Al-Watan (Saudi)

قمعرافااءة للفقراء الحالمين

-

ما إن تخرج إلى الشارع، وتفتش ما بداخل عقول الناس، حتى تشعر بالخيبة والقنوط من عقول بعض الشباب بوجه عام. هؤلاء الذين أخذتهم برامج التواصل الاجتماعي، وسرقت منهم أعمارهم دون أن يستغرقوا ساعة واحدة -ولو أسبوعيا- في قراءة كتاب فكري أو روائي واحد.

في رأيي لا يوجد سبب للبدائية في التفكير، إلا فقر القراءة، وكُساح الاطلاع على المعارف والثقافات.

لست متعاليا في كلماتي، ولكني متألم وحزين. فمتى يمكننا الخروج من نسق التفكير البسيط إلى آفاق ورؤية أكثر رحابة. فالقراءة هي الحل الوحيد الذي يمكننا تغذية وعينا الداخلي به، لنعيش حياة أجمل، وننهض بأنفسنا وبهذا الوطن، لنحيا حياة تملؤها الكرامة والحرية والسلام، من أجل عالم إنساني يمتاز بكل مثاليات وفلسفات الأرض وأديانها.

وفي المشكلة التي أراها الأكثر تعقيدا، أولئك الذين تم سجنهم في سجون مؤبدة، داخل جمجمات القدامى، مما جعلهم كالمياه الراكدة، دون تغيير أنفسهم لما هو أفضل، حتى في التفكير المحبط الذي لا يتحرك مع عجلة هذا العالم السريع، بينما القليل جدا عرف كيف يكون -للأسرة والشارع- الدور الكبير في تشكيل الفكر الديني والفلسفي لكل منا. ولا بد أن نحاول الارتقاء من إيمان الميلاد الذي ورثناه، إلى الإيمان الحقيقي واليقين العقلي، وأن نترك -لهذا العصر الجديد- الفرصة لتشكيل أفكارنا، وآرائنا، بشكل أفضل وأوسع لهذا العالم الفسيح.

ما يُحبط الشاب المثقف المؤمن بالاختلافا­ت، والتناقضات، بين شعوب العالم ودياناتها، إن أراد الدخول إلى مجلس ما، في مجتمعاتنا العربية، أنه لا بد أن يخلع أفكاره، ويركنها جانبا، خوفا من الاتهام بالزندقة، ولأنه سيكون في نظر كثيرين شخصا شاذا فكريا، وكل شخص لا يشبه فكرهم لن يكون جميلا.

أما نحن أبناء البسطاء، الذين واجهتنا العازة، والحاجة، في مراحل ليست بالقصيرة من حياتنا، بقينا متحفزين، لكل جديد يرفع من مستوانا المعيشي والفكري، وكان آباؤنا يهمسون داخل أرواحنا، بأن العظماء يولدون من رحم القسوة، والمعاناة، التي تعشش داخل البيوت الأكثر فاقة، لذا تجدهم أنهم الأكثر حرصا على المعرفة والتعلم، حتى يعوضوا انكساراتهم المادية بالمعرفة.

لذا، يقول مارسيل بروست »الحياة الواقعية، هي آخر ما يكتشف وينور. وأن الحياة الوحيدة التي تُعاش بكاملها هي الأدب .«

لذلك، اتفقنا وبروست، على أن الحياة الأكثر كمالا، هي حياة الأدب، ولا شيء غيره، لهذا اتخذوا القراءة طريقهم، وحبلهم الوحيد، ليساعدهم في فهم الحياة، وعيشها بطريقة أفضل.

وبالنسبة لي، كانت الصدفة مع أول كتاب وجدته جانب حاوية للنفايات، قرأته، واستمتعت به، لأنه كان خارجا عن السياق التعليمي، فكان أول نافذة اطلعت منها لعالم القراءة، ومنذُ ذلك الحين وأنا كلما مررت بحاوية صافحتها بعيني سريعا، طمعا في كتاب آخر.

وبدأت أقرأ، وكان عقلي يهضم كل ما يقرؤه بوعي وبغير وعي، ولكني كنت أثق داخلي في أن القراءة لن تقودني إلى ضلال.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia