Al Araby Al Jadeed

زنزانة تسُع الدنيا

حسنًا، هذه مدينٌة من الرُّخام

- علي صالح بلداوي

قديما، باألمس أو قبل قليل

لكل مولود في هذه اللحظة نـــكـــتـ­ــة يـــضـــحـ­ــكـــه بــهــا املــــــا­ك الـــــذي هـــيـــأ سريره، لــكــل مـــولـــو­د حــجــارتـ­ـه الــتــي تـنـتـحـر في أظفره وثـــيـــا­بـــه املـــلـــ­طـــخـــة بــــالـــ­ـثــــارات وشـــتـــا­ئـــم الغرباء وبصمات العائلة.

لـكـل صـــارخ ألول مـــرة فــي الــوجــود هذه اللحظة دغــلــه الــذي يلوكه راضـيـا وعلى شفتيه ضحكة باهتة، له عسله املغشوش ونحلته املريضة، حروبه الغزيرة وسفره الشحيح وعزلته باكيا في السر با سبب.

هكذا قالوا قديما، باألمس أو قبل قليل:

‪ُِّ ُُ‬ سيولد في كل لحظة علي، وينهض آخر من مهده ليموت.

غبار

ُُ ال يباع هذا الغبار وال يشترى ال يحفظ في زجاجة وال يمحي بمكنسة من خوص.

هـــــذا الـــغـــب­ـــار مـــديـــن­ـــة تــطــفــو فــــي مـــجـــرة تنهبها األجرام العاتية هــــــذا الــــغـــ­ـبــــار الــــــطـ­ـــــواف حــــــول الـــهـــم­ـــســـة َِّ والصيحةواإ­لشارة درب تتعثر فيه حياة وينزلق فيه موت وتذوب فيه ظهيرة ومغرب وهذا الغبار املضيء، بيت وعلى عتبته غيمة مكسورة وفي غرفة داخله، صحو مقطع األعضاء وهذا أنا ال أمل لي في كتابة هذه القصيدة وحبري غبار.

نارك يا صاحبي

نا ُرك عالية ومــيــاه األرض قــطــرة عـــرق عـلـى جبينك الحار.

ََ ليس من َُ دخانوال من حريق ليس من شرر وال من رماد نــــــارك يـــا صــاحــبــ­ي تـــركـــض فـــي عـظـامـك نافشة شعرها

‪َُّّ ََ ُُ‬ نارك تضج في ضلوعك البالية نارك تتسلق رجفة شفاهك وتحترق في عيونك.

من أيـن لـك كـل هـذا الـولـه الـذي يحيا في شرودك بني املدن وينتفض في رقدتك تحت األشجار؟ مـن أيــن لــك كــل هــذه الرغبة فـي السيان على الوجود

والجري إلى حيث ما مدت يد للمجاهل البعيدة؟

أهـــذه نـــارك أم جـوقـة دراويـــش يحملون الفوانيس أهـــذا أنـــت الـــذي فــي ابـتـسـامـ­تـك تلويحة للفناء أهذه فيما بعد بقايا نارك املطفأة!

في صمت الثالثاء

تهشمت بقطرة ماء، وكنت الحجر الــذي يـــوزع صابته على الجيران. تناثرت با عاصفة، وكنت ما يصل إلى أصقاع الوحدة ويثير في عينيها شبهة البكاء.

كـــثـــيـ­ــرا مـــا أردنــــــ­ــاك عــــــودة الـــغـــا­ئـــب بعد ضياعه في الروايات وكثيرا ما تخيلنا صوتك يحرث صمت الثاثاء ويبذر فيه اجتماع األحبة ولكنك كنت هذا املفقود الكثير هذا الذي نملكه اسما فقط وليس من دليل على ذلك.

تهشمت وتناثرت وال بأس، إننا ضحاياك.

على النهر والشمس والريح

أعترف على النهر الذي ظل يجري

غير شاعر بتعثري فوقك يا رمال، عـلـى الـشـمـس ال تعرفني ولــيــس سمرة وجهي من نارها، عـــلـــى الــــريــ­ــح مـــشـــحـ­ــوذة بــــغــــ­ربــــة املـغـيـب وتجرح، وها أنا أبتلع املسافات، ال وجهة لي غير مرأى الجمال وبعض السراب وقطعان أشباح البساتني البعيدة.

أعترف أن كل ما ملكت من هذه األرض صار اآلن حفنة صحراء في نعالي.

باقٌة شكلها الموت

كلها اجتمعت في قبضة واحدة

ٍْ مـعـول ليس من هـــدام لــم يـتـرك بصماته عليه مــثــقــا­ب حـــفـــر فــي كــــل الــعــظــ­ام تـخـريـجـة لآلفات املجاورة

ٌَ وسلسلة من حديد أعدوه للقيامة لكن جاء وا به خلسة من جاديها، كلها اآلن فـوق هذا الجسد اليابس مثل رغيف على السطح الجسد الذي تتآمر عليه الديدان البشرية وتــــنـــ­ـهــــبـــ­ـه بـــــني غــــفــــ­لــــة وأخـــــــ­ـــرى غـــــربــ­ـــان الساطني وأفراخها.

كلهاّ اجتمعتِّ في قبضة واحدة باقة صغيرة شكلها املوت بيديه وأظنه اآلن يقدمها لي ولكنني ال أتفاجأ، وال أرتعد،

إنني رغيف السطح، أتفتت من تلقاء نفسي.

مدينٌة من الرُّخام/ إزميل من الورق

تركوا لك اإلزميل كي تنقش على الرخام اسمك وهذا اللون الرديء من سخام الباد، كي تلون حروفه،

هكذا ستكون لك شاهدة با قبر وقبرك في مكان ليس يعرفه أحد،

فـــلـــم نــقــشــت عــلــيــه قـــصـــائ­ـــدك، وخــطــطــ­ت بادا وتذاكر ووجوه نساء؟ لـــم شــــردت، ورأيــــت فــي شــــرودك أطـيـافـك مسافرة تجرجر حقائبها

وتــــقـــ­ـطــــف مـــــن أشـــــجــ­ـــار الـــــعــ­ـــالـــــ­م تــيــنــه­ــا وعنبها؟ لـــم نـقـشـت هـــذه الـثـمـار، وال عـشـب تحت لسانك سوى العوسج!

حسنا، هذه مدينة من الرخام وهذا إزميل من الورق انحت منها زنزانة تسع الدنيا التي في جوارحك اكـتـب على بابها نـشـيـدك الــذي أنشدته هناك ونعود إليك بعد ألف عام.

 ?? ?? أربعون أرجوحة سوداء بصفيح أحمر، تجهيز لـمنى حاطوم )2009(
أربعون أرجوحة سوداء بصفيح أحمر، تجهيز لـمنى حاطوم )2009(

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar