عن مهنة وأخالقياتها ورحيل أفراد
مـــســـألـــة يــطــرحــهــا رحـــيـــل املـــمـــثـــل املـــصـــري صاح السعدني 19( إبريل/نيسان .)2024 فعائلته تتمنى، عبر «نقابة املمثلن» في الــقــاهــرة، عـــدم تغطية الـصـحـافـة واإلعــــام املصرين جنازته ودفنه، والتعزية به. تريد العائلة احترامًا مطلقًا لخصوصية، تتيح ألهــل ومقربن ومقربات فقط مشاركة من دون أضــــواء عــدســات، غالبيتها الساحقة غـــيـــر مــهــنــيــة وغـــيـــر أخـــاقـــيـــة، أي إنــــهــــا ال تحترم فـردًا فيُ لحظٍة حميمة، وال تكترث بجماعة قليلة تظهر حزنًا وغضبًا وقهرًا، يولدها رحيل قريب أو قريبة. لحظات عربية سابقة تؤكد فلتانًا، صحافيًا وإعــامــيــًا، إزاء حـــاالت كــهــذه. الـتـعـدي على خـــصـــوصـــيـــة، فــــرديــــة وجـــمـــاعـــيـــة وإن تـكـن الــجــمــاعــة صــغــيــرة، رائـــــج، مـــن دون قــيــد أو تنبه إلى أولوية تلك الخصوصية، رغم أن األخيرة حاضرة في لقاء عام. األسوأ كامن خارج صحافة وإعام: هواتف ذكية تلتقط أي شيء وكل أحد، في أي لحظة وكل حالة،
ّّ ٍّ من دون احترام أو اكتراث، فالـ«تريند» أهم، ونــشــر صــــور وتـسـجـيـات بـصـريـة سمعية يــــتــــجــــاوز كــــــل مـــهـــنـــة وأخــــاقــــيــــاتــــهــــا، وكــــل حميمية ومـتـطـلـبـاتـهـا، إن يــــدرك أصـحـاب الـــهـــواتـــف الـــذكـــيـــة تــلــك أخـــاقـــيـــات تـصـويـر وتسجيل، وخصوصية حميمي وإن يظهر
دفاع عن توثيق لحظة وحالة ورفض لفلتان التوثيق
فـــي مـــكـــاٍن عــــام. هـــذا يــحــتــاج إلـــى مـــزيـــد من نقاٍش: هناك دفاع عن أهمية توثيق لحظاٍت كهذه، من دون التغاضي عن أصول وقواعد تـحـتـرم أفــــرادًا وحــــاالت. هــنــاك، فــي املـقـابـل،
ٌٍّ رفض لهذا كله، فالتوثيق قائم في التباس حاد بن أصول وتفلت، إذ إن إتاحة املشاركة للجميع عاجزة عن ضبط التوثيق، والتفلت قاتل ومـهـن. الـدفـاع يطرح ســؤال «أهمية» الــتــوثــيــق، مــع أن الـتـوثـيـق (كــــل تـوثـيـق من دون اسـتـثـنـاء) مـطـلـب، خـاصـة أن التوثيق العربي شبه غـائـب، وإن يحضر، فالبلبلة حاجز أمام املوثق، الذي يظهر بصورة ما، وإن بوضوح فني أقل من املطلوب. الرفض مـــصـــاب بـعـطـب أســـاســـي: إنــــه تـسـهـيـل ملنع وقمع، غير محصورين بحاالت كهذه. أي إن املوافقة على الرفض ربما تؤدي إلى إشاعة الـرفـض فـي جـوانـب عــدة مـن يوميات أفــراد وجماعات. فـقـرة فـي بيان «نقابة املمثلن» دلـيـل على إمكانية بلوغ الرفض منعًا وقمعًا ملسائل أخــرى. تقول الفقرة إن النقيب أشـرف زكي يعمل عـلـى «اتـــفـــاق» يـضـع أســســًا وقــواعــد «تــــحــــدد آلـــيـــات حـــضـــور مـــراســـم الـــدفـــن أو الــــجــــنــــازات»، بـــن الــنــقــابــة و«الــصــحــافــيــن واملراسلن، حتى ال تسيء القلة لهذه املهنة العظيمة». أيظن زكي أن «قلة» فقط تسيء إلـى املهنة «العظيمة»؟ أال تــزال املهنة، في مـصـر تــحــديــدًا، «عـظـيـمـة»؟ أيــكــون النقيب عاجزًا (أم أنه رافض؟) عن معاينة االنهيار الـــقـــاتـــل لـــصـــحـــافـــة وإعـــــــــام مـــصـــريـــن، فـي مسألة كهذه، وفي مسائل أخرى؟ اتـــخـــاذ مـــوقـــف صـــعـــب. انـــهـــيـــارات أخـاقـيـة عربية كثيرة مـؤذيـة، وانـعـدام أصــول مهن وأخاقياتها كفيل بتحطيم قيم وثقافات وأنماط عيش. أما التزام أخاقيات مهن فا عاقة له البتة بمنع وقمع وانغاق. الكتابة فـي مسألة كهذه مرتبكة. نقاشها يحتاج إلى مزيد من تفكير ومعاينة. لكن السابق، املـــتـــكـــرر مــــــرارًا، يــســاهــم فـــي اتـــخـــاذ جـانـب رفض الفلتان، وضبط املوافقة.