Al-Watan (Saudi)

ازدواجية الأحزاب اليمينية تهدد بانهيارها

-

مع استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان في موسكو، يظهر جليا مدى رغبة بوتين في مواصلة سياسته الرامية إلى زعزعة استقرار نظام أوروبا الذي حافظت عليه القارة العجوز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويعتبر توقيت هذه الزيارة حاسما، نظرا لكون الانتخابات الفرنسية تقترب، ويحتدم التنافس عليها، وفيما تزور دول الاتحاد الأوروبي العاصمة الإيطالية روما للاحتفال بالذكرى الـ60 على مرور معاهدة روما التي تأسس بموجبها الاتحاد الأوروبي، اختارت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي التوجه نحو موسكو والتقاء الرئيس بوتين. بحسب المراقب لتصرفات الشخصيتين، بدا بوتين وكأنه يتصرف بكل رسمية، من حيث المصافحة اليدوية، ومضي ساعة ونصف الساعة من اللقاء في مكان رسمي لاستقبال زعماء وقيادات العالم، وكل ذلك من أجل إعطاء إحساس أن الشخصيتين يتصرفان بكل وضوح ولا يخفيان أي شيء عن الرأي العام، فيما تعول لوبن على هذه الزيارة من أجل التشبث بالدعم الروسي لإيصالها إلى سدة الرئاسة قبل شهر من دخول السباق الانتخابي. ظاهريا، قد يكون نفي الرئيس بوتين التقارير التي ترى أن موسكو تتدخل في السباق الانتخابي داخل أوروبا جيدا، إلا أن مسألة تفضيل مرشح على آخر، واستقباله بطريقة رسمية، واعتبار أنه يمثل طيفا واسعا من السياسة الأوروبية، قد تنسف النظريات الروسية، وتؤكد وجود تدخلات لدعم مرشح أو حزب ضد آخر. إن الشبح الذي يلاحق أوروبا منذ سنوات، هو غياب الاستقرار السياسي جراء الإرهاب، وبروز الفوضى في الأنظمة الاجتماعية الأوروبية التي لم تعهدها هذه القارة منذ قرون، فضلا عن كارثة تدفق المهاجرين من مناطق الصراع، فيما يرى بوتين أن منهاج لوبن هو الأنسب لإقامة نظام دكتاتوري يقوم على قتل المعارضين. إن الخطوة التي قامت بها موسكو لاستعادة شبه جزيرة القرم، ودعم نظام بشار الأسد في سورية، الذي فاق إجرامه المتطرفين الذين يتواجدون في البلاد، يعطي دلالة واضحة على رغبة بوتين في الرجوع إلى الطرق التقليدية المزعزعة لأمن الدول الأعداء، على غرار أوكرانيا والقوقاز والشيشان وغيرها. ويبدو أن مصير لوبن لو فازت في الانتخابات المقبلة سيكون مماثلا لبقية ضحايا روسيا، في وقت لا يمكن لأي أحد أن يصدق تحركات اليمين المتطرف في مزاعمه بضرورة عودة السيادة الوطنية الفرنسية والحرية المسلوبة والسياسة الخارجية. إن موسكو تحلم برسم حلف معاد للهيمنة الأميركية يبدأ من مياه المحيط الأطلسي وحتى جبال أوراسيا، حتى تضمن مناكفة واشنطن وتتصدى لها عبر حلفائها، إلا أن التقارير التي تحدثت عن زيارة لوبن إلى برج الرئيس الأميركي ترمب في نيويورك، تعطي دلالة عما ينتظر فرنسا من ازدواجية الخطاب السياسي للأحزاب اليمينية. إن مستقبل الحريات في فرنسا يعتمد على أوروبا كاملة بشكل أساسي، في وقت ينوي اليمين المتطرف الخروج من الاتحاد بأقصى سرعة بعد فوزه في الانتخابات، وهذا من شأنه أن يزيل كل الآمال حول إنعاش هذا الاتحاد المتأزم خاصة بعد خروج بريطانيا القريب. إن الأحزاب اليمينية في أوروبا ستصطدم بالشارع الأوروبي، الذي يريد البقاء في الاتحاد حتى يتم ترميمه وإصلاحه، بدليل رفضه في كل من النمسا، وهولندا على الرغم من الترويج لما يسمى بالإسلاموف­وبيا، وستكون آخر مرحلة له في فرنسا، وبالتالي فإن على القادة السياسيين أن يعيدوا إحياء روح معاهدة روما لكسر كل الأصوات التي تطالب بإلغائها، ويجب تجديد روحه بما يتوافق مع الروح الأخوية القائمة على المصالح المشتركة. صحيفة لوموند الفرنسية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia