمعسكر املؤيد لأسلحة النووية، والتسلح عمومًا، بـــدا الــحــد الــفــاصـ­ـل لـديـهـم فـــي مـــا جـــرى في 23 أكتوبر/تشرين األول ،2022 حن تحدث وزيــــــر الــــدفــ­ــاع الــــروسـ­ـــي ســـيـــرغ­ـــي شــويــغــ­و هــاتــفــ­يــًا مـــع نـــظـــرا­ئـــه فـــي وقـــتـــه­ـــا، الـفـرنـسـ­ي سـيـبـاسـت­ـيـان لـيـكـورنـ­و والــتــرك­ــي خلوصي أكار والبريطاني بن واالس، ملناقشة النزاع في أوكرانيا. وقـال شويغو يومها لنظرائه

إن موسكو لديها معلومات استخباراتي­ة تفيد بأن أوكرانيا ستستخدم «قنبلة قذرة» (قنبلة تقليدية تحتوي على مــادة مشعة)، مــــؤكـــ­ـدًا أن األوكــــر­انــــيـــ­ـن خـــطـــطـ­ــوا لـتـفـجـيـ­ر الـقـنـبـل­ـة عــلــى أراضــيــه­ــم وإلـــقـــ­اء الـــلـــو­م على روسـيـا لجر «الـنـاتـو» إلــى الــحــرب. وتـوالـت بعد ذلك التقارير، بما فيها تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، عن أن أجهزة االستخبارا­ت األميركية اعترضت اتصاالت روسية تشير إلـــى أن الــقــيــ­ادة الـعـلـيـا لـلـجـيـش فـــي الــبــالد كــانــت تـنـاقـش مــا إذا كـــان سـيـتـم اسـتـخـدام األسلحة النووية التكتيكية إلبطاء التقدم األوكراني. وصل األمر باألميركين إلى رفع حالة التأهب، معتقدين أن روسيا ستزيف هـــجـــوم­ـــًا أوكــــران­ــــيــــًا عـــلـــى نــفــســه­ــا التـــخـــ­اذه كــذريــعـ­ـة الســتــخـ­ـدام الـــنـــو­وي التكتيكي في ســـاحـــة املـــعـــ­ركـــة األوكــــر­انــــيـــ­ـة لــصــد الــهــجــ­وم املضاد. فعليًا استعد األميركيون لأسوأ، وزودوا األوكـــــ­ـرانــــــ­يــــــن بـــــــأق­ـــــــراص الــــيـــ­ـود ومعدات قياس اإلشعاع، وبتدريب األطباء واملمرضات على التعامل مع املرضى الذين تـــعـــرض­ـــوا لـــإشـــع­ـــاع، وســــاعــ­ــدوا فـــي وضــع خــطــة طــــــوار­ئ. ووفـــقـــًا لـصـحـيـفـ­ة نــيــويــ­ورك تايمز، عملت مجموعة أميركية خاصة على مدار الساعة، خالل األسابيع التي كان فيها الـهـجـوم األوكـــرا­نـــي املـــضـــ­اد، ووصـــل تقييم خطر ضربة نووية إلى 50 في املائة. ومـــن وجـهـة نـظـر بـاحـث الــحــرب فــي جامعة كوبنهاغن ميكيل فيدبي راسموسن، والتي عبر عنها فـي تصريحات سابقة لصحيفة إنـفـورمـا­سـيـون الـدنـمـار­كـيـة، فــإن الـحـرب في أوكرانيا «أعــادت بإلحاح مسألة الجغرافية السياسية، وبالتالي عادت القنبلة النووية إلــــى الـــواجــ­ـهـــة». وبــــرأيـ­ـــه فـــإنـــه «مــــن املــتــوق­ــع تـــمـــام­ـــًا» أن تــصــبــح األســـلــ­ـحـــة الـــنـــو­ويـــة مـع الــــحـــ­ـرب األوكــــر­انــــيـــ­ـة، مـــــرة أخــــــرى جــــــزءًا مـن السياسة الدولية. وراسموسن شغل سابقًا رئيس مكتب وزارة الدفاع الدنماركية، وهو عضو في العديد من مجموعات العمل التي تـحـلـل سـيـاسـة الــدنــمـ­ـارك األمــنــي­ــة. مــع ذلــك، فـإن بعض املراقبن املتفائلن يقرأون توتر األمـــــو­ر بـــصـــور­ة أقـــل تــشــاؤمـ­ـًا، بــاعــتــ­بــار أنــه منذ عـام 1945 لم تدخل القوى العظمى في حرب مباشرة بينها، وأن األسلحة النووية ساهمت في االستقرار والسالم.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar