زنزانة تسُع الدنيا
حسنًا، هذه مدينٌة من الرُّخام
قديما، باألمس أو قبل قليل
لكل مولود في هذه اللحظة نـــكـــتـــة يـــضـــحـــكـــه بــهــا املــــــاك الـــــذي هـــيـــأ سريره، لــكــل مـــولـــود حــجــارتــه الــتــي تـنـتـحـر في أظفره وثـــيـــابـــه املـــلـــطـــخـــة بــــالــــثــــارات وشـــتـــائـــم الغرباء وبصمات العائلة.
لـكـل صـــارخ ألول مـــرة فــي الــوجــود هذه اللحظة دغــلــه الــذي يلوكه راضـيـا وعلى شفتيه ضحكة باهتة، له عسله املغشوش ونحلته املريضة، حروبه الغزيرة وسفره الشحيح وعزلته باكيا في السر با سبب.
هكذا قالوا قديما، باألمس أو قبل قليل:
ُِّ ُُ سيولد في كل لحظة علي، وينهض آخر من مهده ليموت.
غبار
ُُ ال يباع هذا الغبار وال يشترى ال يحفظ في زجاجة وال يمحي بمكنسة من خوص.
هـــــذا الـــغـــبـــار مـــديـــنـــة تــطــفــو فــــي مـــجـــرة تنهبها األجرام العاتية هــــــذا الــــغــــبــــار الــــــطــــــواف حــــــول الـــهـــمـــســـة َِّ والصيحةواإلشارة درب تتعثر فيه حياة وينزلق فيه موت وتذوب فيه ظهيرة ومغرب وهذا الغبار املضيء، بيت وعلى عتبته غيمة مكسورة وفي غرفة داخله، صحو مقطع األعضاء وهذا أنا ال أمل لي في كتابة هذه القصيدة وحبري غبار.
نارك يا صاحبي
نا ُرك عالية ومــيــاه األرض قــطــرة عـــرق عـلـى جبينك الحار.
ََ ليس من َُ دخانوال من حريق ليس من شرر وال من رماد نــــــارك يـــا صــاحــبــي تـــركـــض فـــي عـظـامـك نافشة شعرها
َُّّ ََ ُُ نارك تضج في ضلوعك البالية نارك تتسلق رجفة شفاهك وتحترق في عيونك.
من أيـن لـك كـل هـذا الـولـه الـذي يحيا في شرودك بني املدن وينتفض في رقدتك تحت األشجار؟ مـن أيــن لــك كــل هــذه الرغبة فـي السيان على الوجود
والجري إلى حيث ما مدت يد للمجاهل البعيدة؟
أهـــذه نـــارك أم جـوقـة دراويـــش يحملون الفوانيس أهـــذا أنـــت الـــذي فــي ابـتـسـامـتـك تلويحة للفناء أهذه فيما بعد بقايا نارك املطفأة!
في صمت الثالثاء
تهشمت بقطرة ماء، وكنت الحجر الــذي يـــوزع صابته على الجيران. تناثرت با عاصفة، وكنت ما يصل إلى أصقاع الوحدة ويثير في عينيها شبهة البكاء.
كـــثـــيـــرا مـــا أردنــــــــاك عــــــودة الـــغـــائـــب بعد ضياعه في الروايات وكثيرا ما تخيلنا صوتك يحرث صمت الثاثاء ويبذر فيه اجتماع األحبة ولكنك كنت هذا املفقود الكثير هذا الذي نملكه اسما فقط وليس من دليل على ذلك.
تهشمت وتناثرت وال بأس، إننا ضحاياك.
على النهر والشمس والريح
أعترف على النهر الذي ظل يجري
غير شاعر بتعثري فوقك يا رمال، عـلـى الـشـمـس ال تعرفني ولــيــس سمرة وجهي من نارها، عـــلـــى الــــريــــح مـــشـــحـــوذة بــــغــــربــــة املـغـيـب وتجرح، وها أنا أبتلع املسافات، ال وجهة لي غير مرأى الجمال وبعض السراب وقطعان أشباح البساتني البعيدة.
أعترف أن كل ما ملكت من هذه األرض صار اآلن حفنة صحراء في نعالي.
باقٌة شكلها الموت
كلها اجتمعت في قبضة واحدة
ٍْ مـعـول ليس من هـــدام لــم يـتـرك بصماته عليه مــثــقــاب حـــفـــر فــي كــــل الــعــظــام تـخـريـجـة لآلفات املجاورة
ٌَ وسلسلة من حديد أعدوه للقيامة لكن جاء وا به خلسة من جاديها، كلها اآلن فـوق هذا الجسد اليابس مثل رغيف على السطح الجسد الذي تتآمر عليه الديدان البشرية وتــــنــــهــــبــــه بـــــني غــــفــــلــــة وأخــــــــــرى غـــــربـــــان الساطني وأفراخها.
كلهاّ اجتمعتِّ في قبضة واحدة باقة صغيرة شكلها املوت بيديه وأظنه اآلن يقدمها لي ولكنني ال أتفاجأ، وال أرتعد،
إنني رغيف السطح، أتفتت من تلقاء نفسي.
مدينٌة من الرُّخام/ إزميل من الورق
تركوا لك اإلزميل كي تنقش على الرخام اسمك وهذا اللون الرديء من سخام الباد، كي تلون حروفه،
هكذا ستكون لك شاهدة با قبر وقبرك في مكان ليس يعرفه أحد،
فـــلـــم نــقــشــت عــلــيــه قـــصـــائـــدك، وخــطــطــت بادا وتذاكر ووجوه نساء؟ لـــم شــــردت، ورأيــــت فــي شــــرودك أطـيـافـك مسافرة تجرجر حقائبها
وتــــقــــطــــف مـــــن أشـــــجـــــار الـــــعـــــالـــــم تــيــنــهــا وعنبها؟ لـــم نـقـشـت هـــذه الـثـمـار، وال عـشـب تحت لسانك سوى العوسج!
حسنا، هذه مدينة من الرخام وهذا إزميل من الورق انحت منها زنزانة تسع الدنيا التي في جوارحك اكـتـب على بابها نـشـيـدك الــذي أنشدته هناك ونعود إليك بعد ألف عام.