Al-Watan (Saudi)

حقيقة الخصائص المشتركة بين ما يسمى باللغات السامية

Opinion@alwatan.com.sa فاكس: 0172273756

- محمد السعد

دعا عدد من الباحثين العرب المهتمين بالدراسات التاريخية واللغوية إلى ضرورة إعادة النظر في مصطلح (اللغات السامية)، والمسألة هنا لا ترتبط بإحلال مصطلح مكان آخر، وإنما تتعلق بتصور جديد يريد أن يحل محل تصور قديم.

فهذه التسمية التي يمتزج فيها الواقع بالخيال والتاريخ بالأسطورة، نريد أن ننظر إليها من واقعها الشرقي وليس من منظور غربي، لا يكف عن اعتبار الشرق مسرح الأسطورة والعجائب، مما أوحى لبعض الدارسين بالطعن في التسمية (بالسامية) والمناداة بتعويضها بأخرى أكثر تطابقا مع الواقع التاريخي للمنطقة.

الحديث عن السامية، سواء كانت لغات أو شعوبا أو ثقافات، إنما هو إقرار بمرجعية التسمية، فلا يوجد مرجع يؤكد حقيقة شخصية سام بن نوح سوى النص التوراتي فقط، وما يثير الاستغراب تبني كثير من الدارسين العرب لمثل هذه المفاهيم، بل ترديدها ونشرها دونما مراجعة أو تصحيح نقدي، فأصبحوا يستعملونه مجاراة وتقليدا لغيرهم، مما أسس لحركة مضادة من دارسين آخرين، تسعى إلى التخلص من هذا المصطلح الذي كان مهيمنا على الدرس اللغوي المقارن لفترات طويلة ولا يزال.

والحجة التي يحتج بها أنصار التسمية بالسامية هي وجود خصائص مشتركة وأوجه تشابه عدة، مما يعني وجود أصل واحد لها، وأن هذه اللغات تنحدر من أصل واحد أطلقوا عليه مسمى اللغة السامية الأم، وهذه التسمية علمية بحتة وليس لها أي اعتبارات عقدية أو طائفية كما يزعمون.

هذه الحجة مع ما تبطنه من التعتيم فهي تسطح القضية وتصرف الأنظار عن مواطن الانحراف عن العلمية الكامنة بين طياتها، فكون أن هذه اللغات بينها تشابه، فهذا صحيح. وإن كان افتراض أصل واحد لهذه اللغات هو افتراض لا يقوم على دليل مقنع، والتشابه في بعض الصفات لا يعود إلى أنها منحدرة من أصل واحد، لأن اللغات جميعها، بينها بعض الخصائص المشتركة، ذلك أن طبيعة الإنسان لا تختلف اختلافا جذريا بين شرق وغرب وشمال وجنوب، لهذا فمعظم الأصوات اللغوية مشتركة بين جميع الأمم. فإذا كانت لغات العالم جميعا بينها بعض التشابه، فإن لغات المنطقة الواحدة يكون التشابه بينها أكبر، لاعتبارات بيولوجية وفكرية وجغرافية، وهذا لا يقتضي بطبيعة الحال وجود لغة أم انحدرت منها هذه اللغات.

والتشابه بين ما يسمى باللغات السامية، يعود لأسباب عديدة، منها الهجرات العربية القديمة المتدفقة من اليمن بصفة خاصة، والفيض الثقافي الذي عرفته الجزيرة العربية الذي عم أرجاء واسعة، ومنها بكل تأكيد شرق إفريقيا.

فلا وجود لعنصر حامي ولا لعنصر سامي، وإنما هناك فقط العنصر العربي القديم الذي امتد إلى شرق إفريقيا منذ زمن مبكر واختلط بشعوبها فنشأ ذلك التشابه اللغوي الذي ذكره العديد من الباحثين.

وإن اللغات القديمة التي عرفت في الجزيرة العربية مع النازحين إلى الهلال الخصيب ووادي النيل والشمال الإفريقي منذ أقدم الأزمنة، وهذه اللهجات تأثرت بالبيئات الجديدة لغويا، وزاد هذا التأثير مع مرور الزمن، مما ساعد على تكوين لغات مستقلة عن الأصل العربي القديم.

وقد كتب الدكتور محمد سالم الجرح رأيه في هذا الشأن: »إن العرب والعربية أصل الشعوب واللغات السامية، بل إننا نستطيع أن نسمي الشعوب السامية كلها بالشعوب العربية، واللغات السامية كذلك باللغات العربية، فنحن نمثل الجذع الذي تفرعوا منه جميعا.«

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia