في الحديث عن االعتراف بدولة فلسطين
يــــكــــثــــر الــــــحــــــديــــــث عـــــــن اعــــــــتــــــــراف دول أوروبـــــــيـــــــة بـــــدولـــــة فـــلـــســـطـــيـــنـــيـــة، مــنــهــا إس ب ا ن ي ا و فــ ر ن ـسـا وبلجيكا والبرتغال وجـامـايـكـا، إضــافــة إلـــى أسـتـرالـيـا. وقـد عـــززت حـــرب غـــزة مــســارات هـــذا اإلعـــان فـــــي رؤيــــــــة جـــيـــوســـيـــاســـيـــة وقـــانـــونـــيـــة وإنـــســـانـــيـــة، مـــن قــلــب مـــحـــور الـعـمـلـيـات الحربية املستمرة في القطاع. مع ذلك، يمكن أن يــؤدي مثل هــذا االعــتــراف إلى لـحـظـة ديـنـامـيـكـيـة سـيـاسـيـة فــي سياق زخـــــم دبـــلـــومـــاســـي جـــديـــد فــــي الـــصـــراع اإلسرائيلي الفلسطيني، ربطًا مع أولئك الذين يتشاركون موضوع إنهاء الحرب ومشروع السام والديمقراطية واألمـن في العالم. جاء ت اإلشــارات هذه املـرة من واشنطن ولندن، عبر تصريحات جدية ملسؤولني في البلدين، لوحت باالعتراف مع منح إسرائيل ضمانات أمنية، لكنها ربطت االعـــــتـــــراف «بـــالـــقـــضـــاء عـــلـــى (حــــمــــاس) وإطــــاق الــرهــائــن اإلســرائــيــلــيــني». أدى مــــا حـــــدث فــــي غـــــــزة إلـــــى صــــدمــــة داخــــل الـــنـــخـــب الـــغـــربـــيـــة، وهــــنــــاك مــقــتــرحــات ودراســـات وصياغات في مراكز أبحاث فـــــي مـــــوضـــــوع الــــــدولــــــة الــفــلــســطــيــنــيــة، ســبــقــت مـــســـألـــة الـــتـــأكـــد مــــن مــصــداقــيــة الـــتـــصـــريـــحـــات واإلشــــــــــارات وتــوقــيــتــهــا قــبــل نــهــايــة الــــحــــرب، وعــــن حــقــيــقــة تـلـك الـــدولـــة، الــتــي يــــراد إعــانــهــا، وشـكـلـهـا، بــعــداملــهــمــةاملستحيلةفــيتفعيلحــل الـدولـتـني على مــدى ثـاثـني عـامـًا (ليس هــنــاك أي حــديــث عــن الـــقـــدس، وال كيف يـمـكـن الــتــعــامــل مــع 900 ألـــف مستوطن يـــهـــودي فـــي الــضــفــة الــغــربــيــة والـــقـــدس، وردم الـــهـــوة بـــني قـــطـــاع غـــــزة والــضــفــة الــــغــــربــــيــــة؟ ومــــــا هـــــي مــــواصــــفــــات قـــيـــام حكومة التوافق الوطني، وكيف ستكون الـسـلـطـة مـسـيـطـرة فــي غــــزة وتــديــر دفــة األمور فيها؟). الــدعــوات لــم تــأت عقب هجوم 7 أكتوبر
ِِ ،)2023( بــل اعــتــمــد قــــرار إسـبـانـي بهذا الــــشــــأن فــــي نـــوفـــمـــبـــر/ تـــشـــريـــن الــثــانــي ،2014 لــكــنــه لـــم يـــتـــابـــع ســيــاســيــًا لــعــدم وجـــود تــوافــق أوروبــــي بـشـأنـه، وتطمح إسـبـانـيـا (بــعــد الــســويــد) فــي أن تصبح العبًا مهمًا في حشد اإلتحاد األوروبـي لقضية فلسطني، في مقترح يعالج خطة لـلـسـام عـلـى نـحـو أكــثــر جـــرأة وتــطــورًا، يستجيب ملــا يــريــده الفلسطينيون، في وقــــت ســتــمــنــح إســـرائـــيـــل فــيــه مـــا يشبه «غفرانًا» بعد كل املجازر التي ارتكبتها )!( ويراد من الخطة تقديم أفق سياسي للفلسطينيني يحمل في أثنائه احتمال قيام دولتهم، رغم صعوبة تحقيق ذلك بعد ما جرى كله. إال أن هذه الخطوة من شـأنـهـا، وفــق الــطــرف الـعـربـي «أن تفتح مستقبا جديدًا يسمح باستعادة القرار الفلسطيني، ويسمح بتطويق إيران من تحالف دول، متحدة في تصميمها على منعها مــن إحــــداث الــفــوضــى اإلقليمية مــــن خـــــال املــلــيــشــيــات واألنـــظـــمـــة الــتــي تـسـيـطـر عــلــيــهــا»، لــكــن الـــطـــرف الـعـربـي هو األضعف تجاه املشاريع اإلقليمية، وإزاء املـــشـــروع اإلســرائــيــلــي الــتــوسـعـي واالســتــيــطــانــي، مــدعــومــًا بــرؤيــة بـايـدن تـــرامـــب فـــي آن، بـدعـمـهـمـا إســرائــيــل في الــــوســــط الــــعــــربــــي، فــــي مـــقـــابـــل الـــطـــرف اإليراني التوسعي /الطائفي، والطرف الــتــركــي الـــذي يــتــحــرك ببراغماتية على حساب األمــن القومي العربي. وبالنظر إلــى عــدم اليقني داخـــل املجتمع الـدولـي بــشــأن وجـــود دولـــة فلسطينية أو عــدم وجــــودهــــا، فـــــإن تـــصـــريـــحـــات االعـــتـــراف حــــتــــى اآلن مـــــا تــــــــزال غــــامــــضــــة، ســيــمــا األمـيـركـيـة منها، وهــي تــحــاول الضغط عــلــى نـتـنـيـاهـو مـــن طــريــق الــحــديــث عن االعــــــتــــــراف، والـــبـــريـــطـــانـــيـــة عـــلـــى لــســان ديفيد كــامــيــرون الــتــي تشترط االنتهاء مــــن «حـــــمـــــاس»، واألملــــانــــيــــة حــــني تــربــط املسألة بالتوصل الى معاهدة سام مع إسرائيل 30( عامًا من عدم قدرة األخيرة على تأمني األمان ملواطنيها). ولـــــن تـــخـــرج الـــقـــمـــة الـــعـــربـــيـــة املـــرتـــقـــبـــة فــــي املـــنـــامـــة عــــن هـــــذه الــــخــــطــــوط، الــتــي خرجت بها قمة الرياض العام املاضي، فــاملــعــادلــة الـجـيـوسـيـاسـيـة، والــعــاقــات بـــني دول املــنــطــقــة، لـــم تــتــغــيــرا مـــن جهة
أنالـــجـــمـــيـــععــــلــــىيــــقــــني«أنالــــدولــــة العبرية ليست هي التي يمكن االعتماد عــلــيــهــا فــــي تــحــقــيــق الــــســــام، وتــثــبــيــت أمــــن املــنــطــقــة، مـــن دون اســـتـــبـــدال زعــيــم جاهز وقادر على تسجيل هذه اللحظة ببنيامني نـتـنـيـاهـو». الــرهــان عـلـى هـذا األمــــــل لــــم يـــســـتـــقـــر بـــعـــد مــــع الــــ«فـــيـــتـــو» األميركي في مجلس األمن ضد عضوية فــلــســطــني الـــكـــامـــلـــة فــــي األمــــــم املـــتـــحـــدة، مــايعنيتــبــخــرالــوعــودللفلسطينيني والعرب بشأن حل الدولتني. املشكلة في السقوط األخاقي إلدارة أميركية مليئة بالتناقضات، تتحدث عن الديمقراطية وحقوق اإلنسان ونشر السام، وتوهم العالم بخافات مع الجانب اإلسرائيلي، وهــي في تعاون معها ودعــم لها بواقع
مـــــعـــــززبــــالــــســــاح(62مـــلـــيـــاردوالر)، اســـتـــمـــرارًا لــلــنــهــج الـــــذي لـــم يــبــتــعــد عـن صفقة القرن (ترامب – نتنياهو)، والذي
يــتــضــمــناالعــــتــــرافبـــدولـــةفلسطينية بــا ســيــادة، تمزقها املستوطنات، ومن دون حدود، وال تشمل القدس الشرقية، مـــــع تـــــكـــــرار الــــحــــاجــــة إلـــــــى مــــفــــاوضــــات مباشرة (استنفدت مسارها منذ نهاية حـــرب األيـــام الـسـتـة، واتـفـاقـيـات أوسـلـو في .)1993 كـــان شــعــار الـــدولـــة الفلسطينية عـامـا مــشــتــركــًا لــــــدول مــــحــــوريــــة، ولــبــاحــثــني، ومــــؤرخــــني، لــســنــوات أعــقــبــت االحـــتـــال اإلســرائــيــلــي لفلسطني فــي الــعــام ،1948 وعــــجــــز الـــــقـــــادة الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــيـــون، بـــــدءًا مــن يــاســر عـــرفـــات، عــن تـقـيـيـم املـخـاطـر، واالســتــفــادة مــن املــســاعــدات السياسية واملـــالـــيـــة والــدبــلــومــاســيــة، ذات الـحـجـم الكبير؛ ذلك أن الديناميات الفصائلية، والــــــغــــــمــــــوض املـــــــالـــــــي واالقـــــــتـــــــصـــــــادي، واالفــــتــــقــــار إلـــــى الـــديـــمـــقـــراطـــيـــة، عـــوامـــل غـــيـــر مــــســــاعــــدة فــــي مــــوضــــوع الــــوحــــدة الوطنية، وإعــادة بناء منظمة التحرير عـلـى أســـس وحــلــول واقــعــيــة، ومـــن دون أيديولوجيات. مع ذلك اكتسبت الجهود الدبلوماسية زخـــــمـــــًا مــــــع الــــتــــصــــريــــحــــات الــــروســــيــــة والصينية، وبعد سلسلة من اعترافات مــن أمــيــركــا الـجـنـوبـيـة فــي الــعــام ،2011 أعــقــبــت إعــــان االســـتـــقـــال الـفـلـسـطـيـنـي
فـــــي 51نـــوفـــمـــبـــر 8891فـــــيالــــجــــزائــــر، وتـــصـــديـــق أزيـــــد مـــن 83 دولــــــة، قـــبـــل أن تــصــبــح فــلــســطــني عـــضـــوًا فـــي عـــديـــد من وكاالت األمم املتحدة في ،1989 واتخذت إســـرائـــيـــل إجــــــــراءات ملـــواجـــهـــة املــــبــــادرة مــع مــجــيء بـنـيـامـني نـتـنـيـاهـو، مـنـذ 16 عـــامـــًا، بـالـتـعـسـف والــقــتــل واالعـــتـــقـــاالت والـــــتـــــهـــــجـــــيـــــر املــــــــتــــــــواصــــــــل، والــــتــــنــــمــــر واالســـتـــخـــفـــاف والـــغـــطـــرســـة، وتـضـيـيـق الــــخــــنــــاق عـــلـــى املـــجـــتـــمـــع الــفــلــســطــيــنــي الـــذي مــل االنــتــظــار. هــذا فــي وقــت بــرزت إشــــارات مــن الــــدول عــن عـــدم الــرضــا عن بـــطء عملية الــســام، وفـــي إنــكــار وجــود دولــــة فلسطينية قــائــمــة بــاألمــر الــواقــع منذ اتفاقية لوزان (أكـدت وجود الدولة الفلسطينية/العربية،بعدانفصالها عــــن الـــســـلـــطـــنـــة الـــعـــثـــمـــانـــيـــة)، واعــــتــــرف الـــقـــانـــون الـــدولـــي بــهــا مـــن خــــال الـــقـــرار ،181 وكــان شـرط انضمام إسرائيل إلى الجمعية العامة لألمم املتحدة قبولها الـهـدنـة، والـتـزامـهـا جميع بـنـود الــقــرار، بما فيه االعتراف بالدولة الفلسطينية. هــــذا الـــشـــرط ال يـــــزال قــائــمــًا ومــحــفــوظــًا بـــعـــنـــاصـــر الــــشــــعــــب الــــــدائــــــم واإلقــــــامــــــة، واإلقـلـيـم/ الـحـدود (خـرائـط تفصيلية)، وقـــانـــون الــجــنــســيــة ( )1925 -1922 ليس قــانــونــًا مــؤقــتــًا، والـــدســـتـــور الــــذي صــدر فـــي الـــعـــام ،1925 ونـــظـــم نــظــريــًا الــحــكــم بــني الــدولــتــني (قـــام املــفــوض البريطاني بتثبيتنصوصه).الطلبالفلسطيني عــــام 2011 بـــاالنـــضـــمـــام إلــــى الــجــمــعــيــة الــــعــــامــــة اســــتــــنــــد إلــــــى هــــــذه املـــعـــطـــيـــات الــقــانــونــيــة وإلـــــى حــيــثــيــات حــــق تـقـريـر املصير (قواعد آمرة غير تعاقدية وغير قابلة للتصرف). الفلسطينيون صنعوا تاريخ شعب ال يزال ينتظر دولته نظريًا (مـنـذ الــعــام ،)1923 وعمليًا (مـنـذ 1947 ،)1949- رغــم إصـــرار إسـرائـيـل أن تكون دولـــــة لـــ«الــشــعــب الـــيـــهـــودي»، وسـعـيـهـا لتهويد مدينة القدس. مــــــا عــــــــاد مـــمـــكـــنـــًا تــــبــــريــــر الــــســــيــــاســــات الـــصـــهـــيـــونـــيـــة بـــحـــجـــة حـــمـــايـــة األقـــلـــيـــة اليهودية في الشرق األوسط، في حني أن املطلوب تحرير فلسطني وإعادتها إلى حالة التنوع الديني وحرية اإلقامة التي كانت فيها منذ أقدم العصور. األرضية تـــتـــغـــيـــر؛ شـــعـــب فــلــســطــيــنــي أســــطــــوري، يــــقــــاوم مـــــحـــــاوالت ســـحـــقـــه عـــلـــى مــــرأى الـــعـــالـــم، فـتـنـتـفـض الــجــامــعــات الـغـربـيـة لـنـصـرتـه، فــي هــبــة طــابــيــة لــم يشهدها الـعـالـم مـنـذ حـــرب فـيـتـنـام، وبـتـأثـيـر في التصورات العامة والضغط على صناع القرار األميركيني والغربيني، في عوملة «غضب» على جرائم إسرائيل املحتدمة ضد الفلسطينيني.
المشكلة في السقوط األخالقي إلدارة أميركية مليئة بالتناقضات، تتحدث عن ديمقراطية وحقوق إنسان، وتوهم العالم بخالفات مع إسرائيل، في حين أنها تدعمها بالسالح