العرب ال يثقون في أنفسهم فمن يثق فيهم؟

نظرة عامة إلى الدول واملواقع والفرص والقطاعات واألنشطة التي يستثمر بها العرب أموالهم تخرج بنتيجة مؤملة مفادها أن معظم املستثمرين ورجال األعمال العرب ال يثقون في أنفسهم ودولهم وحكوماتهم وسياساتهم االقتصادية. وبالتالي فإن السؤال الطبيعي هو: ومن يثق في العرب من املستثمرين األجانب، وفي الفرص املتاحة لديهم ومناخ االستثمار لديهم إذا كانوا ال يثقون في أنفسهم، ومن يثق في منطقة تعيش على بحور من الفساد والحروب والصراعات واملخاطر الجيوسياسية واالقتصادية واملالية والبيروقراطية وإساءة إدارة املال العام وغياب الشفافية واإلفصاح وغيرها من العوامل الطاردة لالستثمار املحلي قبل األجنبي؟ كما تكتشف حقيقة ُمرة أخرى وهي أن مسار األموال والثروات العربية تسير في اتجاه واحد هو خارج دول املنطقة، وإذا أردنا الدليل فانظر إلى مسار فوائض الصادرات العربية من النفط والغاز، وحصيلة القروض واملنح واملساعدات الخارجية التي قد تضل طريقها نحو الداخل مفضلة كالعادة التوجه نحو بنوك سويسرا وبريطانيا وأملانيا وأميركا الدافئة وعقارات لندن وباريس وميونخ وغيرها، أو على األقل الهروب نحو دول املالذات الضريبية والبنوك السويسرية، كما تكشف الوثائق الدولية التي يتم تسريبها من وقت ألخر بشأن أموال حكام الدول العربية والنامية. وحتى ال يكون الكالم مرسال سأعطي عدة أمثلة على ذلك، فحجم استثمارات الدول العربية في سندات وأذون الخزانة األميركية بلغ بنهاية شهر فبراير/شباط املاضي 258.2 مليار دوالر، وقيمة استثمارات أكبر 4 دول عربية في أدوات الدين األميركية ارتفعت إلى 249.2 مليار دوالر في نهاية يوليو/تموز املاضي. ومعظم أموال الصناديق السيادية العربية موجودة لدى األسواق والبنوك واألنشطة االقتصادية الغربية سواء في أوروبا أو الواليات املتحدة، وأصول الصناديق السيادية الخليجية التي تتجاوز تريليوني دوالر مستثمرة في بريطانيا وفرنسا وأملانيا وغيرها من الدول األوربية والواليات املتحدة. ونظرة لحجم األموال العربية املستثمرة في البورصات األميركية تجدها تعادل مئات املرات حجم ما هو مستثمر من أموال العرب في بورصاتهم وأسواق أموالهم، ونظرة لألرقام يمكن أن تلحظ ذلك بسهولة، فقد ارتفعت استثمارات العرب إلى 654.6 مليار دوالر في بورصات وول ستريت في نهاية العام املاضي، مقابل 549 مليار دوالر بنهاية ،2022 في ظل ماراثون االرتفاعات ملؤشرات أسواق املال األميركية بقيادة قطاع التكنولوجيا. ونظرة لقيمة استثمارات العرب وودائعهم في البنوك الغربية، وحجم استثمارات العرب الضخم واملتنامي في العمالت الرقمية يؤكد مجددا أن أموال العرب تأخذ طريقا واحدا هو خارج الحدود.