Al Araby Al Jadeed

عن االختراق اإلسرائيلي لقطاع الزراعة المصري

- عبد التواب بركات

يفتح خبر مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مدينة اإلسكندرية الحديث مجددا عن طبيعة وعمق العالقات الزراعية املصرية اإلسرائيلي­ة املثيرة للجدل منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسالم بني البلدين في سنة .1978 سيما أن وزيـر الـزراعـة املصري بعد ثورة يناير، صالح يوسف، كان قد أعلن عن وقف التعاون الزراعي بني البلدين. وتعمدت وزارة الداخلية املصرية إخفاء الجنسية األصلية لرجل األعمال وطبيعة نشاطه التجاري في مصر وسبب الـوفـاة. جـاء في بيان الـــوزارة عن الحادثة عبر منصة إكس أن «رجل أعمال كندي الجنسية تعرض لحادث إطالق نار جنائي في مدينة اإلسكندرية، وتـم اتخاذ اإلجـــراء­ات القانونية، وتشكيل فريق بحث لكشف مالبسات الحادث». لكن صحيفة يديعوت أحرونوت اإلسرائيلي­ة كشفت جنسية القتيل، وقـالـت إنــه رجــل أعـمـال إسرائيلي كــان يـدخـل الـبـالد بـجـواز سفر كندي، وذلك نقال عن وزارة الخارجية اإلسرائيلي­ة، والتي أكدت الواقعة وقالت إن تنسيقا بشأنها يجري بني سفارة تل أبيب في القاهرة ومقر وزارة الخارجية في القدس املحتلة. وأوضحت الصحيفة أن رجل األعمال يمتلك شركة لتصدير الخضروات والفاكهة في مصر، ويعمل فيها منذ أكثر من تسع سنوات، وأن مقر شركته يقع فـي اإلسـكـنـد­ريـة. وأكـــدت صحيفة إسـرائـيـل هيوم جنسية القتيل بنشر صورته رفقة زوجـتـه، وقالت إن اسمه زيـف كيبر. ونشرت إذاعــة جيش االحـتـالل الواقعة، وقالت القناة 12 اإلسرائيلي­ة إن مقتل رجل األعمال حدث ألسباب قومية. وكذلك أكــدت شبكة سي إن إن أن القتيل رجـل أعمال يـهـودي. ونشر أحـد أصـدقـاء كيبر على صفحته على موقع فيسبوك أن صديقه يمتلك شركة في مصر باسم «أو كي جــروب». وبالبحث عن موقع الشركة على شبكة اإلنترنت، تبني أن املقر الرئيسي للشركة يقع في منطقة سموحة باإلسكندري­ة، وأن لها مكاتب إضافية في إسرائيل وأوكرانيا، وتعرف نفسها على أنها شركة مصرية متخصصة في تصدير الفواكه والخضروات املجمدة منذ 10 سنوات، وهو ما يؤكد أن عالقات زراعية قائمة بني مصر وإسرائيل، وأن الحكومة املصرية تتعمد التستر على طبيعة تلك العالقات. حادث قتل صاحب شركة تصدير الخضروات والفواكه يأتي بعد شهور من كشف وسائل إعالم متعددة بيانات مالحية تظهر قيام سفينة حاويات مصرية تدعى بان جي جي ترفع العلم املصري برحالت مستمرة إلى ميناء أسدود اإلسرائيلي انطالقا من ميناءي بورسعيد والدخيلة بمدينة اإلسكندرية، بالتزامن مع الحرب اإلسرائيلي­ة على قطاع غزة. وكشفت البيانات املالحية قيام السفينة، بـ52 رحلة إلى ميناء أسدود وجميعها محملة بالبضائع، خالل الفترة من منتصف فبراير/شباط العام املاضي 2023 وحتى الثامن من فبراير/شباط الجاري. تعود ملكية السفينة هذه إلى مجموعة «بان مارين» املصرية للشحن، والتي تم إنشاؤها في عام ،1978 بالتزامن مع عقد اتفاقية كامب ديفيد، ويقع مقرها الرئيسي في اإلسكندرية، وتنشط الشركة في مجال شحن املواد الغذائية. وتظهر البيانات الخاصة بالسفينة ارتفاعا ملحوظا في عدد رحالت السفينة من اإلسكندرية إلى أسدود في أكتوبر/تشرين األول املاضي، حيث وصل العدد إلى 6، مقارنة بمتوسط رحلتني فقط شهريا خالل فترة الرصد. ما يثير الريبة، تزايد عمليات نقل املنتجات الغذائية من اإلسكندرية، وهي املدينة التي يتخذها رجل األعمال اإلسرائيلي مقرا لنشاط شركته، مليناء أسـدود، خالل العدوان على غزة، وفي ظل تراجع اإلنتاج الزراعي في إسرائيل بسبب هجرة العمال األجانب، وبسبب إخالء املستوطنات في الشمال وفي غالف غزة، وهي التي تنتج %75 من االنتاج الزراعي في إسرائيل. يحدث ذلك في الوقت الذي يواجه فيه قطاع غـزة حصارا محكما وتجويعا ممنهجا من قبل االحـتـالل، وال تلقي السلطة في مصر باال لدعوات املقاومة الفلسطينية ومنظمات األمم املتحدة املتكررة من أجل إدخــال املساعدات الحيوية والسماح ألعــداد أكبر من املرضى وأصحاب الحاالت الحرجة في غـزة بالعبور إلـى األراضــي املصرية عبر معبر رفـح شبه املغلق. آلية اخــتــراق الـشـركـات اإلسـرائـي­ـلـيـة: فــي املـؤتـمـر الــدولــي ملكافحة اإلرهــــا­ب بهرتزليا، إسرائيل، في سنة ،2014 قـال شيمون بيريز إنـه أصبح في مصر إيجابية أكثر تجاه إسرائيل، يقصد بعد وصــول الجنرال عبد الفتاح السيسي للحكم، وإنهم يريدون التعلم منا. يقصد أن الحكومة املصرية تريد االستفادة من التكنولوجي­ا اإلسرائيلي­ة في تعويض نقص مياه النيل الناتج من بناء إثيوبيا سد النهضة. يكمل قوله، «لكن كان لديهم ريبة دائما، وقالوا إنهم محرجون من طلب املساعدة»، يعني خوفا من ردة الفعل الشعبي الرافض للتطبيع. ويقدم بيريز حال لرفع الحرج عن الحكومة املصرية عند دخول الشركات اإلسرائيلي­ة للعمل في مصر وذلك من خالل الشركات متعددة الجنسيات.. فيقول ن هناك موقفا جديدا في العالم، الشركات العاملية ال يوجد لها أعالم، وإذا أرادت شركة إسرائيلية أن تعمل في مصر فيجب أال ترفع علما إسرائيليا، بل تستطيع أن تندمج في شركات عاملية. ويؤكد بيريز أن بعض الشركات اإلسرائيلي­ة مندمجة بالفعل في شركات أجنبية في مصر. يقول، «وبعضها مندمج بالفعل، ولهذا فإن الشركات العاملية مهتمة بأن تندمج معنا دون أن يطلق علينا إسرائيليني، فال أحد يطلق عليه بريطاني أو فرنسي أو إيطالي». وبالتالي عند دخول الشركات اإلسرائيلي­ة للعمل في مصر «يجب علينا أال نفعل أي شيء آخر مختلف عن اآلخرين». وفــي حــوار صحافي ملجلة اإلذاعـــة والتلفزيون املصرية، يقول الضابط املصري يسري عمارة، صاحب عملية أسر عساف ياجوري، أرفع رتبة عسكرية في الجيش اإلسرائيلي تم أسرها خالل حرب أكتوبر سنة ،1973 إنه قابل فـاروق إسماعيل رئيس جامعة القاهرة، في العيد الخامس والعشرين النتصار أكتوبر، وقــال لى (ياريتك جيت األسبوع اللى فات)، فسألته عن السبب، فأخبرني أن عساف ياجوري كان في زيارة للجامعة. وأن من دعا ياجوري لزيارة مصر، هو يوسف والي وزير الـزراعـة إبــان نظام حسني مـبـارك، وصــار يـاجـوري خبيرًا زراعـيـا، وكــان شريكا في شركة زراعية مشهورة في مصر. وبعد قـرار رفـض االعتماد، فوجئ جمعة باتصال من يوسف والي ويقول له «إنت مزعل أبو داود ليه»؟! يقول جمعة، فقلت له، من أبو داود؟ فلم يجب، ودعاني لتناول العشاء في بيته ذلك اليوم. يقول جمعة، «عندما وصلت إلى بيته وجـدت معه شخص أجنبي»، فعرفني به بقوله «هـذا أبو داود، عساف ياجوري، األسير اإلسرائيلي الشهير، صاحب الشركة الزراعية التي رفضت اعتماد الـتـقـاوي الخاصة بـهـا». يقول جمعة، «واضـطـرنـي والــي العتماد التقاوي غير املطابقة للمواصفات». مـحـاولـة وزارة الـداخـلـي­ـة إخــفــاء جنسية قتيل حـــادث اإلسـكـنـد­ريـة األخــيــر، تذكر بـمـحـاوال­ت وزيــر الــزراعــ­ة الـراحـل يوسف والــي الحثيثة إخـفـاء الـعـالقـا­ت املصرية اإلسرائيلي­ة في مجال الزراعة لسنوات، وملا كشفت تلك العالقات، قال إنها تفيد الزراعة املصرية. ولكن تأكد تدهور انتاجية األراضـي الزراعية وانتشار األمراض في النخيل والنحل في مصر بسبب استخدام مبيدات وبذور ومخصبات زراعية إسـرائـيـل­ـيـة. وقــد عــاصــرت اسـتـقـدام وزارة الــزراعــ­ة فــي عهد يـوسـف والـــي خبراء زراعيني إسرائيليني للعمل في مشاريع بحثية في محطة بحوث الجميزة بمحافظة الغربية شمال مصر، ومحطة بحوث غرب النوبارية. وأقام الخبير اإلسرائيلي في محطة بحوث الجميزة باسم عبد الله، وكـان تحت حراسة الشرطة الدائمة. وتبني بعد ذلك أن والي أوفد أكثر من ألفني من الباحثني الزراعيني املصريني إلى إسرائيل في مهمات تدريبية طويلة، وشاهدت بعضهم بعد رجوعهم بصحة نفسية متردية ومصابني باالكتئاب. وفي حوار صحافي آخر للدكتور عبد السالم جمعة، وامللقب بأبي القمح املـصـري، يقول إنــه «واجـــه حربا شـعـواء طــوال حياته بعد أن ظـل هو وعشرات األساتذة العظام بالقطاع الزراعي ضحايا لنظام مبارك الفاسد». وقال إن الحرب ضده بدأت عندما كان أستاذًا بمركز البحوث عندما رفض في منتصف الثمانينيا­ت السفر الي إسرائيل ضمن بعثات «أفـواج» وزارة الزراعة لالطالع على التكنولوجي­ا الزراعية في إسرائيل. وكانت نتيجة تدخل الخبراء اإلسرائيلي­ني في الزراعة املصرية أن مصر فقدت مكانتها في إنتاج القطن طويل التيلة وأصبحت أكبر مستورد للقمح والذرة في العالم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar