Al Araby Al Jadeed

هل الصبح قريب؟

- أسامة أبو ارشيد

مآسينا أو مـخـازيـنـ­ا، وكـاهـمـا، لألسف، صحيحان في حالنا نحن العرب، أكثر من أن تعد أو أن تحصى. أينما وليت وجهك تــفــجــع بــــالـــ­ـواقــــع اآلســــــ­ن والـــكـــ­ئـــيـــب الــــذي عليه أمتنا. تتساوى هنا، إلـى حـد كبير، األنظمة والشعوب. وحتى ال نستطرد في ســرد الــجــراح، نكتفي بــواحــد هــو أشـدهـا نزفا اليوم في جسدنا، وفـي الوقت ذاتـه، أكثرها تجسيدًا ألملنا في مستقبل أفضل. تــعــربــ­د إســرائــي­ــل فــي قــطــاع غــــزة، تـــدمـــر­ه، وتـــبـــي­ـــد نــــاســـ­ـه، ويــــمـــ­ـوت أطـــفـــا­لـــه جـــوعـــا، وتـبـتـر أعــضــاء مصابيه مــن دون مـخـدر، وال مــــعــــ­دات طـــبـــيـ­ــة، بــســكــن­ي مــطــبــخ على طاولة طعام، ليس لهم من عـزاء ومخفف لـأللـم الـرهـيـب إال آيـــات مـن الـذكـر الحكيم يـــتـــلـ­ــونـــهــ­ـا، ومـــــع ذلــــــك، ال تـــتـــحـ­ــرك نــخــوة أنظمة، بعضها شريك متورط في حصار غـــــزة وأهـــلـــ­هـــا، وأخـــــرى ســاعــيــ­ة للتطبيع معها (إسرائيل)، وثالثة تمدها بالطعام والــبــضـ­ـائــع. األدهـــــ­ى، أال تــســتــف­ــز شهامة غالبية شعوب العرب، املغلوبة هي األخرى على أمرها. تــرى، كيف ستحاكم األجيال القادمة هذه الحقبة التاريخية، التي هي راهننا؟ بل كيف ستنظر إلينا؟ لن يكون هناك مجال للتشكيك في الحيثيات، فهي مـوثـقـة صـوتـا وصــــورة. وال أدري إن كان من الائق التساؤل: تراها ستكون هناك أجـــيـــا­ل عــربــيــ­ة قـــادمـــ­ة أحـــســـن مـــن جيلنا حـــتـــى تــنــظــر إلــــى هــــذه املـــرحــ­ـلـــة الـــســـو­داء فــــي تـــاريـــ­خـــنـــا الـــجـــم­ـــعـــي بـــعـــار وجــــلـــ­ـل؟... أتمنى ذلك. لكن مستقبا أزهى ال يصنع بالتمني، وإنـمـا برؤية نهضوية شاملة، عميقة وجامعة، وبتخطيط استراتيجي واع ومـحـكـم، وبعمل متقن رصـــني، وقبل ذلك، بطليعة فكرية وتنظيمية، متجاوزة لحساسيات االنتماءات القبلية والقطرية واأليـــدي­ـــولـــوج­ـــيـــة والـــســـ­يـــاســـي­ـــة، ولــديــهـ­ـا القابلية والـقـدرة على تقديم التضحيات الــجــســ­ام. حـتـى نجيب عــن ســـؤال: «أليس الصبح بقريب؟»، ال بد لنا، أوال، أن نحدد أي صبح نريد؟ أعلم أن هذا سؤال شائك، حـــتـــى لـــــدى الـــنـــخ­ـــب الـــســـا­عـــيـــة لـلـتـغـيـ­يـر، إذ تـــتـــنـ­ــازعـــه الـــتـــح­ـــيـــزات اإليـــديـ­ــولـــوجـ­ــيـــة والـتـفـصـ­يـات الــفــرعـ­ـيــة. لــكــن، عـلـى األقـــل، بــعــض خــطــوطــ­ه الـــعـــا­مـــة مــعــلــو­مــة. نــريــد صبحا تكون فيه بادنا أوطانا لشعوبها ال سجونا لها. نريد عقد مواطنة وحقوق، ال تـبـعـيـة وخــــنـــ­ـوع. نـــريـــد حـــريـــة وكـــرامــ­ـة وديمقراطية حقيقية، ال مكان فيها لقمع وال لفساد محصن. نريد شكا من أشكال

‪ُُ ُُ‬ الــــوحــ­ــدة الـــعـــر­بـــيـــة، تـــضـــعـ­ــف، إن لـــم تـــلـــغ،

َِّ العقلية القبلية والــقــطـ­ـريــة املقيتة. نريد مــشــاريـ­ـع اقــتــصــ­اديــة وإنــمــائ­ــيــة حقيقية

ُّ متكاملة. نــريــد قـــوة تـــرغـــم اآلخــريــ­ن على احـتـرامـن­ـا. إذا كــان فــي راهـنـنـا مــن شاهد فهو أن العالم غابة متوحشة، مهما زعم ســــادتــ­ــه وجـــــــو­د مــــؤســـ­ـســــات ومـــعـــا­هـــدات واتفاقيات وإعانات تؤكد حضاريته. في هـذا العالم الـقـوي وحــده هو من يستحق الـحـيـاة مـرفـهـا ومـنـعـمـا وفـــوق كـــل قـانـون وأي محاسبة. خطاب «املعايير املزدوجة» هـو بكائية الضعفاء، أمــا األقـويـاء فإنهم يمارسونها، في الوقت ذاته الذي يدعون فيه تفوقا أخاقيا، واستثنائية إنسانية. ألــيــس هـــذا مــا تفعله الـــواليـ­ــات املــتــحـ­ـدة؟ أليس هذا ما تمارسه إسرائيل؟ تدمر غزة عـن بكرة أبيها، يقتل أطفالها ونساؤها وعجائزها ورجالها بالساح األميركي، على أيــدي جنود إسرائيليني متوحشني عــديــمــ­ي األخــــــ­ـاق، ومــــع ذلــــك يـــقـــول­ـــون إن إلسرائيل «الحق في الدفاع عن نفسها». أمــا الشعب الفلسطيني، فليس لـه إال أن يقبل اإلبــادة واإلخضاع ونـزع إنسانيته. إنـه قانون القوي في عالم، كـان، وال يزال، وســـيـــب­ـــقـــى، مـــتـــوح­ـــشـــا، وال يــكــســر بـعـض حدته إال امتاك أسباب القوة املضادة. كثير مـن أنظمة الـعـرب تـظـن أن خاصها وبقاءها يكون عبر سحق شعوبها وكسر كرامتها، في الوقت ذاته الذي تنحني فيه ذال وتبعية أمــام أطــراف خارجية أجنبية.

ما يجري ُمخز حّقًا؛ أنظمة ُتفّضل أن تبقى تابعة خانعة مفعوًال بها

تـــرى هــل أفـلـحـت هـــذه املــقــار­بــة؟ هــل رفعت مــن قــدر أصحابها وشـأنـهـم؟ هــل تـطـورت بـــــادهـ­ــــم؟ بــــل هــــل حـــمـــتـ­ــهـــم؟ هــــم يــرهــنــ­ون مـــصـــائ­ـــرهـــم بـــيـــد مــــن يـــدعـــم­ـــهـــم مــــا دامـــــوا أقـويـاء، أمـا حني تــزل قـدم أحدهم يكونون كالسكني عـلـى رقـبـتـه، ومـــا زيـــن العابدين بـن علي، وحسني مـبـارك، وعلي عبد الله صالح، إال حلقات غابرة في سلسلة طويلة من البيادق القابلة لاستبدال. إن ما يجري مــخــز حــقــا؛ أنظمة تـفـضـل أن تبقى تابعة خـانـعـة مـفـعـوال بـهـا، عـلـى أن تعيد النظر فـــي مـــســـار­هـــا، وتــســعــ­ى فـــي طـــريـــق إنــجــاز استقال حقيقي، ودول قوية بمواطنيها، وبناء منظومة عربية متماسكة قادرة على فرض هيبتها واحترامها على العدو قبل الصديق. الشعوب العربية، أيضا، رضيت، فــي جـلـهـا، حـيـاة املـهـانـة واسـتـمـرأ­تـهـا، بل إن فيها من يبررها، ويعدها أمـرًا طبيعيا جينيا في صلب هويتها وإنسانيتها. ومن ثم، ترى تلك الشعوب تتخطف واحدة تلو أخـــرى، فـي الـعـراق، فـي سـوريـة، فـي اليمن، في السودان، في ليبيا... وإذا بقي الحال من دون تغيير فإن الدور سيصل إلى الجميع. لـــكـــن، االنـــكــ­ـســـار واالســـتـ­ــكـــانــ­ـة والــــرضـ­ـــوخ والتبعية ليست بالضرورة قـدرًا علينا إال إذا قبلنا بها واستسلمنا لها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar