Al Araby Al Jadeed

سالح العقوبات وتقويض اإلنفاق العسكري اإليراني

- سهام معط اهلل

بعد أيـام من الهجوم اإليراني غير املسبوق على إسرائيل ردًا على استهداف تل أبيب القنصلية اإليرانية في دمشق، فرضت الواليات املتحدة وبريطانيا يوم 18 إبريل/ نيسان جولة جديدة من العقوبات الواسعة النطاق على برنامج إيران العسكري شملت أيضًا الطائرات املـسـيـرة، احتجاجًا بالحيلولة دون انـــدالع حــرب أوســع فـي الشرق األوسط رغم علمهما بأن البادئ هو األظلم. وبحسب وزارة الخزانة األمــيــر­كــيــة فــــإن الــعــقــ­وبــات األمــيــر­كــيــة تـسـتـهـدف تــحــديــ­دًا 16 فــردًا وكيانني يساهمون مباشرة في إنتاج الطائرات املسيرة اإليرانية التي استخدمتها طهران في هجوم 13 إبريل/ نيسان على إسرائيل. من جهتها، استهدفت العقوبات البريطانية عددًا من الكيانات العسكرية اإليرانية واألفراد والشركات الضالعة في صناعة الطائرات املسيرة والصواريخ الباليستية اإليرانية بهدف إغالق باب مساعدات إيران العسكرية لوكالئها في اليمن ولبنان وسورية والعراق ومنع املزيد من الهجمات على إسرائيل وإخالء الساحة لقوات االحتالل الصهيوني للمضي قدمًا في إبادة الشعب الفلسطيني األعزل. وقبل أيام، أدرج مشرعون أميركيون عقوبات على صـادرات النفط اإليرانية، بحيث تشمل توسيع نطاق عقوبات ثانوية على النفط بحيث تنطبق على أي صفقة تشتري فيها مؤسسة مالية صينية النفط من إيران، وذلك ضمن حزمة مساعدات مجلس النواب ألوكرانيا وإسرائيل ومنطقة املحيطني الهندي والهادئ. غالبًا ما ينظر إلى العقوبات على أنها بديل للحرب نظرًا إلى تداعياتها الوخيمة على اقتصاد البلد املستهدف ومواطنيه، وكذا قدرتها على زيادة التكاليف املالية لسلوكه العسكري والسياسي. في الواقع، بدأ تاريخ العقوبات الغربية املفروضة على إيران مباشرة بعد قيام الثورة اإلسالمية )1978-1979( وتأسيس الجمهورية. فبعد اقتحام مقر السفارة األميركية في طهران في نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 واحتجاز 52 أميركيًا ملدة 444 يومًا، قامت الواليات املتحدة بتجميد أصول الحكومة اإليرانية في البنوك األميركية؛ ثــم اكتسبت العقوبات األحــاديـ­ـة الجانب التي فرضتها الواليات املتحدة ضد إيران زخمًا في ظل إدارة كلينتون، عندما تم فـرض عقوبات على الشركات األجنبية التي تستثمر في صناعة النفط والغاز اإليرانية؛ وبدأت بعد ذلك العقوبات املرتبطة بالبرنامج الـنـووي بالتشكل عندما تــم الكشف ألول مــرة فـي عــام 2002 عن وجود مواقع نووية سِّرية في إيران، فقد فرضت األمم املتحدة أربع حـزم من العقوبات االقتصادية والتجارية ضـد الكيانات املرتبطة ببرنامجي إيــران النووي والباليستي وجمدت أصولها في األعـوام 2006 2007و 2008و .2010و في عـام ،2012 تكالبت العقوبات الدولية على إيران عندما انضم االتحاد األوروبي إلى الواليات املتحدة في فرض حظر نفطي على إيــران، وتأثرت جــراء ذلك أصـول البنك املركزي اإليراني واملعامالت بني البنوك، فقد شكل كل من التركيز على صادرات النفط الخام اإليراني وتعاون االتحاد األوروبي نقطة االختالف الرئيسية بني هذه العقوبات وسابقاتها. واستمرت السنوات العجاف حتى عام 2015 الذي توصلت فيه إيران إلـى اتفاق تاريخي مع مجموعة 1+5 (األعـضـاء الخمسة الدائمون في مجلس األمن التابع لألمم املتحدة وهي الصني وفرنسا وروسيا واململكة املتحدة والواليات املتحدة، باإلضافة إلى أملانيا) ينص على الرفع التدريجي للعقوبات املفروضة على البرنامج النووي اإليراني منذ عام ،2006 مقابل التزام إيران بتقييد برنامجها النووي. لكن فرحة إيـران لم تكتمل، فقد انسحب الرئيس األميركي دونالد ترامب من ذلك االتفاق النووي التاريخي في عام ،2018 وأعاد فرض العقوبات االقتصادية التي علقت سابقًا، وشدد عقوبات أخرى على قطاعات النفط والـبـنـوك والنقل اإليــرانـ­ـيــة، ولــم تكتف إدارة ترامب بـذلـك فحسب، بــل أدرجـــت الــحــرس الــثــوري اإليــرانـ­ـي على قائمتها اإلرهابية في عام .2019 وكـرت مسبحة العقوبات على إثر مقتل الشابة اإليرانية مهسا أميني، إذ فـرض االتحاد األوروبـــ­ي في عام 2022 عقوبات ضـد مسؤولني إيرانيني بينهم قيادات في «شرطة األخــالق» شاركوا في قمع االحتجاجات التي عَّمت مختلف أنحاء البالد، وحـذت حـذوه الواليات املتحدة التي أدرجــت 25 فـردًا إيرانيًا وثـــالث وســائــل إعـالمـيـة مـدعــومـة مــن إيــــران عـلـى الئـحـة العقوبات عشية الـذكـرى األولــى ملقتل مهسا. ال يختلف اثنان على أن هدف الغرب األول والرئيسي من عقوباته تلك هو إجبار إيران على وقف برنامجها النووي وتقويض إنفاقها العسكري وإضعاف قدرتها املالية على االستثمار في املشاريع العسكرية. عالوة على ذلك لطاملا وجه الغرب من خالل عقوباته على إيران رسالة ضمنية إلى الدول األخـــرى فـي املنطقة لثنيها عـن االقــتــد­اء بـإيـران وتخفيف املنافسة النووية في املنطقة. في الـواقـع، تكشف بيانات معهد استوكهولم الدولي ألبحاث السالم عدم فعالية العقوبات الغربية وحملة الضغط االقتصادي األقصى التي تمارسها الـواليـات املتحدة في تصفير اإلنفاق العسكري إليران، فرغم فرض األمم املتحدة ألربع حزم من العقوبات خالل الفترة املمتدة ما بني 2006 ،2010و إال أن اإلنفاق الـعـسـكـر­ي إليــــران قــد ارتــفــع بــصــورة ملحوظة مــن 8.75 مـلـيـارات دوالر في 2006 إلى 13.56 مليار دوالر في ؛2010 وواصل اإلنفاق ارتفاعه حتى وصل إلى 16.49 مليار دوالر في .2012 وبعد فرض االتحاد األوروبي والواليات املتحدة حظرًا نفطيًا على إيران في عام ،2012 انخفض اإلنفاق العسكري اإليراني إلى 11.99 مليار دوالر في 2013 ثم إلى 9.9 مليارات دوالر في 2014 ليرتفع بعد ذلك إلى 10.58 مليارات دوالر في .2015 بعد دخول االتفاق النووي اإليراني حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني ،2016 ارتفع اإلنفاق العسكري إليران بصورة طفيفة من 12.26 مليار دوالر في 2016 إلى 13.93 مليار دوالر فـي .2017 بعد انسحاب الرئيس األميركي األسبق من االتفاق النووي واستئناف فرض العقوبات على طهران في عام ،2018 انخفض اإلنفاق العسكري اإليراني من 11.23 مليار دوالر في 2018 إلى 4.59 مليارات دوالر في 2019 ثم إلى 3.03 مليارات دوالر في 2020 بسبب تداعيات جائحة كورونا أيضًا، ليعاود االرتفاع مرة أخـرى رغم العقوبات السارية على البالد إلى 5.39 مليارات دوالر في 2021 ثم إلى 6.84 مليارات دوالر في .2022 خالصة القول، لقد تمكنت إيــران من التكيف مع العقوبات الغربية التي تنهال عليها، ونجحت فـي إيـجـاد طــرق بديلة ملمارسة األعـمـال التجارية محليًا ودوليًا، واستطاعت أن تبرهن للغرب أن إنفاقها العسكري لن يجف وسيبقى قائمًا لحماية مصالحها الداخلية والخارجية. وبـدال من ردع االحتالل الصهيوني وكبح جماحه لحل املشكلة من جذورها، تستمر القوى الغربية في تضييق الخناق على إيران واستفزازها، األمر الذي لن يؤدي إال إلى مزيد من الدمار والخراب في املنطقة، وهذا تحديدًا ما ترغب فيه أيضًا تلك القوى التي تبحث عن عذر للتدخل في هذه املنطقة ونهب ما بقي من ثرواتها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar