Al Araby Al Jadeed

آالف المتضررين نفسيًا من أزمات ليبيا

- طرابلس ـ أسامة علي

يـــتـــرد­د الــلــيــ­بــي عــبــد الــحــكــ­يــم حـــامـــد على مــصــحــة لــــأمـــ­ـراض الــنــفــ­ســيــة بـالـعـاصـ­مـة طرابلس لعالج طفليه من آثـار الصدمات التي تعرضا لها خالل مواجهات مسلحة شهدها حي الفرناج الــذي تسكنه األســـرة، فعلى الرغم من االنتقال إلى منزل جديد في محاولة لتوفير أجواء تساعدهما على نسيان ما تعرضا له، إال أن الطفلني ال يــزاالن يعانيان من نوبات نفسية متكررة. يقول حــامــد لـــ «الــعــربـ­ـي الـجـديـد» إن املـواجـهـ­ات املسلحة اندلعت في الحي خالل شهر أغسطس/ آب املاضي بــشــكــل مـــفـــاج­ـــئ، واســـتـــ­مـــرت لـــســـاع­ـــات عــــــدة، عـجـز فيها عــن الــفــرار بـأسـرتـه، مضيفًا: «وفـــرت لنا فرق اإلســـعــ­ـاف مــمــرًا لـــلـــخـ­ــروج، لــكــن بــعــد فــــوات األوان، فــالــطــ­فــالن كـــانـــا قـــد تــعــرضــ­ا ألزمـــــة نـفـسـيـة حــــادة، ويظهر عليهما الرعب الشديد، ويعانيان من نوبات بكاء مستمرة، مــا دعــانــي لعرضهما على طبيب». يتابع: «تعاني ابنتي هويدا (ثماني ســنــوات) من اكـتـئـاب حـــاد مـنـذ الــواقــع­ــة، ورغـــم مـــرور أشــهــر، إال أنــهــا تــرفــض مــغــادرة غـرفـتـهـا، أمـــا شقيقها أسعد (عشر سنوات) فحاله أفضل قليال، رغم معاناته من شكل خفيف من االضطراب السلوكي، وربما تجاوز أزمته بشكل أسرع نتيجة اندماجه مع أطفال الحي، بـعـكـس هـــويـــد­ا الـــتـــي مـــا زالـــــت تـــرفـــض االنــــدم­ــــاج». ويؤكد حامد عــدم قدرته على السفر لعالج طفليه في الخارج، الفتًا إلى أن كلفة العالج في املصحات الخاصة الليبية تعد عقبة حقيقية أمــام مواصلة عالج طفيله، ويوضح: «نحاول بشكل ذاتي تخفيف معاناة الطفلني، وقد استأجرت منزال في حي جديد بهدف تغيير املناخ العام لــأســرة، فربما ينسيان مشاهد الــرعــب الـــذي عاشاها ومــا زالـــت عالقة في ذاكـرتـيـه­ـمـا». ويـعـانـي الـقـطـاع الصحي مــن انهيار واضح في مختلف أنحاء البالد، بما في ذلك مراكز التأهيل والــعــال­ج النفسي الحكومية، مــن دون أن يــلــقــى ذلــــك اهــتــمــ­امــًا رســمــيــًا أو اجــتــمــ­اعــيــًا. يــقــول الطبيب الليبي املتخصص فــي األمـــراض النفسية والــعــقـ­ـلــيــة، فــتــح الــلــه زروق، لـــ «الــعــربـ­ـي الــجــديـ­ـد»: «مــســتــش­ــفــيــات­األمـــــر­اضالنفسيةو­الــعــقــ­لــيــةقلي­لة أســـاســـًا، واملــتــو­فــر مـنـهـا تـــحـــول إلـــى مـــراكـــ­ز إليـــواء املرضى، والفحوص والعالجات ال تتوفر في الكثير منها حــالــيــًا». يضيف زروق: «الــعــدد املــحــدو­د من املستشفيات­املتخصصةام­لـــوجـــو­دةكلهاقديم­ة، وهـــي تــوجــد فــي املـــدن الــكــبــ­رى، ولـــم يـتـم تحديثها طيلة عــقــود مــاضــيــ­ة، وينبغي الــتــوسـ­ـع فــي إنـشـاء مزيد منها بسبب الحاجة امللحة إليها بعد سنوات الحروب والفوضى التي شهدتها البالد». وأجــــبــ­ــر تــــراجــ­ــع الـــعـــن­ـــايـــة بـــاملـــ­صـــابـــن­ي بــــاألمـ­ـــراض النفسيةفــ­ياملستشفيا­تالحكوميةم­ــنيطلبون العالج على اللجوء إلى املصحات الخاصة، وأغلب هــذه املــصــحـ­ـات تعاني مــن نقص الــكــواد­ر املؤهلة، مــا يجعل عنايتها باملرضى ال تصل إلــى النتائج املرجوة. يقول الطبيب زروق إن «العديد من املرضى الـــذيـــ­ن يـــتـــرد­دون عـلـيـه يــشــكــو­ن مـــن فــوضــى قـطـاع الصحة النفسية العام، ومن نقص الرعاية الطبية فيه، وأغلب من أعالجهم يعانون من حاالت اكتئاب، وبــنــســ­بــة أقــــل مـــن اضـــطـــر­ابـــات نـفـسـيـة أخـــــرى مثل الفصام وغيره، ووجــود االكتئاب على رأس قائمة األمراض النفسية سببه موت األقارب واألصدقاء أو تداعيات النزوح والتهجير، وكثير من املرضى من الفئات العمرية الصغيرة، لكن ال توجد إحصائيات رسمية حول أعــداد املرضى النفسيني، أو تصنيف أنــــــوا­ع أمــــراضـ­ـــهــــم». وفــــي أكـــتـــو­بـــر/ تــشــريــ­ن األول املــاضــي، جــددت منظمة الصحة العاملية بمناسبة يــوم الصحة النفسية العاملي دعوتها إلــى العناية بالصحة النفسية لــأفــراد فــي ليبيا، خــاصــة بعد الـفـيـضـا­نـات املـــدمــ­ـرة الــتــي ضــربــت مـنـاطـق شـرقـي الــــبـــ­ـالد، وتــســبــ­بــت فـــي فـــقـــدا­ن الـــعـــد­يـــد مـــن األفـــــر­اد لذويهم. وعلى الرغم من اإلعالنات املتتالية من قبل حكومتي الــوحــدة الوطنية فــي طرابلس ومجلس النواب في بنغازي عن إرسالهما فرقًا من األطباء النفسيني لدعم أهالي درنة، إال أن الطبيب فتح الله زروق يــؤكــد اســتــمــ­رار تـــردي الــوضــع النفسي لـدى الـعـديـد مـن األشــخــا­ص الـذيـن فـقـدوا ذويـهـم هناك، ويــضــيــ­ف: «يـــؤكـــد األطـــبــ­ـاء مـــن مــديــنــ­ة درنـــــة تـــردد الكثير من الشباب واألطفال على املصحات النفسية الخاصة في بنغازي، لكن هناك أشخاصًا ال عائل لــهــم لـيـهـتـم بـعـرضـهـم عــلــى الــطــبــ­يــب، وقـــد سجلت حـــاالت انـتـحـار ألشـخـاص فـقـدوا ذويـهـم فـي درنــة، واملراهقون واألطـفـال هم األكثر عرضة للصدمات، ورغم خطورة ذلك، لم تنتبه الحكومتان إال بعد أن تحول الوضع إلى ظاهرة مقلقة».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar