Al Araby Al Jadeed

من يريد العودة إلى زمن الوصاية؟

الرقابة على السينما في المغرب

- سعيد المزواري

«ال شــيء فـاضـح فـي مـا نعبر عنه. الفاحش كامن في ما نخفيه فقط» ناغيسا ميشيما

شـــعـــور بــاالمــت­ــعــاض والــخــيـ­ـبــة، ال يــمــت إلــى بهجة السينما بأي صلة، ينتاب املرء في ظلمة القاعة، حن يدرك أن مقص الرقابة تالعب بما يــشــاهــ­ده، مـضـيـعـًا عليه اكـتـشـاف الفيلم في الشكل الذي ارتضاه مخرجه. بأي حق يمنح أشخاص ـ يشكلون «لجنة رقابة» في «املركز الـسـيـنـم­ـائـي املـــغـــ­ربـــي»، ال تـــعـــرف خلفياتهم ونواياهم ـ سلطة الوسيط بن ذاتيتي املبدع واملتلقي؟ أي احترام يكنونه لصناع األفـالم، ولـــلـــج­ـــهـــود املـــضـــ­نـــيـــة الــــتـــ­ـي يـــبـــذل­ـــهـــا فـــنـــيـ­ــون وتـقـنـيـو­ن، ثــم أعــضــاء فـريـق تنظيم تظاهرة دولــــيــ­ــة بـــعـــرا­قـــة «مـــهـــرج­ـــان تــــطــــ­وان لـسـيـنـمـ­ا البحر األبيض املتوسط» (عام ،2025 سيكون هــنــاك احــتــفــ­اء مـــــزدوج بـــه، بـمـنـاسـب­ـة دورتـــه الــــــ03، ومــــرور 40 عــامــًا عـلـى تـأسـيـسـه)، حن يبعثون إليهم وثيقة غريبة ـ ال تنتمي إلى روح العصر، وال تستجيب ملقاصد الفن، لكن إصدارها ملزم إداريًا ـ تنص بتفاصيل دقيقة على «ضـــرورة» جـز األفــالم ضـد كـل نواميس املمارسة السينمائية في البلدان التي تكفل قدرًا محترمًا من حرية التعبير، واملغرب كان من بينها، أقله في ماض قريب. أشــــيـــ­ـاء ال تـــحـــدث عــــــادة إال فــــي املــجــتـ­ـمــعــات املوبوءة بالسلطوية الفجة. لـذا، يستبعد أن يـكـون األمـــر تعبيرًا عــن تــوجــه جـديـد للدولة املــغــرب­ــيــة، بـــل يــــرجـــ­ـح ارتـــبـــ­اطـــه بـــمـــسـ­ــؤول أو موظف سام، أخذته حماسة مفرطة، يسميها الفرنسيون ‪،Excès de zèle‬ فبالغ في الحذر، درءًا ملتاعب توجد في مخيلته فقط. الساحة الـسـيـنـم­ـائـيـة املـغـربـي­ـة شـــهـــدت، فـــي الـعـقـديـ­ن األخيرين، قضايا عدة في الرقابة املجتمعية على أفــالم، باالحتجاج عبر مواقع التواصل االجـــتــ­ـمـــاعـــ­ي، أو بــالــضــ­غــط عـــلـــى مــســتــغ­ــلــي الـقـاعـات لسحبها مــن الـبـرنـام­ـج، كالحاصل مع «فيلم» )2011( ملحمد أشـاور. كما قاومت السلطات عـرض «موشومة» )2011( للراحل لـحـسـن زيــنــون مــن دون قـــص أي لـقـطـة منه، رغـــم الـضـجـة الـتـي أثــارتــه­ــا بـعـض مـشـاهـده، فــي عـهـد الـــراحــ­ـل نـــور الــديــن الــصــايـ­ـل رئيسًا لـ«املركز السينمائي». هناك أيضًا «الزين لي فيك» لنبيل عيوش، الذي ال يزال ممنوعًا من العرض في املغرب، بعد سيل هلوسات صادرة عــن أشــخــاص لــم يــشــاهــ­دوه، بــمــجــّرد تـسـّرب مقاطع منه تزامنًا مع عرضه في «نصف شهر املـخـرجـن»، فـي الــــدورة الــــ86 13( ـ 24 مايو/ أيــــار )2015 ملــهــرجـ­ـان «كــــــان». أفـــــالم أجنبية تعرضت بدورها ملقص الرقابة، قبل عرضها في الصاالت التجارية: «سفر الخروج: اآللهة واملـــلــ­ـوك» )2014( لــريــدلـ­ـي ســكــوت، و«بــابــل» )2022( لداميان شــازل، الــذي تعرض ملجزرة من عشر قطعات. لكن املهرجانات كانت دائمًا واحات حرية، تنشد أفقًا نصبو إليه جميعًا: عـرض األفــالم باحترام تــام لحرمتها الفنية، بينما تـكـيـف ظـــروف منعها عـلـى الجمهور الــــقـــ­ـاصــــر، إن اســــتـــ­ـدعــــى األمــــــ­ـــر، وفــــــق نـــظـــام تصنيف متدرج وواضح ومبرر. بغض النظر عن غموض املعايير املتبعة في الرقابة على األفـــالم ـ املـعـروضـ­ة فـي الـقـاعـات املغربية في السنوات األخـيـرة، ألن منطق حجب مشاهد على مشاهدين «بالغن وملقحن»، ال يمكن فهمه أو تفهمه بأي حال ـ يرتبط قرار القطع غــالــبــًا بـجـسـد املـــــرأ­ة ومــشــاهـ­ـد الــجــنــ­س، كما

أشخاص ال تعرف خلفياتهم ونواياهم يتسلطون على السينما

فـــي حــالــة أفـــــالم عــــدة فـــي املــســاب­ــقــة الـرسـمـيـ­ة لـــلـــدو­رة الـــــ92 27( إبـــريـــ­ل/ نـيـسـان ـ 4 مـايـو/ أيار )2024 لـ«مهرجان تطوان لسينما البحر األبـيـض املـتـوسـط»، تـعـرضـت للرقابة. يبدو أن عـرابـي هـذه الـقـرارات ال يستوعبون أنهم، حن يختلسون من املتفرج مشهدًا من صلب الـفـيـلـم، يــخــلــو­ن بـالـحـركـ­ة نـفـسـهـا، بالحبكة واإليــقــ­اع، وبـجـو االنــدمــ­اج الــذي ترتكز عليه كل فرجة سينمائية. مثال، حن حرموا املهرجانين من متابعة لقطة حميمة بـن مـاريـا ورجـــل التقته في حفلة ليلية، في «قـرون» )2023( لإسباني خايون كمبوردا، عصفوا بتوازن خالق بن آهات املتعة في هذا املشهد، وصرخات األلم املنبعثة مــن حـنـجـرة امـــــرأة، وافــقــت مـاريـا على توليد جنينها في املشهد االفتتاحي. من دون هذا املشهد، ينتفي استيعاب طرح الفيلم: حق املرأة في الحرية واملتعة، بداية سبعينيات القرن الـ02، في إسبانيا املتسمة بالثقافة الفرانكوية. إثر عرض «قرون»، وجد املهرجانيو­ن أنفسهم يــخــوضــ­ون فـــي مــســألــ­ة الـــرقـــ­ابـــة ومـتـاهـات­ـهـا الـــعـــب­ـــثـــيــ­ـة، املــضــحـ­ـكــة واملـــبــ­ـكـــيـــة فــــي آن، بـــدل مـنـاقـشـة جــمــالــ­يــات الـفـيـلـم الــبــديـ­ـع وطــرحــه. ثـم خـطـورة وصـايـة أخـالقـويـ­ة تستنفد طاقة الدفاع عن أشياء يظن أنها بديهيات مكتسبة، وبدل السعي إلى حوار يستشف طرح األفالم ويـنـاقـش تفاصيلها. إضـافـة إلــى أنـهـا تهدد بـمـفـاقـم­ـة سـلـطـة الـــرقـــ­ابـــة الـــذاتــ­ـيـــة، املتفشية أصال إلى حد كبير في الوسط املغربي. طرح ضـيـوف املـهـرجـا­ن ســـؤاال على السينمائين املــــغــ­ــاربــــة: «هـــــل مــــن املـــعـــ­تـــاد حـــصـــول أشـــيـــا­ء كـهـذه فــي تـــطـــوا­ن؟». تـظـل نـظـرة الـشـك بـاديـة فــــي عـــيـــون­ـــهـــم، حـــتـــى عـــنـــدم­ـــا يــنــفــي املـــغـــ­اربـــة هـــذا. شـــيء طبيعي بحكم سمعة االستثناء، واملنسوب العالي لحرية التعبير السينمائي نسبيًا، التي (كان؟) يتمتع بها املغرب، مقارنة بـبـلـدان املـنـطـقـ­ة. مــن يــمــارسـ­ـون الــرقــاب­ــة على األفـــــا­لم يــهــدمــ­ون مـــا اســتــغــ­رق بـــنـــاؤ­ه عــقــودًا، ويسيئون إلى الصورة السينمائية للمغرب أمام ضيوفه، أكثر مما يتمناه ألد «أعدائه». في كلمة مقتضبة ألقاها في حفلة الختام، شكر إيليا سليمان، رئيس لجنة التحكيم، منظمي املـهـرجـا­ن، ثـم أســـر أنـــه «ال يرفض دعوة يتلقاها من املغرب». ال شيء يضمن في املستقبل، إن لم يقطع مع منطق الرقابة، أن يــفــكــر ســلــيــم­ــان وغـــيـــر­ه مـــن كـــبـــار الــفــن السابع مليًا، ولـو بغير وعــي، قبل العودة إلــى بـلـد تـقـص فـي مهرجاناته مقاطع من أفــــالم سينمائية. املـسـألـة أهـــم وأخــطــر من لقطة عري عابرة، أو مشهد حب بن بطلي فـــيـــلـ­ــم، يـــحـــجـ­ــبـــان فــــي قـــاعـــة مــظــلــم­ــة، وفـــي مهرجان سينمائي. كيف ينفرج صـدر من يضيق ذرعـــًا بـرؤيـة جسد أنــثــوي، ليتقبل رأيـــًا مـنـتـقـدًا، أو طـرحـًا مـخـالـفـًا؟ نـحـن هنا بـصـدد الــدفــاع عـن أشـيـاء تتعلق بالحرية ونموذج العيش املستقبلي، الذي نرتضيه ألنــفــسـ­ـنــا. الــــرهــ­ــان عــلــى الـــحـــق فـــي الـخـلـق والتعبير، من دون وصاية أو حجر من أي جهة كانت.

 ?? (الملف الصحافي) ?? «الزين اللي فيك» للمغربي نبيل عيوش: رقابة قبل المشاهدة
(الملف الصحافي) «الزين اللي فيك» للمغربي نبيل عيوش: رقابة قبل المشاهدة

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar