Al-Watan (Saudi)

لست على قناعتهم بمسيطر

-

يتلون فضاؤنا الاجتماعي بممارسات وسلوكيات توصف بالسلبية، وتنتشر بيننا انتشار النار في الهشيم، والغريب أنها مما يرفضه المجتمع في المجمل وفق معايير التنظير والمثل والأعراف التي تواطأ الناس على استهجانها، يرفضها نصياً لكنها مع ذلك تفرض وجودها لدى أغلب الناس على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم من شخص لآخر بعيداً عن إيمانه وتقواه، بل إن بعضها يحذرنا الدين من اختلاطها بالسلوك ولكنها مع ذلك تستغل باسم الدين، ومن أبرز هذه الأخلاقيات الرياء والنفاق الاجتماعي.

النفاق اصطلاحاً يعني إظهار الإنسان غير ما يبطنه، وأصل الكلمة يعود إلى النفق الذي تحفره بعض الحيوانات كالأرانب والسحالي وتجعل له فتحتين أو أكثر فإذا هاجمها عدو لافتراسها خرجت من الفتحة الأخرى، ولذلك سمي المنافق بهذا الاسم لأنه يجعل لنفسه وجهين يظهر أحدهما حسب حاجته ومناسبة الموقف له.

هناك نوع من النفاق الاجتماعي يتم تصنيفه بأنه نفاق محمود يدخل تحت مظلة »الذكاء الاجتماعي« إن صح الوصف وهو يسمى نفاقاً لكونه تكتمل فية دلالات النفاق من إخفاء الفكرة أو الرأي أو التوجه في موضوع ما، ولكن يختلف صاحبه في غرضه أو هدفه من هذا السلوك، لأنه عادةً لا ينتظر من هذا الشخص أي مقابل، يخفي ما بداخله ويساير من هم أمامه لعدة اعتبارات؛ إما احتراماً لكبر سنهم واختلاف زمنه عن زمانهم، ويرى أنه من الحمق الدخول في هذه النقاشات والجدالات فيسايرهم في مواضيعهم وأفكارهم، أو لأنه أمام أصدقاء العمل الذين يتحدون في فكرة تجاه موضوع معين وجداله معهم عقيم الفائدة، ليس من باب الخشية وإنما إيثارا لراحة البال بتحاشي الصدام الفكري والثقافي مع جماعة العمل وإبقاء الأمور معهم على ما يوجبه عملهم فقط.

وخارج إطار النفاق المحمود أو المقبول فإن النفاق يدخل في كافة جهات وأوجه حياتنا العلمية والعملية ويفسدها، وحتى لا يكون هذا نوع من الكلام المكرور الفضفاض سأطرح مثالاً لأحد أنواعه وهو الذي يتلبس لبوس الفضيلة ظاهرا ويخفي بداخله قناعات لا تتفق معه.

في كل مدارسنا التعليمية تجد بعض المعلمات لا يرتدين نفس الحجاب »العباءة« والزي خارج المدرسة وداخلها، فلدى الواحدة منهن عباءتان الأولى للمجتمع المثالي وللعمل في المدرسة والأخرى لحياتها الاجتماعية الطبيعية، وذلك احتراماً وتقيدا بتعاليم الوزارة والابتعاد عن الدخول في مشاكل مع إدارتها، ومع الوقت تتكون صورة لدى الطالبات عن هذه المعلمة الفاضلة.

خارج أسوار المدرسة تلتقي الطالبات بهذه المعلمة الفاضلة، ويتفاجأن باختلاف أفكارها وقناعاتها عما تدعيه في المدرسة، وهذا يولد لديهن شعورا ممتلئا بعلامات التعجب والاستفهام، ويتساءلن بحيرة وهن يبحثن عن إجابة شافية ترضي فضولهن حول هذه التناقضات، وبمرور الوقت وانتشار مثل هذه الأخبار بين الزميلات تنغرس في دواخل جميع طالبات المدرسة أفكار متناقضة ومعايير مزدوجة تجعلهن يمارسن هذا السلوك في بقية اتجاهات ومسارات حياتهن، والعيش في حياة ثنائية ما بين العالم الطبيعي الذي يبقين فيه كما هن، والأخر العالم الفاضل الذي يتصنعن فيه الفضيلة بالإكراه.

هذا فقط من أبسط الأمثلة على النفاق الاجتماعي الناتج عن ممارسة الفضيلة ظاهريا دون قناعة داخلية.

الإكراه على الفضيلة ومخاطبة الناس خارج قناعاتهم ومحاولة السيطرة على أخلاقهم وصفاتها دون الولوج إلى داخل أفكارهم ومحاورتهم وإقناعهم بالحسنى واللين والأسلوب الحسن الصادق والمنطقي يسبب النفاق والانفصام مما يجعلهم يتظاهرون بالفضيلة ويمارسون ما هو أسوأ من الرذيلة بالخفاء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia