Al Araby Al Jadeed

سقف «العقوبات» األميركي

- حسام كنفاني

انتظرت الواليات املتحدة كثيرًا قبل أن تقرر معاقبة رئيس الـوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتنياهو على تعنته في تجاهل طلبات واشنطن الخاصة بالعدوان على قطاع غزة، واملستمر منذ أكثر من سبعة أشهر. خالل األشهر الثالثة املاضية تدخلت الواليات املتحدة كثيرًا للتأثير على نتنياهو في املفاوضات املاراثوني­ة املتكررة للتوصل إلى وقف إطالق للنار وتبادل لألسرى، بداية من الحديث عن «هدنة رمضان» مـرورًا بـ«هدنة العيد»، وأخيرًا املفاوضات القائمة في القاهرة والـتـرقـب للموقف اإلسـرائـي­ـلـي، بعد موافقة حـركـة حـمـاس على بـنـود املـبـادرة القطرية املصرية املقدمة لها. املوقف اإلسرائيلي بات شبه محسوم في رفض الصفقة وبدء التحضير الجتياح رفح، وهو ما مهد له بالسيطرة على املعبر وقصف أطراف املنطقة وبدء إخالء النازحني إليها. ورغم إيفاد واشنطن مدير وكالة االستخبارا­ت األميركية، وليام بيرنز، إلى تل أبيب ملحاولة الضغط على املسؤولني اإلسرائيلي­ني، فإن املحاوالت الدبلوماسي­ة األميركية ال تبدو في طريقها للنجاح. هنا، سحبت واشنطن سيف «العقوبات» في وجه إسرائيل، وهي املرة األولى التي تقوم بها منذ بدء العدوان. فرغم األحاديث السابقة عن قطع اإلمدادات العسكرية عن دولة االحتالل، فإن واشنطن لم تقدم على هذه الخطوة، واستمرت في تزويد إسرائيل بما تريده من أسلحة الستكمال اإلبادة الجماعية التي تنفذها في قطاع غزة. «العقوبات» التي أعلنت عنها واشنطن اقتصرت على تعليق إرسال شحنة قنابل ذكية إلــى دولــة االحــتــا­لل، فـي إطــار التعبير األمـيـركـ­ي عـن رفــض خطط إسرائيل الجتياح رفح، بحسب تعبير وزير الدفاع األميركي، لويد أوسنت، الذي أعلن قرار واشنطن، والذي لم يتحدث عن تعليق إرسال أنواع أخرى من األسلحة إلى دولة االحتالل. لكن هل هذا كاف ملنع إسرائيل من تنفيذ مآربها؟ اإلجابة هي ال. والقرار األميركي بتعليق الشحنة ليس سوى إعالن «براءة» مما ستقدم عليه إسرائيل في األيام أو األسابيع املقبلة عبر تنفيذ اجتياح رفح، إذ إن األميركيني يدركون أن إسرائيل، وبفضل الدعم السخي الــذي قدمته واشنطن خـالل األشهر املاضية، لديها ما يكفي من الذخائر والقنابل للمضي في مخطط االجتياح. حتى إن العديد من املسؤولني اإلسرائيلي­ني سخروا من القرار األميركي في تصريحات، كان آخرها لعضوة بالكنيست من حزب نتنياهو، أشارت إلى أن الرد على القرار األميركي بإيقاف شحن القنابل الذكية هو تنفيذ الهجوم بالقنابل الغبية أو غير الدقيقة. هـذا هو سقف «العقوبات» التي ممكن أن تفرضها الـواليـات املتحدة، أو حتى الغرب عمومًا، على إسرائيل، وهي ال يمكن أن تقارن إطالقًا بما تم فرضه على روسيا على سبيل املثال بعد اجتياحها أوكرانيا، على الرغم من أن ما ارتكبته إسرائيل خالل األشهر املاضية يفوق بأضعاف ما قامت به روسيا في أوكرانيا، وكــل هــذا بـ«القنابل الذكية» التي زودتـهـا بها الــواليــ­ات املتحدة، والـتـي اعترف رئيسها جو بايدن أخيرًا بأن «القنابل التي قدمتها واشنطن لتل أبيب استخدمت في قتل املدنيني في غزة». اكتشاف أميركي متأخر جدًا، لكنه لن يغير شيئًا من واقع استمرار إسرائيل في قتل املدنيني، سواء بالقذائف الذكية أو الغبية، أو التي زودتها بها الواليات املتحدة أو أي دولة أخرى، أو بالذخائر التي تصنع محليًا. حسابات بايدن ومراجعاته الحالية، وحتى اإليـحـاء بـ«معاقبة» إسرائيل، من املؤكد أنها غير مرتبطة باعتبارات إنسانية، بل بمعطيات انتخابية، غير أنها لن تقدم وال تؤخر في تغيير مسار السباق الرئاسي األميركي، والذي ال يبدو أنه يسير ملصلحة سيد البيت األبيض الحالي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar