Al Araby Al Jadeed

عن القمم العربية «العابرة»

- بشار نرش

مــع اقـــتـــر­اب مــوعــد انــعــقــ­اد الــقــمــ­ة العربية فـــي دورتـــهــ­ـا الـــعـــا­ديـــة الـــــــ3­3، واملــــقـ­ـــررة في املـنـامـة فــي 16 مــايــو/ أيـــار الـحـالـي، يبدو أن موضوع القمم العربية، التي يمكن أن يقال إنها قمم عربية «عابرة»، لم يعد يثير اهـتـمـامـ­ا كــبــيــرًا، ســــواء فــي داخــــل املنطقة العربية أو فـي خارجها، وأصـبـح السؤال يــطــرح، مـع كــل قـمـة عـاديـة أو استثنائية، عـن مــدى جــدوى اسـتـمـرار هــذه القمم، في ظل استمرار حالة التمزق العربي وانهيار النظام الرسمي العربي. فـمـن قــمــة أنــشــاص فــي اإلســكــن­ــدريــة، التي جرت في الشهر الحالي (مايو) في ،1946 بـدعـوة مـن املـلـك فـــاروق، ملك مصر آنـــذاك، إلــى قـمـة جـــدة فــي دورتــهــا الـــــ23، فــي مايو ،2023 لــم تستطيع معظم الـقـمـم العربية أن تـلـعـب دورًا حـيـويـا فــي قـضـايـا الـوطـن العربي، بعدما تحولت في مجملها قمما للتنديد والتحذير، واملواجهات واملشادات الــكــامـ­ـيــة والــلــفـ­ـظــيــة؛ قــمــم الــقــاهـ­ـرة ،1990 وبـــــيــ­ـــروت ،2002 وشــــــــ­رم الـــشـــي­ـــخ ،2003 وغيرها. فجميع القمم العربية، باستثناء قــمــة الــخــرطـ­ـوم ،)1967( الــتــي ال تــــزال في الــذاكــر­ة العربية إلعـانـهـا موقفا جماعيا بــ«الءاتـهـا» الـثـاث: ال صلح، وال تفاوض، وال اعــــتـــ­ـراف، الـــتـــي اتـــحـــد فــيــهــا الــخــطــ­اب العربي املوجه إلى الشعوب العربية، وإلى الــكــيــ­ان اإلســرائـ­ـيــلــي املـــحـــ­تـــل، وأيـــضـــ­ا إلــى العالم. باستثناء تلك القمة، لم تساهم أي قمة عربية فـي حلحلة أي مشكلة عربية، ولـــــو بــــدرجــ­ــة بــســيــط­ــة، بــــل عـــلـــى الــعــكــ­س، ســـاهـــم بـعـضـهـا فـــي زيــــــاد­ة االحـــتــ­ـقـــان، بل فـــتـــحـ­ــت األبــــــ­ـــواب مـــشـــرع­ـــة واســـــعـ­ــــة، وبـــا مــــــصــ­ــــدات لـــلـــتـ­ــدخـــل الـــــخــ­ـــارجــــ­ـي، إليــــجــ­ــاد الحلول لبعض املشكات املستعصية في وقتها على التفكيك والحل العربيني، فمن يتتبع مخرجات معظم تلك القمم ياحظ أنــــــه غــلــبــت عــلــيــه­ــا الـــصـــي­ـــاغـــات الــكــامـ­ـيــة والــخــطـ­ـابــيــة، مـثـل املـطـالـب­ـات واملــنــا­شــدات والـتـأكـي­ـدات والــدعــو­ات وإعـــان الــدعــم، في غياب شبه كامل ألي خطوات عملية كان يفترض أن تضطلع بها تلك القمم. ومن يتتبع وضع الدول العربية، في وقتنا الــراهــن، يــدرك حقيقة هــذا األمـــر، فالقضية الفلسطينية، الـتـي لطاملا اعتبرتها القمم العربية السابقة نقطة مركزية في الصراع الــعــربـ­ـي اإلســرائـ­ـيــلــي، وتـــاجـــ­رت بـهـا أغـلـب األنظمة العربية، وسوقتها تاريخيا قضية وطـنـيـة مـركـزيـة لـدغـدغـة املـشـاعـر القومية واإلسامية لشعوبها، تعيش حاليا أسوأ أيامها بفعل التطبيع العربي املجاني، من جـهـة، واالسـتـكـ­انـة والـتـواطـ­ؤ مـع إسرائيل في حربها وحصارها غزة، من جهة أخرى، أمــــا الـــســـو­دان فـقـد أصــبــح ســـودانــ­ـني، وهـو مــرشــح ملــزيــد مــن الـتـقـسـي­ـم، فــي حــني تقبع أربــع دول عربية، لبنان والــعــرا­ق وسورية والــيــمـ­ـن، تـحـت وصــايــة واحــتــال إيـرانـيـن­ي بصور وأشكال شتى، أما ما تبقى من الدول العربية، فأغلبها تعصف بها األزمات منذ ســـنـــوا­ت مـــن دون حـــلـــول؛ لــيــبــي­ــا وتــونــس ولبنان والصومال، واملغرب والجزائر، إلى درجة أنه ال توجد اليوم دولة عربية واحدة تقيم عــاقــات ســويــة وقــويــة مــع كـــل الـــدول العربية األخرى، من دون استثناء. وبــــــال­ــــــتـــ­ـــالـــــ­ـي، يــــــاحـ­ـــــظ املـــــتـ­ــــابــــ­ـع ملـــخـــت­ـــلـــف الــقــمــ­م الــعــربـ­ـيــة عــلــى مــــدى 78 عـــامـــا عمق االنـــقــ­ـســـامـــ­ات الـــعـــر­بـــيـــة، وفـــشـــل الـــقـــم­ـــم فـي مختلف دوراتـهـا السابقة في إيجاد كيان عــربــي مـــوحـــد ومــتــمــ­اســك أو ســــوق عـربـيـة مشتركة أو عملة موحدة، على خاف بعض املـــنـــ­ظـــمـــات اإلقــلــي­ــمــيــة األخــــــ­ـرى كـــاالتــ­ـحـــاد األوروبـي، الذي توصل، بعد تأسيسه بناء عـلـى اتـفـاقـيـ­ة ماستريخت عـــام ،1991 إلـى وضع مؤسسات مشتركة، وعملة موحدة، وسياسة زراعية واحدة، وإلى حرية التنقل بـــني دول االتــــحـ­ـــاد األوروبـــ­ــــــي. وبــالــتـ­ـالــي، ال مــجــال لـلـمـقـار­نـة بــني الـقـمـم الـعـربـيـ­ة في مـخـتـلـف دوراتــــه­ــــا والـــقـــ­مـــم األوروبـــ­ــيـــــة، أو غيرها من القمم األخرى، من حيث الفاعلية والرهانات املطروحة. فالقمم العربية التي رفعت شعارات التضامن العربي املشترك، والتكامل العربي املشترك، والعمل العربي املشترك، ولم الشمل، وتوحيد الصف، منذ أول قـمـة عـربـيـة عـــام 1946 حـتـى آخـــر قمة عـربـيـة عـــام ،2023 مــا كــانــت شـعـاراتـه­ـا إال لاستهاك اإلعــامــ­ي، سمعنا عنها كثيرًا في املؤتمرات، وبقيت حبرًا على ورق، لذا فــإن االنطباع الـعـام لـدى النخب، والـشـارع الـــعـــر­بـــي، يـــكـــاد أن يــــكــــ­ون، الــــيـــ­ـوم، واحــــــدًا؛ يلتقون فــي الـقـمـة بـروتـوكـو­لـيـا لتأكيد أن ثـــمـــة روابـــــط ال تـــــزال تـجـمـعـهـ­م، ويـعـمـلـو­ن خارجها متفرقني ومتناحرين، كما لو أنهم لم يلتقوا أبدًا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar