Al-Watan (Saudi)

مدارسنا ومفهوم الأمن الفكري المرتبك من غير المعقول أن ننادي بالأمن الفكري ومبادئه ونرفع شعاراته، ونحن نعلق على مداخل جدران مدارسنا، لوحات التهديد والتعذيب بالنار في وجوه طلابنا وطالباتنا

-

يحمل مشروع الأمن الفكري أفكارا وآمالا عظيمة، لإعادة صياغة قواعد جديدة لتقديم بعض المفاهيم التي تعرض بعضها للتشويه، وتم تقديمها إلى المجتمع بطريقة لا تحمل تعبيرا تاما لمعانيها السامية، وأهمها على الإطلاق، ما يتعلق بمضامين طرق التعلم والتعليم ومصادرهما، وهو جانب واحد مما يتطرق إليه مشروع الأمن الفكري، الواسع المفهوم الذي تندرج تحته العملية التعليمية بكاملها، والتي لم يعد بعضها يتلاءم مع المتغيرات الحديثة، على عدة مستويات، علميا وثقافيا وفكريا وإستراتيجي­ا، ولم تعد تحمل مؤهلات كافية لتبقى طرقا مناسبة للتعامل مع عقلية الأطفال والدارسين على اختلاف فئاتهم العمرية في كل المراحل، الأمر الذي وضع بعض المعلمين والمعلمات، بعيدا عن مواكبة التغيير الذي حدث في المناهج الدراسية، ومفهوم مشروع الأمن الفكري، الذي يقول أحد تعريفاته، إنه "الاطمئنان إلى سلامة الفكر من الانحراف الذي يشكل تهديدا للأمن الوطني أو أحد مقوماته الفكرية، والعقدية، والثقافية، والأخلاقية، والأمنية".

والذي أرى -من وجهة نظري- أنه محاولة لتكريس مفاهيم الاعتدال والوسطية في حياة المجتمعات الإنسانية، بما يكفل لها الحرية والكرامة والأمن.

ويؤكد المشروع على ضرورة التقيد بما جاء في التحديثات الأخيرة في المناهج الجديدة على مستوى التعليم وغير التعليم، لكن المستغرب جدا، أن يتم التجاوز عن ذلك، بقصد أو بغير قصد أحيانا، في بعض مدارسنا التي يقدم فيها العمل المهني بعض الشيء، لكنه ليس بالقدر المأمول الذي يوازي الطموحات، ويبدو أن ذلك سيستمر، ما لم يحدث تدخل حقيقي، يقلص من الأفكار العتيقة للتعليم، التي كانت مسيطرة في وقت ما، من خلال إبداء الملاحظات الدورية، على أنشطة المدارس والمعلمين، إذ لا يمكن أن يحدث التحول الفكري المأمول في ظل وجود بقايا تتناقض مع التطلعات لمستقبل الفكر والثقافة في المملكة، ولا يمكن أن يؤثر التغيير الشكلي في المناهج الورقية، دون أن يرافقه تطبيق فعلي لتفكير المعلم والمعلمة، يوازي حجم التغيير المرسوم داخل الكتب المدرسية، إذ من غير المعقول أن ننادي بالأمن الفكري ومبادئه ونرفع شعاراته، ونحن نعلق على مداخل جدران مدارسنا، لوحات التهديد والتعذيب بالنار، ونرسل الصور الترهيبية صباح كل يوم في وجوه الطالبات والطلاب.

لكم أن تتخيلوا، أن يبدأ أطفالنا يومهم بالنظر إلى لوحات تصور النار والعقاب والتهديد، والدعوة إلى ضرورة التقيد بارتداء الحجاب مثلا، من خلال لوحات تحمل عبارات تقول ضمنيا بالتهديد والترهيب، وتتخذها طريقة للنصح والتوجيه والدعوة، وصورا للنار تمثل عقاب الحريق!

بدلا من إرسال كلمات الترغيب التي ترفع الحس بالأدب والتأدب، وتنمي الإحساس بالمحبة للشيء، لا التهديد بالعذاب. فقد بُني الدين على أسس المحبة، لا على أسس الترهيب والوعيد، وظهر بالأفعال النبيلة لا القبيحة، على رفع مستوى الوعي لا على تغييبه.

وأظن أن ذلك ربما يعود إلى طبيعة مقاومة التغيير والتجديد، وهي المقاومة السلبية التي دائما ما ترتبط بالعقل الجمعي الذي تمت تربيته، وفق إرادة من يقف خلفه، دفاعا عما يراه مكتسبا خاصا، يمثل جزءا من معتقده أو تراثه -كما يظن- لعدم قدرته على استيعاب التغيير كسنّة كونية حتمية، لا بد من حدوث دورتها شئنا أم أبينا، والذكاء يكمن في فهم آلية هذه الدورة، والتحضير للتماهي معها، بما يتوافق وضرورات ما نريد له أن يستمر في المضي قدما بقوة، كالتعليم وتطوير قدرات ووعي المعلم مثلا، وهذا يفرض علينا استبدال بعض الأفكار التي لم تعد مناسبة، بأخرى تصب في صالح استمرار البناء وما نهدف إليه من رفع للقيمة التعليمية، وريادة المعلم مهنيا وثقافيا وفكريا، فالعالم يتحول من حولنا، ولن ينتظرنا على أية حال.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia