Al-Watan (Saudi)

جدلية الاستحقاق

-

بعد أي جائزة ثقافية أو إدارية، وعقب كل تكريم، تكثر الجدالات حول مدى أحقية الفائزين أو المكرمين، وقد يذهب بعض المجادلين إلى اقتراح أسماء بديلة يرون أنها أحق بالفوز أو التكريم، غير مدركين أن الاستحقاق من عدمه مسألة تقديرية تختلف من شخص إلى آخر، ومن فئة إلى أخرى، تبعا لاختلاف زوايا النظر إلى الأشخاص والأفعال والأفكار، وغير عابئين بأن تكريم الأحياء في ذاته، حسنة تمحو ما يوازيها من جدالات وآراء عاطفية تابعة للحب والبغض، وغير واعين بأن الريادة -بوصفها مُنطلقا له ما بعده واجتراحا يمهد الطريق أمام الأجيال- مبرر كاف لتكريم أي شخصية. قبل أيام، احتفى نادي أبها الأدبي من خلال »تكريم التميز«، بثلاثة كانت لهم ريادات حقيقية لا جدال حولها، مما يعني أن الجدل حول استحقاق أي منهم شبيهٌ بالقول المخالف في المُجمع عليه إجماعا لا مجال فيه لشبهة اختلاف، ولا حجة فيه لمن أراد أن يختلف للاختلاف؛ فأول المكرمين، وهو أحمد علي آل مانع عسيري، شاعر رائدٌ سبَقَ مرحلته، وغامر بالتجديد في إيقاعات القصيدة قبل حوالي سبع سنوات من ظهور أول ديوان تفعيلي سعودي، فضلا عن جرأته على النشر في وقت مبكر، واعتزازه بإبداعه إلى حد أنه طلب من قامة أدبية عالية كقامة محمد حسن عواد أن يكتب له مقدمة ديوانه الأول: »في متاهات الحياة«، وتلك مغامرة لا يقدم عليها إلا مبدع؛ لأن الإبداع يحتاج إلى شيء من الجرأة والثقة، وهو ما كان منه، برغم ما مر به في حياته من: اليتم، والفقر، والغربة. أما ثاني المكرمين، فهو د. إسماعيل بن محمد البشري، الذي استطاع الجمع بين جانبين يندر أن ينجح فرد في الجمع بينهما بعد البدء بأحدهما، وهما: النجاح الإداري، والتميز العلمي المشهود، فضلا عن أن أعماله الإدارية لم تكن ذات طرق ممهدة، وإنما كانت تأسيسا، وتغلبا على عقبات البدايات، وعليه فهو مؤرخ مُحقِق إداري لم يعبُرْ هذه الألقاب عبورا لا يستوعبه التاريخ، وإنما هو ذو البصمات الواضحات على الثلاث كلها، فأبحاثه في تاريخ عسير والمخلاف السليماني نبراس، ومنهجه في التحقيق أنموذج للدقة والأمانة العلميتين، ودوره الإداري في تأسيس التعليم العالي في منطقة عسير ظاهر منذ الفروع، مرورا بتأسيس جامعة الملك خالد، ثم إن نجاحاته هيأت له أن يتجاوز وطنه إلى إدارة جامعة الشارقة عبر خمس سنوات، حتى استقر مديرا لجامعة فتية تُؤسَس وتحتاج إدارتها إلى مثله، وهي جامعة الجوف. أما ثالث المكرمين، وهو القاص الكاتب تركي العسيري، فإن العارفين بتاريخه يتخيلونه مولودا وفي يده قلم، وفي خياله ألف صورة فنية لغوية أخاذة يرسمها -منذ خمسين عاما- بحروف تزداد توهجا كلما تعتقت اللغة في مخابئ حسه؛ ذلك أنه من أوائل كتاب القصة القصيرة الناضجة فنيا على مستوى المملكة، ومن المبكرين في كتابة المقالة، منذ كان يُحرر »صفحات من عسير« بمجلة المنهل قبل نصف قرن، ومنذ ذلك الحين بدأ ينشر قصصة القصيرة التي استوت له فنيا سنة 1397، لتظهر في صورتها الأزهى في مجموعته: »من أوراق جماح السرية«، التي أخذ بها المتلقين نحو وعي جديد من خلال تناوله السردي للمسكوت عنه في المجتمع السعودي، مما يعني جرأته المبكرة التي تنم عن وعي نقدي طليعي. كل ذي ريادة جدير بالتكريم؛ لأنه – حتما – ذو فضل على لاحقيه، ولاحقيهم إلى يوم الدين، فلا مساحات للمناورة أمام استحقاق الرواد الأوائل للتكريم.

tehani@awatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia