عملية حي الزيتون... االحتالل يحاول تأمين قواته
عــلــى نــحــو مــفــاجــئ، وبــيــنــمــا تــتــجــه األنـــظـــار إلـــى مـديـنـة رفـــح جـنـوبـي قـطـاع غـــزة، شرعت قــوات االحـتـالل اإلسـرائـيـلـي، أمــس الخميس، بتنفيذ عملية عسكرية جنوب شرقي مدينة غزة، وتحديدًا في حي الزيتون، أحد األحياء الــتــاريــخــيــة فـــي املـــديـــنـــة. واضـــطـــر املـــئـــات من الفلسطينيني إلـى النزوح في ساعات الفجر األولى من الحي الذي يعتبر من األحياء التي شـهـدت أعــمــاال عسكرية مــحــدودة حـتـى اآلن مــن قـبـل االحــتــالل اإلســرائــيــلــي خـــالل الـحـرب الـحـالـيـة الــتــي بــــدأت فـــي 7 أكــتــوبــر/ تشرين األول املاضي. ويرتبط حي الزيتون بذكريات «مــلــحــمــيــة» مـــع االحــــتــــالل اإلســـرائـــيـــلـــي على مدار االنتفاضتني األولى والثانية، باإلضافة إلـــى الـــحـــروب وجــــوالت الـتـصـعـيـد الــتــي تلت االنــســحــاب اإلســرائــيــلــي مــن غـــزة عـــام ،2005 وحتى عام .2023 تـــاريـــخـــيـــًا، بـــــدأ تـــأســـيـــس حـــــي الــــزيــــتــــون فـي ثالثينيات القرن املاضي، واستقبل مهجري نكبة عـام ،1948 وتعود تسميته إلـى أشجار الــــزيــــتــــون الــكــثــيــفــة املـــــزروعـــــة فــــي مــســاحــات واســعــة فـيـه، مــا جعله رئـــة قـطـاع غـــزة، كذلك توجد في الحّي معالم تراثية. وتوجد في حّي الزيتون مساجد أثـريـة، مثل جامع الشمعة، ومسجد العجمي، وجامع كاتب الوالية الذي يـضـم مـئـذنـة عتيقة، مكتوبًا عليها كتابات مــنــذ عــــام ،735 ومـــقـــبـــرة يــطــلــق عــلــيــهــا اســم «تربة الشهداء». ويضم الحي آثــارًا إسالمية وكــنــيــســة بـــرفـــيـــريـــوس، وتــعــتــبــر ثـــالـــث أقـــدم كنيسة في العالم، وبنيت في القرن الخامس املـــيـــالدي، وقصفها االحــتــالل فــي 17 أكتوبر املــــاضــــي، فــيــمــا يــقــع الـــحـــي فـــي قــلــب املــديــنــة القديمة، ويخترقه شـــارع عمر املـخـتـار، أحد أشـهـر شــــوارع غـــزة، ويــضــم أســواقــًا تـجـاريـة،
أشهرها سوق السروجية. وبحسب تقديرات محلية، يعتبر الحي من األحياء األكثر كثافة من ناحية املساحة، حيث يبلغ تعداد سكانه أكثر من 8 آالف نسمة، ويعد املدخل الجنوبي ملدينة غـزة، وتنتشر فيه األشجار بكثرة، ما يجعل القتال فيه معقدًا. اكتسب حي الزيتون شـهـرتـه الـعـسـكـريـة مــن مـواجـهـتـه الـتـوغـالت اإلســرائــيــلــيــة فـــي الــفــتــرة مـــا قــبــل االنــســحــاب اإلسـرائـيـلـي ومـــا بــعــده، حـيـث كـانـت فصائل املـقـاومـة الفلسطينية تخوض فيه مـع قـوات االحــتــالل اشـتـبـاكـات ضــاريــة وتسجل تفوقًا ميدانيًا يجبرها على االنسحاب دائمًا. ومـــع بـــدء العملية العسكرية الـجـديـدة أمـس فــــي حـــــي الــــزيــــتــــون، فـــإنـــهـــا ســـتـــكـــون الــثــانــيــة الــتــي يـنـفـذ فـيـهـا االحـــتـــالل حـمـلـة فـــي الــحــي خـــالل الــحــرب الـحـالـيـة، بـعـد العملية األولـــى التي جــرت فـي املناطق الشرقية والجنوبية للحي، وانتهت دون تمكن قواته من الوصول إلـى مناطق الـوسـط. وشهدت املـعـارك األولـى التي خاضتها املقاومة الفلسطينية في حي الـزيـتـون قــتــاال ضــاريــًا تمكنت خـاللـه األذرع العسكرية للمقاومة مـن توجيه ضـربـات في مقتل لالحتالل، دفعته في نهاية املطاف إلى االنــســحــاب والـــعـــودة إلـــى نـقـطـة الـتـمـركـز في منطقة نتساريم وسط القطاع. واعترف جيش االحــتــالل بمقتل ضابطني مـن لـــواء جفعاتي في الحي بتاريخ 22 فبراير/ شباط املاضي، وأصـــيـــب 7 جــنــود آخــريــن بــإصــابــات صنفت بالغة الخطورة، وذلك بعدما فجرت املقاومة فتحة نفق بهذه القوات. ويعتبر هذا الكمني نموذجًا ملا شهده االحتالل في حي الزيتون، إضــــافــــة إلـــــى مــــواجــــهــــات ضــــاريــــة خــاضــتــهــا املقاومة عند كل محاور التقدم هناك، محبطة محاولة االحتالل السيطرة على الحي. ويـــبـــدو الــحــديــث عـــن الـــعـــودة لتنفيذ عملية جــــديــــدة فــــي حـــــي الــــزيــــتــــون مــرتــبــطــًا بــرغــبــة االحتالل في توسيع «املنطقة اآلمنة» لقواته فـــي ظـــل تـــكـــرار تــعــرضــهــا لــهــجــمــات بــقــذائــف الـــهـــاون مــن قـبـل «كــتــائــب الــقــســام» و«ســرايــا الـــقـــدس»، بــاإلضــافــة إلـــى الــصــواريــخ قصيرة املدى. وسبق أن نفذ االحتالل عملية محدودة في منطقة شمال مخيم النصيرات واملناطق الشرقية للمغراقة وسط القطاع للسبب نفسه. وقال مدير مركز عروبة لألبحاث والدراسات االســتــراتــيــجــيــة، أحــمــد الــطــنــانــي، لـــ «الــعــربــي الجديد»، إن االحتالل يعود إلى حي الزيتون وشـــارع 8 بـهـدف خلق منطقة عــازلــة لتأمني تمركز قواته في محور نتساريم الفاصل بني شمال القطاع وجنوبه، إذ شكلت الضربات املكثفة بقذائف الـهـاون والـصـواريـخ قصيرة املـــــدى خــــالل األيـــــام املـــاضـــيـــة، الـــتـــي أطلقتها املــــقــــاومــــة، حـــالـــة اســـتـــنـــزاف كـــبـــرى لـــقـــواعـــده ومراكز القيادة والسيطرة وخطوط اإلمــداد. ولــفــت إلـــى أن االحـــتـــالل، بـعـد فـشـل عملياته شــمــال الــنــصــيــرات فـــي تـحـقـيـق الـعـمـق اآلمـــن الـذي احتاجه، يبحث اآلن عن هذا العمق في مـنـطـقـة شـــرق مــحــور نـتـسـاريـم وشــمــالــه، أي فــي حـــّي الــزيــتــون ومـــشـــارف حـــّي تــل الــهــوى. وشدد على أن هذه العملية تؤكد حجم العمق والتماسك في البنية التحتية للمقاومة. مـــن جــهــتــه، رأى املــحــلــل واملـــخـــتـــص بــالــشــأن الــســيــاســي اإلســـرائـــيـــلـــي، ســلــيــمــان بـــشـــارات، أن االحـــتـــالل يــريــد مـــن وراء تـــكـــرار عملياته الــعــســكــريــة فـــي املـــحـــاور الــتــي ســبــق أن عمل فـيـهـا، أن يـسـتـهـدف املـنـاطـق الــتــي يعتقد أن املقاومة أعادت ترتيب صفوفها فيها. وأشار في حديث لـ«العربي الجديد»، إلى أن من بني األهداف، أن جزءًا كبيرًا من هذه املناطق تعود املـــقـــاومـــة الـفـلـسـطـيـنـيـة وحـــركـــة حـــمـــاس إلــى ترتيب صفوفها فيها، وال تترك فراغًا، بينما يريد االحتالل أن يمتد الفراغ في كل مناطق الــقــطــاع. واعـتـبـر أن هـنـاك حـالـة مــن اإلحـــراج الـتـي بـاتـت تسيطر عـلـى الــقــيــادة العسكرية واألمنية لالحتالل، متعلقة بأن املناطق التي تنفذ فيها عمليات، والقريبة مـن نتساريم، تعود إلى نشاطها السابق.