Al Araby Al Jadeed

غيض من فيض حقائق غائبة في الحرب

- أنطوان شلحت

مـع اسـتـمـرار الـحـرب اإلسـرائـي­ـلـيـة على قـطـاع غـــزة واستحقاقها لقب أطـــول حرب خاضتها دولة االحتالل منذ تأسيسها، بدأت تتبلور في أوساط املحللني واملراسلني الصحافيني اإلسرائيلي­ني فئة تحمل شعار: حان الوقت لكي تقال الحقيقة للجمهور العريض. وتنطوي كلمة الحقيقة على مدلوالت ومعان كثيرة، ولكن في ما يرتبط بما

ًٍ ننوي الغوص عليه يمكن أن نعرف الحقيقة اصطالحا بأنها االتفاق مع ما هو قائم في الواقع. وأبرز ما تتغياه هذه الفئة أن تقول الحقيقة باألساس حيال ما حققته هذه الحرب وما لم تحققه، من جملة األهداف التي وضعت لها منذ البداية، وكانت بمثابة املسوغ لشنها منذ يوم السابع من أكتوبر/ تشرين األول. يمكن القول إن هذه الفئة جزء من إجماع إسرائيلي أوسع، على أن األمر األبرز اآلن، بعد مـرور أكثر من نصف عام على الحرب، أن هناك فشال إسرائيليا مطبقا في تحقيق أهدافها املعلنة؛ فاألسرى والرهائن اإلسرائيلي­ون بأغلبيتهم لم يعودوا، ولم تهزم حركة حماس، ولم يتم العثور على حل يبعد عناصر حزب الله عن الحدود الشمالية، وعشرات اآلالف من اإلسرائيلي­ني من سكان الشمال والجنوب ال يزالون نازحني في بلدهم، غير أن ما يسم استثنائيته­ا، إن صح التعبير، عائد إلى تركيزها على تفنيد األكــاذيـ­ـب التي تروجها الدعاية اإلسرائيلي­ة الرسمية، وال سيما التي يبثها الجيش. وبمتابعة سريعة، يتبني أن أكاذيب الجيش تتعلق بأمرين: األول، عدد الذين تمكن من قتلهم أو اعتقالهم بني صفوف املقاومني الفلسطينين­ي، والذي تنفيه مثال حقيقة أن حركة حماس تمكنت من إعـادة تنظيم نفسها بسرعة في منطقة شمال قطاع غزة التي احتلها الجيش اإلسرائيلي ودمرها، وهي اليوم الجهة األقوى بالنسبة إلى سكان هذه املنطقة. وفي هذا الصدد، ينبغي أن ننوه بأنه حتى صحيفة «يسرائيل هيوم» التي هي بمثابة بـوق لرئيس الحكومة بنيامني نتنياهو عنونت أحـد تقاريرها األخـيـرة التي تناولت بيانات الجيش، وإن لـدوافـع حزبية سياسية، بالعبارة اآلتية «يجب قول ما يلي: أرقام الجيش اإلسرائيلي تخفي الحقيقة». واألمر الثاني حجم الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش اإلسرائيلي والتي ال تنحصر في عدد القتلى بني صفوفه، بل تشمل أيضا عدد الجرحى وحاالت اإلصابات ونسبة اإلعاقات الدائمة واإلعاقات في مجال الصحة النفسية، بما في ذلك القلق، واالكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، وصعوبات التكيف والتواصل، وحاالت الهلوسة والذهان وغيرها. يهدف كذب الجيش أداتيا إلى أن يزيح عن كاهله املسؤولية عن اإلخفاق الــذي ّأدى إلـى نجاح عملية طوفان األقـصـى، وإلــى الفشل في الـوصـول إلـى النتائج املرجوة في الحرب، في حني أن كشف بعضهم هذا الكذب يرمي بجالء إلى حصر تلك املسؤولية وذلك الفشل في قيادة الجيش. مع ذلك، يمكن العثور على أصـوات قليلة تسعى إلى اكتشاف الحقيقة التي يجري إخفاؤها من املؤسسة العسكرية أو املؤسسة السياسية. ومن فيض الحقائق األخرى التي قال بعض أفراد هذه الفئة إنه ينبغي إشهارها أمام الجمهور أن إعالن خروج الفرقة 98 من منطقة خانيونس يوم السابع من إبريل/ نيسان الحالي جاء ليعلن ما كان معروفًا لكثيرين منذ فترة، ومؤداه أنه منذ ما قبل هذا الخروج بأكثر من شهر، ما عـاد الجيش اإلسرائيلي يخوض عملية حسم في قطاع غــزة، وال تقويض، وال كل الكلمات األخرى التي ليس لها مغزى عسكري، مثلما يؤكد أحد كبار الباحثني في معهد أبحاث األمن القومي. وبرأي هذا الباحث نفسه، شعر الجيش باليأس من املؤسسة السياسية مرتني: األولــى، عندما رفـض نتنياهو وحكومته بلورة غالف سياسي للحرب من دونه يصبح العمل العسكري بال معنى حقيقي؛ والثانية، عندما رفضت املؤسسة السياسية، ألسباب تتعلق بمصلحتها فقط، أن تأمر باالنتقال إلى مرحلة أخرى من الحرب، وهي مرحلة إقامة خطوط دفاعية، واالنطالق منها للقيام بعمليات موجهة استخباراتي­ا وتستهدف ضرب إعادة تنظيم حماس.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar