Al-Watan (Saudi)

ماذا يعني أن تخسر مبدعا

Opinion@alwatan.com.sa فاكس: 0172273756

- عبدالله الغامدي

لا خسارة في أي منشأة خاصة أو عامة تضاهي خسارة الإبداع وفقد المبدعين.. لماذا؟ لأن أحد المؤشرات الحيوية التي تؤذن بزوال أي منشأة -كما أجمع المتقدمون والمتأخرون- هو التفريط في الإبداع والمبدعين!

المبدع ليس مجرد عنصر بشري في منظومة القوى العاملة بقدر ما هو العامل الأقوى في جلب استثمارات مجدية وعوائد مقنعة لأي نشاط بشري، خصوصا حين تكون تلك المنشأة ذات إدارة عليا راشدة تعي تماما معنى وقيمة الاستثمار في العقول، وتنبذ العواطف وتتعاطى مع المستجدات برؤية عقلانية ديناميكية وبروح متجددة وجيدة في آن واحد... وحين تختفي كل هذه الأوصاف الذاكية فلا يمكن لعاقل أن يتردد ولو لبرهة في الحكم على سوء تلك الإدارة وتقزم تلك القرارات وهشاشة عظام وخشونة ركب ذلك الكيان!

الإدارة الفاسدة عادة تقصي المبدعين، لأن زوايا الرؤية لديها أضيق من أن تنفتح على حجم الإنجاز المتوقع.. نوكيا وقعت في هذا المأزق فخسرت تريليونات الدولارات في عدة أيام بعد أن كانت ‪market leader)‬ ( ومثلها جي أم في ديترويت التي لولا أن تداركتها رحمات دعم الحكومة الأميركية لأصبحت أطنان السوبربان والسيلفارا­دو والكاديلاك تباع بأقل من خمسين ألف ريال، هذا في حال نالت ثقة بعض من يقرأ المشاهد ليلا والأنوار مطفأة!

هذا المشهد المخجل لا يقف فقط عند القطاعات الربحية والخاصة، فالفقد والخسارة يطالان القطاعات العامة والحكومية أيضا حين يحيد الإبداع ويحجم المبدعون!

علي النعيمي -وزير البترول السعودي السابق ورئيس أرامكو الأسبقتحدث في برنامج من الصفر الرمضاني الذي يديره الأنيق مفيد النويصر وقال كلاما جميلا -لعل بعضكم سمعه- يجدر بأعداء المبدعين أن يقفوا عنده: يقول ذهبت إلى أميركا أثناء حرب الخليج واجتياح العراق للكويت لأحضر مشغلين من شركات حلفائنا هنالك لنقوم بزيادة ضخ البترول فيرتفع من 5 ملايين ببرميل إلى 8 ملايين ونيف، وأثناء فشلي في هذه المهمة تلقيت اتصالا من قيادي في أرامكو يعمل تحت إدارتي قال لي بالنص (المشكلة محلولة يأبو رامي سنجعل المتدربين من طلاب السنة الثالثة والرابعة بمعهد أرامكو ينزلون إلى حقول الإنتاج وسنغطي العجز).. وبمجرد انتهاء المكالمة انطلق علي النعيمي للمطار عائدا للسعودية، فذلك الموظف المبدع الذي ظهر في أحلك المواقف ليحيلها بياضا لم ينقذ أرامكو فحسب، بل استشعر المسؤولية وخدم الوطن ودفع بعجلة التنمية، وحقق نجاحا حمدته عليه إدارته ووطنه ومواطنوه!

المبدع لا يمكن أن يكون ممن أدمن الكرسي الإداري ولم يدمن الإنجاز الحقيقي والعائد المربح لمنشأته.. المبدع لا يمكن أن يكون مجرد ممرر معاملات ومحرر خطابات ورفيق مايك وسمير كاميرا.. هذه النسخة من المبدعين لهم عالم وهمي لا يليق إلا بهم... أما المبدع الحقيقي فهو الإكسير والترياق الناجع وقت المرض، والمنقذ وقت الأزمات، والمخلص في لحظات الكرب والجوائح والاختناقا­ت!

وغني عن القول إن للمبدعين أعداء ينالون منهم بطرق مكشوفة لم تعد تخفى على ابن الثامنة عشرة قبل كهل الأربعينات وعجوز السبعينات، أذكر منها على خجل واشمئزاز: إقصاء المبدعين بدعوى عدم الحاجة، تمكين المساكين فكريا بدعوى الرزانة، تقديم المفضول على الفاضل، تهميش المبادرات الخلاقة على حساب السناكس من الأفكار، تهويل الصغير من المنجزات حتى يسد الآفاق، غياب الرؤية الواضحة والذي يظهر عادة في صور قرارات متلاحقة وسريعة تظهر في وقت غير متوقع وتغيب في ظروف غامضة، تحاشي القياديين وأصحاب الفكر المبدعين في المنشأة وتصويرهم أمام مسؤولي المنشأة الكبار كخطر قائم، تجاهل نداءات الميدان الكادح والإصغاء لبرجوازيي الوهم، محاولة طمس المبدعين وإخفائهم وإقصائهم عن المشهد بكافة الطرق، وأخيرا وليس آخرا استخدام سياسة (الخصران يقطع المصران)، وذلك لغياب الحجة وضعف المسؤول الإداري وخوف الانكشاف في أول جولة مواجهة مع المبدعين ومن في حكمهم..

ولمن ابتلي بهذا الداء ويرجو أن يبرأ منه أقول: اتق الله أولا وأخيرا، واعلم أن ولي الأمر حينما يستخلف أحدا على مكان ما كبر أو صغر فهو يوكل إليه أمور الناس وطموحات الناس، وحاجات الناس وآمال الناس ومستقبل الناس بعد إرادة وتدبير رب الناس.. لذا فإن العبث بهذا السياج هو عبث في علاقة المسؤول مع ربه قبل كل شيء، ثم خيانة للأمانة والوطن والمواطن، وهل يقوى مسؤول واحد على مواجهة هذا الثلاثي المقدس في كل زمان ومكان.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia