Al Araby Al Jadeed

الُمنعرج االنتخابي في األردن

- محمد أبو رمان

ثـمـة رسـائـل استراتيجية عـديـدة أراد املـلـك عبد الـلـه الثاني توجيهها إلــى الـداخـل والخارج، بزيارته الهيئة املستقلة لانتخاب (في األسبوع املاضي)، وبإعطائه الضوء األخضر إلجراء االنتخابات النيابية هذا العام، وهو ما قررته الهيئة الحقًا؛ أن تكون االنتخابات في شهر أيلول/سبتمبر املقبل، مما ينهي جدال طويا، ورهانات متعددة في األوساط السياسية األردنية، بشأن ما إذا كانت الحرب على غزة ستؤدي إلى تأجيل العملية االنتخابية املقبلة أم أن األخيرة ستجرى في موعدها، كما هو مقرر. أيــا كـان ما يحدث في خــارج األردن لن يؤثر على االستقرار السياسي، وال على الخيارات االستراتيج­ية، ولن يكون له انعكاس كبير على املشهد السياسي الداخلي األردني، وهو الشق الثاني من الرسالة، فاملخاوف أو التحذيرات من أن االنتخابات ستكون فرصة لتعزيز حضور اإلسامين املعارضن أو جماعة اإلخوان املسلمن؛ األم، التي بسبب تأييدها وعاقتها بـ«حماس» وقاعدتها االجتماعية، ستعمل على استثمار الحالة الشعورية لدى الشارع األردني، وتوظفه في االنتخابات املقبلة. تلك الرسالة املقصودة ال تنفي أن هنالك تحديًا كبيرًا، قـد يكون أكبر مـن التحديات السابقة املذكورة، ويتمثل في مصير مشروع التحديث السياسي، وتجذير التجربة الحزبية في األردن، فاالنتخابا­ت املقبلة ستضع على املحك كل األحزاب السياسية، ورهانات الدولة (على إمكانيات تجديد النظام وإصاحه من الداخل، وفي تصعيد ديناميكيات جــديــدة فــي الـحـيـاة السياسية، فــي سـبـاق مــع الــزمــن املــحــدو­د املتاح لأحزاب السياسية، خاصة تلك الجديدة التي ال تمتلك الخبرة السياسية والحزبية الكافية، مقارنة باإلسامين، وال الوقت الكافي لعملية البناء املؤسسي). في األثناء، تقوم األحزاب السياسية الجديدة، خصوصًا املفترض أن تتمكن من تقديم بدائل سياسية إلى الرأي العام، بالعمل املكثف لبناء القواعد الحزبية واالجتماعي­ة، وما تزال تحيط حالة من الغموض في تحديد حجمها االنتخابي والسياسي، ومدى قدرتها بالفعل، ليس على تجاوز العتبة االنتخابية (في القائمة الوطنية) فقط، بل أيضًا، في الحضور والظهور وإقناع الشارع فعا أنها ليست مجرد دمية أو لعبة بيد املؤسسات الرسمية، وأنها قادرة على تقديم خطاب محترف، والقيام بحمات انتخابية جذابة، وهو التحدي األكبر في ضوء العمر الصغير جدًا، الذي ولدت فيه األحـــزاب السياسية الـجـديـدة. فـي الحقيقة، املخاطر املترتبة على سيناريو عجز األحزاب الجديدة عن إقناع املواطنن أنها تمثل مسارًا سياسيًا استراتيجيًا معتبرًا، في املرحلة املقبلة، هي مخاطر كبيرة ومقلقة، ألن رأس املال السياسي الكبير، الذي وضع على مشروع التحديث السياسي خال األعوام املاضية، كبير وباهظ، فضا عن أنه قد ربط بمئوية الدولة الجديدة، وشرعية العملية السياسية في املستقبل، ما يعني أن على األحــزاب وعلى مؤسسات الدولة العمل بحيادية وجدية كبيرة على إنجاح االنتخابات، على أكثر من صعيد. األول، واألكـثـر أهمية هو النزاهة وعدم التدخل. والثاني، هو ترك األحزاب تعمل على خوض االنتخابات بقدراتها وأدواتها، كي ال يسجل موقف الدولة لحزب على آخر، ولعل هذه النقطة كانت من أبرز النقاط التي تنبه إليها امللك مبكرًا في أوراقــه النقاشية، عندما أكـد على شرط «حيادية» الدولة ومؤسساتها ضمانة لنجاح عملية االنتقال الديمقراطي. في األيام املاضية، صدر كتاب مهم وجدير بالقراءة، يمثل الرواية األولى الصادرة عن مؤسسات الدولة (صـدر عن صندوق امللك عبد الله الثاني للتنمية)، بعنوان: «االنتقال الكبير»، متحدثًا عن الــ 25 عامًا التي حكم فيها امللك عبد الله األردن (بمناسبة اليوبيل الفضي)، وكــان الفتًا أنها مرحلة عجنت بالتحديات األمنية الكبرى داخليًا وخارجيًا. واليوم، يمثل مشروع التحديث السياسي، والتحول نحو األحــزاب، الفرصة الذهبية لتدشن املرحلة السياسية املقبلة، وستكون انتخابات سبتمبر محطة حرجة جدًا في تكريس انطباعات وأفكار حولها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar