Al Araby Al Jadeed

رسالة إلى أبو مازن

- صالح الدين الجورشي

سيدي الرئيس. أنا صحافي تونسي، سبق أن زرتكم في مكتبكم في تونس، وكانت جلسة مفيدة لـي، رغـم تحفظكم العتبارات أتفهمها، خاصة في ظل حكم الرئيس زين العابدين بن علي. اسمحوا لي، سيدي الرئيس، أن أتحدث عن الشأن الفلسطيني، وأتمنى أال يعتبر هذا تدخال في شؤونكم، فأنتم تعلمون أن قضيتنا هي قضيتكم، وقضية كـل العرب واملسلمني. لكني سألزم نفسي عـدم تجاوز ما تعتبرونه عادة «خطوطًا حمراء». أنتم تختلفون عن الزعيم ياسر عرفات في املنهج، وفي العديد من املسائل االستراتيج­ية، في مقدمتها، رفضكم الواضح ما تسمونه «اللجوء إلى العنف» ضــد إسـرائـيـل. وتعتقدون أن اخـتـالل مـوازيـن الـقـوى يجعل الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني بطريق الكفاح املسلح غير ممكن. وترون أن من شأن عدم االلتزام بالنضال السلمي أن يعطي نتائج عكسية. أما أبو عمار، فقد عرف بتحقيق التوازن بني البندقية وغصن الزيتون. لهذا، حافظ على بقاء حركة فتح تنظيمًا مزدوجًا، بقسميها السياسي والعسكري، وهي القاعدة التي اعتمدتها كل الفصائل، التي شكلت منظمة التحرير الفلسطينية، بما فيها حركتا حماس والجهاد اإلسالمي، بعد اقتناعهما بهذا الهيكل الوطني املوحد. تعيش الساحة الفلسطينية انقسامًا حادًا وخطيرًا. من جهة، توحدت كل الفصائل املتمسكة بالكفاح املسلح حول املقاومة، في حني تقف السلطة في الجهة املقابلة. ويكتسب هذا االنقسام خطورة عالية ألنه يحتد في لحظة مفصلية تمر فيها القضية. تكمن املشكلة في أن الرهان على «أوسلو» سقط وتبخر نهائيًا. واملتسبب في ذلك هو الحكومات اإلسرائيلي­ة املتعاقبة التي اعتمدت التسويف واملناورة، كما لجأت أيضًا إلى استعمال القوة الغاشمة. ومع التحالف الحكومي الراهن، تجلت نية تصفية القضية من خالل توسيع دائرة املستوطنات داخل الضفة والقدس. إلى جانب استمرار تهميش السلطة وإذاللها أمام شعبها والعالم. كما أعلنت إسرائيل بوضوح رفضها فكرة الدولة الفلسطينية، ونية الحكومة إقامة حكم عسكري في غزة، بعد القضاء على املقاومة. في مثل هذا املنعطف التاريخي، ال تجوز العودة إلى الوراء. قد تختلف اآلراء بشأن 7 أكتوبر ،)2023( كما حصل مع عمليات سابقة لحركة فتح وباقي الفصائل، لكن في املقابل، ال يجوز التقليل من التحوالت االستراتيج­ية التي ترتبت عن هذه العملية النوعية. وهو ما اعترف به كبار املحللني، بمن فيهم يهود من خارج إسرائيل ومن داخلها. إذ ألول مرة يواجه هذا املغتصب حربًا مكلفة وطويلة. صحيح أن ضحاياها أكثر من مائة ألف مدني بني شهيد وجريح، حتى اللحظة، لكن الهزة الكبرى التي حدثت داخـل املجتمع اإلسرائيلي، وبالخصوص في أوســاط اليهود الحقيقيني، لم تحصل من قبل. هـؤالء اليهود تـبـّرأوا من الصهيونية، واعتبروا مقاومتها ليست معاداة للسامية. وتأتي انتفاضة الطالب في أكثر الجامعات األميركية أهمية دعمًا للقضية الفلسطينية دليال على هزيمة الصهيونية في املوقع الرئيس لقوتها. وهو ما يفسر غضب بنيامني نتنياهو، وخوفه من تداعيات هذه االنتفاضة الشبابية. لو كان عرفات على قيد الحياة، لتعامل مع هذا الواقع بطريقة مختلفة؛ يملك هو زمام املبادرة، ويتولى قيادة املعركة، حتى لو لم يكن هو املبادر إليها. الرئيس هو املسؤول عــن شعبه ووطـنـه وقضيته. وقـــدرة الزعماء تكمن فـي تحويل الهزيمة إلـى نصر، فما بالك عندما يكون الـعـدو في وضعية املـهـزوم. يقتضي الـواجـب الوطني العمل على تضييق الخناق عليه، وعلى مزيد من عزله داخليًا ودوليًا، مثل ما يفعله حاليًا بعض السفراء الفلسطينين­ي، بكل جرأة وشجاعة؛ لم يتورطوا في إدانـة «حماس»، وإنما ركزوا على الجانب املظلم في سياسات العدو، وممارساته البشعة. على القيادة الفلسطينية التصدي بكل حزم ووضوح للخطوة املقبلة للعدو، املتمثلة في الهجوم على رفح. يتمنى الصهاينة سكوتكم في أثناء قصفهم الهمجي األنفاق، وسيكونون أسعد لو باركتم قتل املجاهدين من أبناء شعبكم، تحت أي ذريعة إن وجــدوا إلى ذلك سبيال. يراد منكم أن تكونوا مقاولني ال بناة دولة. املقبل سيكون األفظع، لكن ما وراءه سيكون مشهدًا مختلفًا. فال تضيعوا هذه الفرصة، واجعلوها في كتاب حسناتكم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar