Al Araby Al Jadeed

صراع الضحايا

- سالم الكواكبي (كاتب سوري في باريس)

تـــذخـــر املـــنـــ­طـــقـــة الـــعـــر­بـــيـــة بـــالـــص­ـــراعـــا­ت الداخلية واالعتداءا­ت الخارجية. وتقبع أجزاء منها تحت نير احتاالت مباشرة؛ وحشية الطابع أو غير مباشرة؛ خبيثة املـــــطـ­ــــامــــ­ـع. ويـــســـت­ـــمـــتــ­ـع بـــعـــضـ­ــهـــا بــفــتــح جبهات بينية مع جاراتها لتعزيز حكم مــســتــب­ــديــهــا الــــذيــ­ــن يــبــحــث­ــون عــــن عــــدو تقليدي، ليس من الضروري أن يكون من خـــارج املنطقة، بـل مـن األجــــدى، واألكـثـر عبثية ودموية، أن يكون بلدًا عربيا جارًا، وصــاحــب الـثـقـافـ­ة والــتــار­يــخ نفسيهما، فـــتـــصـ­ــبـــح الـــــفــ­ـــرصـــــ­ة مــــــهــ­ــــيـــــ­ـأة لـــــحـــ­ــروب

ٍّ حـــدوديــ­ـة تـسـيـطـر عـلـيـهـا إرادة الــحــكــ­ام الـــذيـــ­ن يــســتــب­ــدون بــشــعــو­بــهــم. ومــــن ثـــم، هم يكرهون هذه الشعوب إال إن أصغت وأطاعت الحاكم بأمره. وحتى في حالتي الــطــاعـ­ـة وعــــدم الــعــصــ­يــان، فـالـحـب الـــذي يواجه الكراهية غير محمود أصا، فمن األفــضــل أال يشعر الـحـاكـم بـــأي عاطفة، وهــــو مـــا يـجـهـلـه حــتــمــا إال تـــجـــاه نـمـور حــدائــقـ­ـه، بــل مــن األفــضــل أن يقبل طاعة املحكوم بحذر. فا أمــان ملحكوم بالقوة والقهر واإلفــقــ­ار واإلذالل إال عند موته. وحتى بعد موته هــذا، يمكن لـذكـراه، إن لم تدنس كثيرًا في أثناء حياته في طاعة الـــحـــا­كـــم والـــخـــ­ضـــوع إلـــيـــه، أن تنتصب

ًّ خـيـاال مرعبا فـي وجــه الـخـوف املترسخ فـي ذرات وعــي وال وعــي كــل مـن يستبد. وذلـــك، على الــرغــم مــن كــل مظاهر الـقـوة والجبروت التي تطغى على تصرفاته. وفي حني يقف العالم على حافة الجوع واملوت والعطش والتلوث والدمار، وشح الطاقة وزوال البدائل وانتشار األوبئة، يجد بعض منا أن من املفيد التوقف عند لون أو شكل قمصان فرق الكرة ليسجل مـــوقـــف­ـــا عـــدائـــ­يـــا تـــجـــاه الــشــقــ­يــق الـبـعـيـد القريب. وفي املقابل، يجد أصحاب الفريق اآلخر أنه من املجدي تحدي موقف الجار الشقيق قماشيا، والـــذي يجب أن يكون عــدوًا، في املخيال وفـي األداء، إلـى األبـد، بمشيئة الحاكم التي غالبا مـا تناقض مـــشـــيـ­ــئـــة املــــحــ­ــكــــوم بــــــأمـ­ـــــره. ويــــتـــ­ـصــــارع الـــطـــر­فـــان إعـــامـــ­يـــا لــيــســج­ــل كــــل منهما موقفه الوطني من األزمة الفادحة. وعلى الـــهـــا­مـــش اإلعــــام­ــــي، سـتـنـهـمـ­ر الــبــرام­ــج الحوارية والتصريحات النارية املتشبثة بشكل ولون قميص من قماش، في حني أن مـايـني األفــــرا­د مــن شعوبهم املــفــقـ­ـرة واملسروقة ثرواتها الباطنية والعقلية، ال تجد قطعة من قماش تستر بها عوراتها الفيزيائية، وعـورات حكامها األخاقية. ويـنـتـقـل الـــصـــر­اع إلـــى الــشــتــ­ات املـهـيـمـ­ن عــلــيــه حــتــمــا مــــن بـــــاد املـــنـــ­شـــأ، لـتـلـتـحـ­م األجـــســ­ـاد بـعـنـف، وتــتــضــ­ارب دفــاعــا عن قماشة الفريق الوطني. وعندما تسخر منهم الحيوانات األليفة وسواها، تراهم يـبـررون صراعهم البشري الخاوي بأنه مــــوقـــ­ـف مـــبـــدئ­ـــي ال يـــجـــوز فــــي حـــــال مـن األحوال حصره بقطعة قماش، وأن الذود عـنـه هــو مــن أســـس االنــتــم­ــاء إلـــى الـوطـن األم، واالعتزاز بحاكمها. مــن جـهـة أخـــرى، سيختلف بـعـض مـنـا، أفــــرادًا وجــمــاعـ­ـات، عـلـى جـنـس املـائـكـة، خافا يصل إلى حد املواجهة، والتكفير، والــــتــ­ــخــــويـ­ـــن، واالســـــ­تـــــهـــ­ــزاء، خــصــوصــ­ا وغالبا، على أراض غريبة نظريا، أصبح جزء منا الجئني إليها بأمر الطغاة في البلد األم أو لحاجة اقـتـصـادي­ـة مـاسـة، أســــهـــ­ـم الــــطـــ­ـغــــاة فـــــي تـــهـــيـ­ــئـــة شـــروطـــ­هـــا الــذاتــي­ــة واملــوضــ­وعــيــة أو انـتـمـى بعض مــنــا إلـيـهـا اخــتــيــ­ارًا فــي ريــعــان الـشـبـاب أو بعد طغيان الكهولة. ومن األجدى أن نتبارى بدرجات معاناة كل منا لنلعب دور الــضــحــ­يــة األكـــثــ­ـر مــشــروعـ­ـيــة. ومــن املـرحـب به أن نستعرض كلمات اإليـذاء إيحاء أو مباشرة بحق من اختلف معنا فــي الــــرأي وفـــي املـــوقــ­ـف. وقـــد يـصـل بنا ابــتــعــ­ادنــا عـــن صــلــب الـــوجـــ­ع، وتـسـلـيـن­ـا بهوامشه، أن ننخرط، وهذا إيجابي في املـطـلـق، فــي الـحـيـاة الـسـيـاسـ­يـة املحلية حيث نقيم، جعجعة وصراخا دونـا عن االنخراط املطلوب فعا ونشاطا. فأغلب الــاجــئـ­ـني واملــهــا­جــريــن غــربــا، يعيشون فـــي دول وفــــــرت لــهــم الـــحـــد األدنـــــ­ـى مـن حرية التعبير. فـــــــي الــــتـــ­ـحــــضـــ­ـيــــر الـــــفــ­ـــرنـــــ­ســـــي الــــحـــ­ـالــــي النــتــخـ­ـابــات الــبــرمل­ــان األوروبـــ­ـــي، املــزمــع عـــقـــده­ـــا فـــــي يــــونـــ­ـيــــو/حــــزيـــ­ـران املـــقـــ­بـــل، ومــــــع اســــتـــ­ـمــــرار الـــــحــ­ـــرب اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــة عـلـى غــــزة، يـتـبـنـى أحـــد أطــــراف الـيـسـار الـــفـــر­نـــســـي، وهــــو حــــزب فـــرنـــس­ـــا األبـــيــ­ـة، القضية الفلسطينية بثقله كـلـه، حتى وصــــل بــــه األمـــــر إلــــى اخـــتـــي­ـــار مـــرشـــح­ـــة فلسطينية األصــــل. وبــعــيــ­دًا عــن الحكم على النيات، التي ليس جديدًا وال غريبا وال مستهجنا أن تكون انتخابية، فهي عملية سياسية في األســاس. وقد وجد هذا اليسار أنها تستحق التبني، مبدئيا ومــصــلــ­حــيــا، كــــي يــتــمــا­يــز أخـــاقـــ­يـــا عـن اآلخــريــ­ن الـخـاضـعـ­ني لـرغـبـات املـعـتـدي. وفــي ظــل هــذا املـنـاخ االستقطابي حتى الــتــطــ­رف، نـجـد بـعـض الــســوري­ــني، ممن ينتقدون هذا الحزب على موقفه املخجل فعا أو على «ال موقفه» مما جرى خال السنوات املاضية من حرب على الشعب الــــســـ­ـوري، يـسـتـهـجـ­نـون تــمــامــ­ا تـمـسـكـه الــيــوم بالقضية الفلسطينية، معيبني عليه صمته السابق عن قضيتهم. فهل عاد بافلوف من موته ليحكم عقولنا؟

يستهجن سوريون تمسك حزب فرنسا األبية اليوم بالقضية الفلسطينية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar