Al Araby Al Jadeed

لبنان نحو االنهيار

- يقظان التقي

لم تتراجع كثيرًا مخاطر التصعيد ونشوب صــــراع آخـــر فـــي الـــشـــر­ق األوســـــ­ط فـــي لعبة الـــردود بـن إيـــران وإسـرائـيـ­ل، واحتمال أن تثير حــرب غـــزة حـربـا أوســـع، حيث انتقل العالم في ليلة املسيرات باتجاه األراضـي املـــحـــ­تـــلـــة مـــــن الـــــرؤي­ـــــة املـــلـــ­تـــزمـــة بـــالـــس­ـــام الــعــادل والـتـعـاط­ـفـات الكبيرة مــع القضية الـفـلـسـط­ـيـنـيـة، بـتـأثـيـر الــســيــ­اق الـسـيـاسـ­ي واألمــــن­ــــي لـــحـــرب اإلبــــــ­ـادة الـــتـــي تــمــارسـ­ـهــا إســــرائـ­ـــيــــل، إلـــــى حـــيـــث مـــتـــغـ­ــيـــرات مــعــادلـ­ـة العاقات بـن إيـــران وإسـرائـيـ­ل، ومـا ينظر إليه الـغـرب على أنــه بــات تهديدًا وجوديا للكيان املحتل. أحــدث الــرد اإليــرانـ­ـي و«اسـتـعـراض القوة» خروجا من حرب الظل الدائرة بن الجانبن تفاعات كبيرة، أشعلت حمى االتصاالت الــدولــي­ــة مـــن أجـــل الــتــوصـ­ـل إلـــى هــدنــة في قـطـاع غــــزة، مـرفـقـة بـالـتـهـد­يـد اإلسـرائـي­ـلـي باجتياح رفح، واستمرار القيود املفروضة عــلــى وصـــــول املـــســـ­اعـــدات اإلنـــســ­ـانـــيـــ­ة الــى غـــزة، وارتــفــا­ع حـــدة املـواجـهـ­ات فـي الضفة الغربية وعلى الجبهة الشمالية مع لبنان. ويــعــكــ­س ذلــــك رغـــبـــة إســـرائــ­ـيـــل فـــي تـعـزيـز أمنها وتأمن حدودها، في ظل التهديدات الـتـي تواجهها مــن مختلف الـجـهـات، بما فـي ذلــك تعزيز بناء التحالفات اإلقليمية والــــــد­ولــــــيـ­ـــــة، وبــــــهـ­ـــــدف تــــعــــ­زيــــز مـــكـــان­ـــتـــهــ­ـا املتآكلة وتأثيرها فـي املنطقة وخارجها. فـــي املـــقـــ­ابـــل، يــمــكــن أن يـــكـــون لـلـسـيـاس­ـات والتحركات اإليرانية وتحركات شركائها تأثير كبير على الديناميكي­ات اإلقليمية والـــدولـ­ــيـــة. وقــــد يـــدفـــع ذلــــك إســـرائــ­ـيـــل إلــى تبني استراتيجيا­ت معينة للتصدي لهذه الــتــحــ­ديــات، وتــتــعــ­زز املـــخـــ­اوف مــن اتـسـاع رقــعــة الـعـمـلـي­ـات الــحــربـ­ـيــة، ووضــــع لبنان واملنطقة على مفترق طرق في إطـار إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسي­ة. في هـذه األثـنـاء، كـان من املنتظر أن يبادر حزب الله إلى التهدئة لتحاشي املمارسات اإلسـرائـي­ـلـيـة الــعــدوا­نــيــة، تـرجـمـة للرسالة الــــتـــ­ـي حـــمـــلـ­ــهـــا الــــوســ­ــيــــط رئــــيـــ­ـس حــكــومــ­ة تــصــريــ­ف األعـــمــ­ـال نـجـيـب مـيـقـاتـي وقــائــد الـجـيـش جـــوزف عـــون إلـــى بــاريــس، بحيث يتم التقدم خطوة فـي تنفيذ قــرار مجلس األمــــــ­ـن ،1701 كــنــتــي­ــجــة ســـيـــاس­ـــيـــة لـطـلـب ميقاتي من املجتمع الدولي مساعدة لبنان فــي مــجــاالت عــديــدة، ومـــن فـرنـسـا والـقـوى الدولية استخدام نفوذها إلقناع مختلف التيارات اللبنانية بانتخاب رئيس للباد يــحــظــى بــقــبــو­ل جــمــيــع األطــــــ­ـراف مـــن أجــل طـــي صفحة الــفــراغ الـسـيـاسـ­ي، والــوصــو­ل إلـــى ســلــة مـتـكـامـل­ـة، يــدعــى حـــزب الــلــه إلـى مــنــاقــ­شــتــهــا، تــفــضــي إلـــــى اســـتـــق­ـــرار أمــنــي وسياسي واقتصادي في لبنان. رفــض الـحـزب مناقشة األجــوبــ­ة الفرنسية (بموافقة أميركية)، مـع انـتـقـادا­ت وجهها إلى مقترحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي تتقاطع مع طروحات اللجنة الـخـمـاسـ­يـة «فــصــل الـــوضـــ­ع الـلـبـنـا­نـي عن الــــوضــ­ــع فــــي غـــــــــ­ـزة». وصــــعـــ­ـد الــــحـــ­ـزب مـن تهديداته وأعـمـالـه العسكرية مـع «كتائب الـــــقــ­ـــســـــا­م» فـــــي الـــــجــ­ـــنـــــو­ب، بـــــالــ­ـــتـــــو­ازي مــع اســتــئــ­نــاف الــحــشــ­د الـشـعـبـي عـمـلـيـات­ـه في الــعــراق عقب عـــودة الــســودا­نــي، رفـضـا ألي غطاء أميركي تتكشف عنه زيارته األخيرة إلى واشنطن. تـــظـــهـ­ــر هـــــــذه الـــديـــ­نـــامـــي­ـــكـــيــ­ـات الـــتـــن­ـــافـــس الــســيــ­اســي واألمـــنـ­ــي فـــي املــنــطـ­ـقــة. ويـمـكـن للطرفن اإليراني واإلسرائيل­ي أن يتفاخرا بالنتائج العسكرية والـسـيـاس­ـيـة بأبعاد دولـــــيـ­ــــة، عــلــمــا أن الــــــرد اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـي كـــان ليستهدف مبنى وزارة الـدفـاع في طهران بــفــعــل الــغــطــ­رســة اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة، واقــتــصـ­ـر (منعا ملناكفة الحلفاء) على ضرب منطقة حساسية في أصفهان. حـــــزب الـــلـــه فــــي جـــنـــوب لـــبـــنـ­ــان بـــــات يــحــل محل دولــة فاشلة، ويـهـدد بحرب واسعة، هل يصعد ليتناقش مع اإليرانين، أم مع اإلسـرائـي­ـلـي واألمــيــ­ركــي ومــحــاذر­ة الحرب الفعلية؟ أم هو الخوف من الوضع الداخلي فـــي لــبــنــا­ن «كـتـيـبـة إســرائــي­ــلــيــة فـــي الـبـلـد» (نـــــواف املــــوسـ­ـــوي)، أم هـــو انـــعـــد­ام الــرؤيــة االســتــر­اتــيــجــ­يــة عــنــد الـلـبـنـا­نـيـن والــحــزب مــعــا. وأي تصعيد قــد يتسبب بتداعيات خـطـرة على الـسـكـان املـدنـيـن (نـحـو مئتي ألف نازح)، ويأخذ البلد إلى الدمار الشامل مع استمرار التهديدات اإلسرائيلي­ة، سيما عندما تنتهي الحرب الوحشية على غزة، وتــقــتــ­رب ســاعــة الــحــســ­م عــلــى الـــحـــد­ود مع لــبــنــا­ن. مــقــدار كبير مــن الـقـلـق واملــخــا­وف والـــحـــ­ذر مــن الــــدور الـسـيـاسـ­ي والـعـسـكـ­ري لحزب الـلـه، مـوضـوع استقطاب وانقسام، وهو يتعرض النتقادات داخلية وخارجية تجاه املسائل التي يريدها محجوزة له في مجتمع متنوع وديمقراطي، وهو يريد أن يكون مجلس اإلدارة في كل شيء. وبتأثير سـلـبـي عــلــى االســـتــ­ـقـــرار الــوطــنـ­ـي، وعـرقـلـة الــجــهــ­ود املـــبـــ­ذولـــة لـــإنـــق­ـــاذ. فـيـفـقـد لـبـنـان املـــزيــ­ـد مـــن الـــعـــا­قـــات الـــدولــ­ـيـــة، ويــعــرضـ­ـه لـلـعـقـوب­ـات والـــعـــ­زل الــســيــ­اســي والــتــده­ــور فـــــي عــــاقـــ­ـاتــــه الــــتـــ­ـجــــاريـ­ـــة واالقــــت­ــــصــــا­ديــــة. ومـــن الـــضـــر­وري الـنـظـر بـعـنـايـة فــي اآلثـــار املحتملة ألي تحرك أو قرار يتخذه الحزب، أو أي جــهــة أخــــرى فـــي لــبــنــا­ن، فــقــد تـكـون التعقيدات العسكرية كبيرة للغاية أمــام الـتـقـدم التكنولوجي العسكري األميركي - اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـي، واالصـــطـ­ــفـــاف األمـــيــ­ـركـــي - الغربي بمواجهة تهديد إيــرانــي وروســي متعدد الوجوه. وجد الحزب في حرب غزة منذ أكتوبر/ تشرين األول املاضي فرصة حقيقية للتضامن مــع حــركــة حــمــاس من خــــال الـــصـــو­اريـــخ والـــقـــ­ذائـــف الـــتـــي تطلق مــــن جــــنــــ­وب الـــــبــ­ـــاد. أي رد، بـــاســـت­ـــخـــدام الوسيلة نفسها «رقــصــة مـشـفـرة «، حيث كان الطرفان املتحاربان يسعيان الى عدم التمادي في مخاطر االنزالق خلف املبارزة باملدفعية على طول الحدود. فرصة أخـرى أال يكون هو املستهدف بعد الـــغـــا­رة الــجــويـ­ـة اإلســرائـ­ـيــلــيــ­ة عــلــى القسم

يخشى اللبنانيون من حساسية حزب اهلل ومن نزعة عنف في مناقشة األوضاع الداخلية

القنصلي في دمشق، وبـأن يتخلى جزئيا عن صفة شريك املواجهة بالوكالة، ويقرأ في تكاليف املواجهة بوصفه طرفا ثالثا، بـانـتـظـا­ر مــا سـتـصـل إلــيــه مـرحـلـة مــا بعد الحرب. فتطرح القضايا السياسية بشأن حـركـة حـمـاس والقضية الفلسطينية، مع السعي إلى محاصرة التطرف في الحكومة اإلسـرائـي­ـلـيـة اليمينية والـضـغـط لتسوية الــــدولـ­ـــتــــن، وحــــيـــ­ـث تــســتــم­ــر األخـــــي­ـــــرة فـي ممارسات التنكيل برفح والضفة الغربية وتــصــعــ­د فـــي حــجــم عـمـلـيـات­ـهـا ضـــد حــزب الله وإضعافه في لبنان وسورية، وإشهار تفوقها العسكري في الشرق األوسط. حـزب الله في حـرب استنزاف طويلة، رغم الــتــهــ­ديــدات الــتــي تـرتـفـع وتــتــراج­ــع حينا، ملجرد االسـتـفـز­از، ليس بهدف اخـتـراق، أو مشروع آخر. ذلك أن إيران قادته مع شبكة مــن املـلـيـشـ­يـات الـعـربـيـ­ة لــفــرض مكاسبها والـــحـــ­فـــاظ عـلـيـهـا كـــقـــوة إقـلـيـمـي­ـة عـظـمـى، ويـمـثـل الــحــزب كــل شـــيء فــي خــدمــة إيـــران بــن األحــــزا­ب الـتـي تضم الــروابــ­ط الدينية والسياسية والعقائدية. يخشى اللبنانيون مــن حساسية الحزب ومـــــن نـــزعـــة عـــنـــف فــــي مــنــاقــ­شــة األوضـــــ­ـاع الـداخـلـي­ـة، وســـوف تنسب املـسـؤولـ­يـة إليه حن تتعطل كل املـسـارات النتخاب رئيس لـلـجـمـهـ­وريـة، ولــإتــيـ­ـان بــمــواصـ­ـفــات حكم يعتمد عليه في إجـراء إصاحات هيكلية، أو انـــفـــج­ـــار الـــوضـــ­ع األمــــنـ­ـــي، الـــــذي يشهد اهتزازات مناطقية بسبب النزوح السوري، ومـا يثيره من أعمال انتقامية وعنصرية تعيد تشكيل صورة حرب أهلية (باسكال ســــلــــ­يــــمــــ­ان)، إلـــــــى تـــعـــطـ­ــيـــل اســـتـــح­ـــقـــاقـ­ــات امـــتـــح­ـــانـــات رســـمـــي­ـــة وانــــتــ­ــخــــابـ­ـــات بــلــديــ­ة ووقــــائـ­ـــع تـــجـــار­يـــة واقـــتـــ­صـــاديـــ­ة كــمــخــز­ون النفط والـقـمـح واملــــوا­د الـغـذائـي­ـة واألدويـــ­ة على صــورة االنهيار الـتـام. األكثر من ذلك أن أولوية الحزب في النظام اإليراني ليست الــــدفــ­ــاع عـــن «حــــمــــ­اس»، أو حــتــى الـقـضـيـة الفلسطينية بـشـكـل عــــام. إيـــــران منشغلة بتطور مشروعها النووي العسكري الذي سيشكل ضمانة لبقائها األبدي. إيـــــــر­ان فــــي مـــعـــاد­لـــة الـــعـــا­قـــة مـــــع» الــنــظــ­ام الشرير في إسرائيل» ال تدري ما إذا كانت ارتـــكـــ­بـــت خــطــأ أم ال فـــي مــرحــلــ­ة الـــحـــر­وب «املــنــظـ­ـمــة»، واألمــيــ­ركــي يمسك الـعـصـا من الوسط، ويضغط للعودة إلى ما قبل عملية القنصلية اإليـرانـي­ـة فـي دمـشـق، ومتابعة املفاوضات بشأن حرب غزة وجنوب لبنان. هـــذا خـــاف وتــحــول عـقـائـدي عـلـى حساب الـــطـــر­ف الـفـلـسـط­ـيـنـي، الــــذي تـخـلـى الـعـالـم عنه وعن نضال بطولي ال مثيل له، وسط انـعـدام الـرؤيـة السياسية واالقتصار على البعد األمني في مقاربة كل ما يخصه، وكل ما يحتاجه وقـف الحرب وزوال االحتال. من دون ذلك ال معنى لشيء.

 ?? (فرانس برس) ?? خالل تشييع مقاتل من حزب اهلل، جنوبي لبنان، 17 إبريل
(فرانس برس) خالل تشييع مقاتل من حزب اهلل، جنوبي لبنان، 17 إبريل

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar