Al Araby Al Jadeed

لماذا يصوت فرنسيون من أصول مهاجرة لليمين المتطرف؟

- عزام أمين

مــــع اقــــتـــ­ـراب مـــوعـــد انـــتـــخ­ـــابـــات الـــبـــر­ملـــان األوربــــ­ـــــــــي، الــــتـــ­ـي ســــتــــ­جــــرى بـــــن الــــرابـ­ـــع والــــتــ­ــاســــع مــــن الـــشـــه­ـــر املـــقـــ­بـــل (يـــونـــي­ـــو/ حـــــــزي­ـــــــران)، يـــــواصـ­ــــل الــــيـــ­ـمــــن املــــتــ­ــطــــرف الــفــرنـ­ـســي بـــقـــيـ­ــادة «الــتــجــ­مــع الـــوطـــ­نـــي»، ورئيسته السابقة مـاريـن لــوبــان، تقدمه اســــتـــ­ـطــــاعــ­ــات الــــــــ­ـرأي بـــــفـــ­ــارق كـــبـــيـ­ــر عــن منافسيه، وقد أشار آخر استطاع أجراه املؤشر السياسي إيبسوس ،)Ipsos( الذي نشرته صحيفة لوموند في 29 من الشهر املاضي (إبريل/ نيسان)، إلى أن %32 من املستجوبن صرحوا بنيتهم التصويت لــحــزب الـتـجـمـع الــوطــنـ­ـي (حــــزب الجبهة الوطنية سابقًا)، أي بـزيـادة نقطتن عن آخــر اسـتـطـاع لــلــرأي، بينما حــل الحزب الحاكم (النهضة)، في املركز الثاني بـ71%، وتـــحـــا­لـــف الــــحـــ­ـزب االشـــــت­ـــــراكــ­ـــي، وحــــزب الساحة العامة بقيادة رفاييل كلوكسمان، في املركز الثالث ،%14 بينما حلت أحزاب الــيــســ­ار فــي املــركــز الـــرابــ­ـع؛ فـحـصـل حـزب فرنسا األبـيـة بقيادة مـانـون أوبـــري على 7%، وحـزب الخضر على ،%6.5 والافت للنظر هو تراجع قائمة حزب إيريك زيمور (االســـتــ­ـعـــادة) بــقــيــا­دة مـــاريـــ­ون مـاريـشـال لـــوبـــن وحــصــولـ­ـه عــلــى نــســبــة %5.5 من عينة املستجوبن بعدما كانت النسبة، قبل آخر استطاع، 7%، وهذا الحزب من الــيــمــ­ن املــتــطـ­ـرف أيـــضـــًا. وهــــذا يـعـنـي أن الحزبن اليمينين املتطرفن سيحظيان بأعلى نسبة من التصويت )%37.5( في حــال تطابقت نتائج اسـتـطـاعـ­ات الــرأي مـــع واقــــع االنــتــخ­ــابــات الـفـعـلـي. وستبلغ قـــائـــم­ـــة «الـــتـــج­ـــمـــع الــــوطــ­ــنــــي»، الــيــمــ­يــنــي املتطرف، بقيادة الشاب جوردان بارديا، الـــصـــد­ارة، وبـــدرجــ­ـة أعــلــى مــن عـــام ،2019 إذ كــانــت الـنـسـبـة .%23.34 املـــعـــ­روف عن هــذا الـحـزب مـعـاداتـه للمهاجرين العرب والــــســ­ــود، ويـــدعـــ­و، بــشــكــل مــبــاشــ­ر وغـيـر مـبـاشـر، للتخلص منهم وإعــادتــ­هــم إلـى بـــلـــدا­نـــهـــم األصــــلـ­ـــيــــة، وإغـــــــ­ــاق الـــــحــ­ـــدود، والــــخــ­ــروج مـــن االتـــحــ­ـاد األوروبـــ­ـــــي، ومــن النادر أن تمر مناسبة أو أن يحصل لقاء صحافي مع مؤسسه وزعيمه التاريخي جون ماري لوبان أو ابنته مارين لوبان، رئيسة الحزب، حتى عام 2021 أو جوردان بـارديـا، رئيس الـحـزب الحالي، مـن دون سماع تصريحات، أقــل ما يمكن أن يقال فيها إنها عنصرية، تحض على الكراهية والـحـقـد. خـطـاب الــحــزب، بشكل عـــام، هو خــطــاب شـعـبـوي عــاطــفــ­ي، يعتمد بشكل رئــــيـــ­ـس عـــلـــى الـــتـــخ­ـــويـــف مـــــن املــســلـ­ـمــن والـــعـــ­رب والــــســ­ــود، والـــتـــ­اعـــب بــاأللــف­ــاظ، والتهريج السياسي، والتخوين واتهام اآلخـــريـ­ــن بــالــتــ­آمــر، فـــا يـمـكـنـنـ­ا أن نجد فيه أي حـلـول علمية وعملية أو واقعية لــلــمــش­ــاكــل الـــتـــي يـــعـــان­ـــي مــنــهــا املـجـتـمـ­ع الفرنسي، بشكل عـام، كالبطالة والفروق الطبقية وأزمة الضواحي. والــظــاه­ــرة املـثـيـرة للدهشة هــي أن بعض الفرنسين مـن أصــول مهاجرة يصوتون لــهــذا الـــحـــز­ب رغـــم عـــدائـــ­ه لـلـمـهـاج­ـريـن )!( كيف يمكننا فهم تصرف هؤالء املهاجرين، املــــتــ­ــنــــاقـ­ـــض فــــــي ظــــــاهـ­ـــــره وجـــــــو­هـــــــره مــع مصالحهم بشكل عام؟ ما هي العوامل التي تدفعهم للتصويت لصالح حزب عنصري

مــــعــــ­اد لــــهــــ­م؟ ظــــاهـــ­ـرة تـــســـتـ­ــحـــق الـــتـــو­قـــف عندها، وإن كانت محصورة في عدد قليل، نسبيًا، من املهاجرين حتى اآلن. العوامل كــثــيــر­ة ومــتــنــ­وعــة ومــتــشــ­ابــكــة، وال يمكن حصرها في جانب واحـد فقط، وال يكفي أن نقول إن السمات الشخصية، كالغباء وعــدم الـقـدرة على التحليل، واألنـانـي­ـة أو العنصرية، واالنــغــ­اق الـفـكـري، هـي وراء هــــذه الـــظـــا­هـــرة. ويــمــكــ­ن تـقـسـيـم الــعــوام­ــل خلف هذه الظاهرة بن ثاثة جوانب. على الصعيد السياسي واالقــتــ­صــادي، بشكل عـــام، تـقـاسـم السلطة فــي فـرنـسـا حــزبــان، هما الحزب االشتراكي اليساري والحزب الـــيـــم­ـــيـــنــ­ـي الــــجـــ­ـمــــهـــ­ـوري، وأخــــــي­ــــــرًا، حـــزب النهضة بقيادة إيمانويل ماكرون، وهذا منذ أكـثـر مــن نصف قـــرن، ورغـــم اختاف هذه األحــزاب الثاثة في الشكل فـإن عددًا ال بـأس به من الفرنسين بــدأ، منذ فترة، ال يـــرى فــرقــًا جــوهــريـ­ـًا بـيـنـهـم، وخــاصــة أنهم اعتمدوا بشكل كبير على سياسات اقـــتـــص­ـــاديـــة لـــيـــبـ­ــرالـــيـ­ــة ونـــيـــو­لـــيـــبـ­ــرالـــيـ­ــة، مـتـقـاربـ­ة نــوعــًا مـــا، ولـــم تــــؤد إلـــى حلول جذرية ملشكات البطالة والفقر واألمـن. فكثير من املحللن السياسين يعتبر أن التصويت لليمن املــتــطـ­ـرف فــي مناطق كثيرة فـي فرنسا، ال يمكن أن يقال عنه إال إنه أمر طبيعي لكل ما جرى، ويجري، في مستوى السياسات االقتصادية، وال يمكننا أن نعتبره فوزًا لليمن املتطرف بـــقـــدر مـــا هـــو نــــوع مـــن االحـــتــ­ـجـــاج على السياسات التقليدية الليبرالية لـ «اليمن الجمهوري» والحزب االشتراكي. وعـــــــل­ـــــــى الـــــصــ­ـــعـــــي­ـــــد اإلعــــــ­ـــــامـــ­ــــــــي، يــــشــــ­يــــر املتخصصون إلــى أنــه منذ وصــول مارين لـــوبـــا­ن إلــــى رئـــاســـ­ة «الــجــبــ­هــة الــوطــنـ­ـيــة»، فــي عـــام ،2011 عـمـد الـيـمـن املــتــطـ­ـرف إلـى تغيير خطابه، وخـاصـة أن قطاعًا واسعًا مــن الـفـرنـسـ­يـن يـرفـضـون الـنـهـج الـعـدائـي الــــــــ­ذي يـــعـــمـ­ــد إلــــيـــ­ـه الـــــحــ­ـــزب فـــــي الــتــعــ­بــيــر عــــن أفــــكـــ­ـاره ورؤاه الـــســـي­ـــاســـيـ­ــة، وهــــــذا مـا دفــــع كــثــيــرًا مـــن مــرشــحــ­يــه إلــــى الـتـخـفـي­ـف مــــن الــلــهــ­جــة الــعــنــ­صــريــة والـــــحـ­ــــادة تــجــاه املـهـاجـر­يـن والـفـرنـس­ـيـن الـيـهـود، ال بــل إن مــاريــن لــوبــان، فــي فــتــرة قـيـادتـهـ­ا للحزب، حــاولــت فــي أكـثـر مــن مناسبة الــتــقــ­رب من الـفـرنـسـ­يـن مـــن أصــــول مـسـلـمـة، مـــن خـال مـسـتـشـار­هـا الـشـخـصـي أيــمــريـ­ـك شــوبــراد، املــــتــ­ــزوج مـــن لــبــنــا­نــيــة مــســلــم­ــة، وذلـــــك عن طــــريـــ­ـق تـــنـــظـ­ــيـــم لـــــقـــ­ــاء ات مـــــع شــخــصــي­ــات إســـامـــ­يـــة مـــعـــرو­فـــة فــــي عــــــدة دول؛ مـصـر واإلمــــا­رات واملـغـرب. استراتيجية التقارب هـذه، ومـحـاوالت تحديث الحزب وإظهاره أكــثــر اعـــتـــد­اال مــع املــهــاج­ــريــن، القـــت صــدى عند بعض الفرنسين مــن أصـــول عربية، حتى إن لم يغير الحزب شيئًا من جوهره األيديولوج­ي، العنصري والفاشي. وعــــلـــ­ـى الـــصـــع­ـــيـــد الـــشـــخ­ـــصـــي والـــنـــ­فـــســـي، أشارت املقابات البحثية، واللقاءات التي أجـــريـــ­ت مـــع هــــؤالء الـفـرنـسـ­يـن مـــن أصـــول مــغــاربـ­ـيــة أو شـــرقـــي­ـــة؛ لــبــنــا­نــيــة وســـوريــ­ـة، الـــذيـــ­ن صـــوتـــو­ا ســابــقــًا لـــهـــذا الـــحـــز­ب، إلــى أنهم يلجؤون إلى استراتيجية «التماهي» مـع املجتمع الفرنسي والـهـويـة الفرنسية مـــــن أجـــــــل الـــتـــك­ـــيـــف االجـــــت­ـــــمــــ­ـاعـــــي. وآلــــيــ­ــة «الــتــمــ­اهــي» تـخـتـلـف تــمــامــًا عـــن االنـــدمـ­ــاج االجـــتــ­ـمـــاعـــ­ي، الـــتـــي يـسـتـطـيـ­ع مـــن خـالـهـا املهاجر املحافظة على ثقافته األم وهويته

يصّوت بعض أبناء المهاجرين ألحزاب اليمين ال ُمتط ّرف ليثبتوا أنّهم مختلفون عن المهاجرين غير المندمجين

األصلية أو جزء منهما، وبالتالي التكييف االجتماعي مـع املجتمع الفرنسي، بينما في حالة املهاجر املتماهي ينصهر تمامًا فـي الهوية الفرنسية، ويتخلى تمامًا عن ثقافته األم وهويته األصلية، ويحاول بكل الوسائل إظهار هويته الثقافية الفرنسية، وغالبًا مـا يكون لــدى املهاجرين، فـي هذه الـــحـــا­لـــة، صــــورة ســالــبــ­ة عـــن ثــقــافــ­ة بـلـدهـم األصـــلــ­ـي، ويـعـيـشـو­ن نــوعــًا مــن التبخيس الــــذاتـ­ـــي، واإلحــــس­ــــاس بــالــنــ­قــص والــخــجـ­ـل أمام املجتمع الفرنسي، ولكي يتهربوا من هـــذا الـــواقــ­ـع الـنـفـسـي الــقــاسـ­ـي، يصبحون «مـلـكـيـن أكــثــر مــن املـــلـــ­ك»، ولـــذلـــ­ك، وبشكل ال شــعــوري، يعتبرون تصويتهم ألحــزاب الــيــمــ­ن املـــتـــ­طـــرف دلـــيـــا عــلــى فرنسيتهم، وقـــــســ­ـــم مـــنـــهـ­ــم يـــتـــفـ­ــاخـــر بـــــهـــ­ــذا الــــســـ­ـلــــوك. فـإحـسـاسـ­هـم بــالــدون­ــيــة تــجــاه الفرنسين األصلين ألنهم من أصول مهاجرة، وعدم ثــقــتــه­ــم بــأنــفــ­ســهــم، وإن أظــــهـــ­ـروا الــعــكــ­س، يدفعهم، على سبيل املثال، التخاذ مواقف عدائية تجاه املهاجرين الواصلن حديثًا، خــــاصـــ­ـة أن هـــــؤالء يـــذكـــر­ونـــهـــم بـوضـعـهـم املـزري الذي عاشوه سابقًا، فحالهم يقول: كي تكون فعا فرنسيًا يجب عليك أن تظهر عـنـصـريـت­ـك قــلــيــا تــجــاه الـــعـــر­ب والـــســـ­ود. يشعرون أن التماهي مع املجتمع الفرنسي وبـالـهـوي­ـة الفرنسية يحقق لهم نـوعـًا من الصورة اإليجابية عن ذواتـهـم، املجروحة أســاســًا. أضــف إلــى مــا سـبـق، أن تصرفات بعض أبناء املهاجرين غير املسؤولة وغير املـقـبـول­ـة فــي املـجـتـمـ­ع الـفـرنـسـ­ي، وإن كـان مـن غير املمكن تعميمها، تـــؤدي إلــى نوع مـن اإلحــســا­س بتأنيب الضمير، والخجل الـــاشـــ­عـــوري عــنــد بــعــض الــفــرنـ­ـســيــن من أصــــول مــهــاجــ­رة، وكــوســيـ­ـلــة دفـــــاع أولـــيـــ­ة، يلجأ بعضهم للتصويت ألحـــزاب اليمن املـــــتـ­ــــطـــــ­رف كـــــي يـــثـــبـ­ــتـــوا أنـــــهــ­ـــم نـــاجـــح­ـــون ومـــخـــت­ـــلـــفــ­ـون عــــن هــــــؤال­ء املـــهـــ­اجـــريـــ­ن غـيـر املندمجن، مـن وجهة نظرهم، بالرغم من التشابه الظاهري معهم. ما تم عرضه في هذا املقال ال يعدو أن يكون تـحـلـيـا سـريـعـًا لــظــاهــ­رة مــعــقــد­ة ومــهــمــ­ة، لــهــا عـــوامـــ­ل فـــرديـــ­ة ونــفــســ­يــة واجـتـمـاع­ـيـة واقــــــت­ــــــصـــ­ـــاديــــ­ــة وســـــيــ­ـــاســـــ­يـــــة مـــتـــشـ­ــابـــكــ­ـة ومتداخلة، ربما تحتاج هذه الظاهرة إلى دراســـة بحثية علمية معمقة تعتمد على مـــقـــاب­ـــات مــيــدانـ­ـيــة مـــطـــول­ـــة مـــع عــيــنــة من هؤالء الفرنسين من أصول مهاجرة، الذين يصوتون لليمن املتطرف.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar