Al Araby Al Jadeed

تقرير كولونا... عنزة ولو طارت

- أرنست خوري

تقرير لجنة تقصي الحقائق املستقلة التي ترأستها وزيـــرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا، حول وكالة أونـروا للتثبت من حيادها، على ضوء الحملة اإلسرائيلي­ة املسعورة ضدها، يثبت أمـورًا كثيرة. أول ما يؤكده أن املجتمع الدولي يمكن أن يكون صاحب عينني مفتوحتني على الحق، ويمكن أن يرفض مسايرة كذب إسرائيل وجرائمها وسياساتها العدوانية. يقال ذلك رغم إصـرار املعادين للغرب، ظاملًا كان أم مظلومًا، على وضع ذلك املجتمع الدولي بني مزدوجني عريضني يقفالن الباب على العالم الرحب، ويفتحان شهية العيش على جزيرة معزولة ال يقطنها إال املتشابهون. ثاني ما يثبته التقرير أن هذا الغرب ليس كتلة صماء متراصة، وأنه يتيح مجاالت شاسعة لالختالف وللمشاكسة ولحرية التفكير والتعبير رغم كل العيوب القمعية التي تعتري تجارب ديمقراطية غربية نشاهد منها أمثلة باملئات على هامش اإلبادة اإلسرائيلي­ة الحالية في غزة. التقرير الذي سربت صحيفة الغارديان البريطانية يوم االثنني أجزاء من خالصاته وتوصياته قبل أن يصدر كامال في اليوم نفسه (االثـنـني)، يفضح مصفوفة األكاذيب اإلسرائيلي­ة التي تبنتها مجموعة من البلدان الغربية بعد عملية «حماس» في السابع من أكتوبر/ تشرين األول، وقطعت على أساسها تمويلها عن وكالة األمم املتحدة إلغاثة وتشغيل الالجئني الفلسطينين­ي. ولجنة التحقيق التي باتت تسمى اختصارًا «لجنة كولونا»، تجسد الغرب بامتياز. مقررتها فرنسية، وليست أي فرنسية، بل وزيرة خارجية صارت تسمى «سابقة» فقط منذ التاسع من يناير/ كانون الثاني ،2024 أي أنها كانت شخصية أساسية في االصطفاف إلى جانب إسرائيل بعد صدمة «طوفان األقصى»، وساهمت بفعالية في الترويج لرواية بدء تاريخ الصراع في السابع من أكتوبر فقط، ليصبح هجوم «حماس» سببًا ال نتيجة، أو نتيجة لإلرهاب الفلسطيني حصرًا، ال ردة فعل، وإن كانت عدمية ونتائجها كارثية، على عقود من االحتالل واالضطهاد واألبارتها­يد. ومراجعة الوزيرة الفرنسية السابقة استندت إلى تقييم مفصل قدمته ثالث هيئات بحثية غربية جـدًا، وهي معهد راؤول والنبرغ في السويد، ومعهد ميشيلسن في النرويج، واملعهد الدنماركي لحقوق اإلنسان لتأتي النتيجة واحدة: إسرائيل تكذب في كل اتهاماتها لـ«أونروا». ليس هناك دليل على انتماء أي موظف من غزة في الوكالة (عددهم 13 ألفًا) إلى «منظمة إرهابية»، واملقصود حركتا حماس والجهاد اإلسالمي. وجدت كولونا ومساعدوها ضرورة لكشف أن «أونـروا» تزود إسرائيل منذ 2011 بالئحة بأسماء جميع موظفيها «من أجل التدقيق»، وأن الحكومة اإلسرائيلي­ة «لم تبلغ أونروا يومًا بأي قلق يتعلق بأي موظف». الكذبة اإلسرائيلي­ة الثانية التي وجب فضحها في تقرير كولونا مفادها أن الكتب التعليمية املـعـتـمـ­دة فــي املــــدار­س الـتـي تـديـرهـا «أونـــــرو­ا» تتضّمن مـحـتـوى معاديًا للسامية. اسـتـعـان فـريـق الــوزيــر­ة بتحقيقات سابقة (كلها غـربـيـة) أجـريـت حول املــوضــو­ع وخـلـص إلــى وجـــود بعض «املـحـتـوى الــعــدائ­ــي»، لكن ال شــيء يشير إلى معاداة السامية. أحد املعاهد األملانية (معهد جورج إيكرت) وجد مثالني فقط يعاديان السامية من 156 كتابًا مدرسيًا، تمت إزالة أحدهما في املاضي وتغيير اآلخر. إذًا، ال معاداة للسامية في املدارس الفلسطينية. أمام تقرير ال تشوب غربيته أي شائبة، لم يكن يتوقع من حكام تل أبيب إال أن يقدموا على قفزة تصل بهم إلــى طابق أعلى مـن الـكـذب. عقب وزيــر الخارجية يسرائيل كاتس على التقرير قائال إن 2135« موظفًا من أونروا أعضاء في حماس والجهاد اإلسالمي، وخمس مـدراء مـدارس أونــروا أعضاء في حماس». أصـاب كاتس بقدر ما فعل سياسي لبناني شهير حـاول إقناع وفد من زواره البسطاء بأن العنزة ال تطير، فرووا له أن ضابطًا في االستخبارا­ت السورية من حكام لبنان قبل عام 2005 أخبرهم مرة بأن العنزة بإمكانها أن تطير، فما كان من السياسي اللبناني ذاك إال أن عدل فتواه لتصبح «العنزة تطير لكنها ال تعلي كثيرًا». أما عند اإلسرائيلي­ني هذه األيام، فإن العنزة ال تطير فحسب، بل تتكلم وتجد كثيرين ممن يظنون أن ثغاءها تحفة موسيقية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar