أوروﺑﺎ ﺗﺤﺘﺎج اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻌﻴﺶ دون أﻣﻴﺮﻛﺎ

ﻗﺒﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎم ﺷﺎﻫﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ أن دوﻧﺎﻟﺪ ﺗﺮﻣﺐ أﺻﺒﺢ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟـ54 ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة. وﰲ أوروﺑﺎ أﺷﺎر ﺗﻮﱄ ﺗﺮﻣﺐ اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ إﱃ ﺑﺪاﻳﺔ وﻗﺖ ﻏري آﻣﻦ وﻏري ﻣﺘﻮﻗﻊ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﻋﱪ اﻷﻃﻠﴘ. ﻛﻤﺎ وﻋﺪ ﺗﺮﻣﺐ ﺑﻮﺿﻊ »أﻣريﻛﺎ أوﻻ«، ووﺻﻒ ﺣﻠﻒ ﺷﻤﺎل اﻷﻃﻠﴘ »اﻟﻨﺎﺗﻮ« ﺑـ»ﻋﻔﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺰﻣﻦ«، ﻛﻤﺎ ﻳﺨﴙ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻮن واﻟﺼﺤﻔﻴﻮن واملﻮاﻃﻨﻮن ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒﻲ املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﴘ ﻣﻦ ﻓﺘﻮر ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻣريﻛﻴﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ، وﻳﻜﻔﻲ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ اﻷﴐار اﻟﺘﻲ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﺗﺮﻣﺐ ﻋﱪ اﻷﻃﻠﴘ ﰲ ﺳﻨﺔ واﺣﺪة. ﻫﻞ ﻗﻮﺑﻠﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﺑﺎﻷﻓﻌﺎل؟ وﻣﺎذا ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﺧﻄﺎﺑﻪ ﻋﻦ ﻗﻮة اﻻرﺗﺒﺎط ﺑني أوروﺑﺎ واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة؟ إن ﺧﻄﺎب ﺗﺮﻣﺐ اﻟﻘﻮي ﺧﻼل اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻴﺔ، اﻟﺬي أدان ﻓﻴﻪ ﻧﺨﺒﺔ واﺷﻨﻄﻦ وﻧﻬﺞ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ، ﻳﻌﻨﻲ ﺿﻤﻨﺎ أﻧﻪ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎملﻲ اﻟﻠﻴﱪاﱄ ﻧﺤﻮ ﻧﻈﺮة ﻋﺎملﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻋﺰﻟﺔ. ﻟﻘﺪ ﺗﻌﻬﺪ ﺗﺮﻣﺐ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﺗﺮﻛﺔ اﻟﺮﺋﻴﺲ أوﺑﺎﻣﺎ، ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻬﺪ ﺑﺎﻻﻧﺴﺤﺎب ﻣﻦ اﻟﱰﺗﻴﺒﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ املﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻣﺜﻞ اﻻﺗﻔﺎق اﻟﻨﻮوي اﻹﻳﺮاﻧﻲ، واﺗﻔﺎق املﻨﺎخ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ، واملﻔﺎوﺿﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻷﻃﺮاف، ﻣﺜﻞ اﻟﴩاﻛﺔ ﻋﱪ اﻟﺘﺠﺎرة اﻷﻃﻠﺴﻴﺔ واﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﻣﻊ اﻟﺤﻠﻔﺎء اﻷوروﺑﻴني. وﻟﻜﻦ، ﺑﻌﺪ ﻓﱰة وﺟﻴﺰة، اﻋﺘﻤﺪ ﺗﺮﻣﺐ ﻟﻐﺔ أﻛﺜﺮ ﻧﻌﻮﻣﺔ، ﻣﺪﻋﻴﺎ أن اﻟﻨﺎﺗﻮ »اﻵن ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻋﻔﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺰﻣﻦ«، وأﻋﻠﻦ أﻧﻪ »ﺻﺎﻟﺢ ﺗﻤﺎﻣﺎ« ﻟﻼﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ »اﻟﺮاﺋﻊ«. وﺗﻤﺎﺷﻴﺎ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﺗﻘﻢ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺑﺄي ﺗﻐﻴريات ﻋﲆ إﺳﻬﺎم ﻗﻮاﺗﻬﺎ ﰲ اﻟﻨﺎﺗﻮ. وﺣﺪﺛﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﰲ ﻣﺠﺎﻻت أﺧﺮى ﻟﻠﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ، ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻌﻴﺾ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻘﻮي ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎ ﺑﻤﻮاﻗﻒ أﻛﺜﺮ اﻋﺘﺪاﻻ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺗﺮﻣﺐ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺸﻜﻞ إﻳﺠﺎﺑﻲ ﻋﻦ ﺑﻮﺗني، ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل، ﻓﻘﺪ ﺗﺮاﺟﻊ ﻋﻦ ﺧﻄﻄﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﺮﻓﻊ أو ﻋﺪم ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺗﺮﻣﺐ ﻧﺪد ﻣﺮارا ﺑﺎﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺑﺎرﻳﺲ ﻟﻠﻤﻨﺎخ، واﻻﺗﻔﺎق اﻟﻨﻮوي ﻣﻊ إﻳﺮان، إﻻ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﻫﻨﺎك )ﺣﺘﻰ اﻵن( أي ﺗﻐﻴري ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ. ﻫﻞ ﻫﺬا اﻟﻨﻘﺺ ﰲ ﺗﻐﻴري اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻳﻌﻨﻲ أن ﺗﺄﺛري ﺗﺮﻣﺐ ﻋﲆ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻋﱪ اﻷﻃﻠﴘ ﻛﺎن ﺣﺘﻰ اﻵن ﺿﺌﻴﻼ؟ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻷوروﺑﺎ، ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺼﺪع ﻫﻮ دﻋﻮة اﻻﺳﺘﻴﻘﺎظ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺰﻳﺎدة اﻟﻠﻌﺒﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺑﺪء اﻟﺘﻌﺎون اﻟﻬﻴﻜﲇ اﻟﺪاﺋﻢ )ﺑﻴﺴﻜﻮ(، ﺳﻴﺤﺘﺎج اﻷوروﺑﻴﻮن إﱃ إﻋﺎدة اﻟﺘﻔﻜري ﰲ اﻋﺘﻤﺎد اﻟﻘﺎرة ﻋﲆ ﺣﻠﻔﺎﺋﻬﺎ اﻷﻣريﻛﻴني. وﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أن أوروﺑﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ ﺗﺤﺎﻟﻒ ﺗﺎرﻳﺨﻲ، وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻏري اﻟﻮاﻗﻌﻲ اﻟﺘﻔﻜري ﺑﺄن أوروﺑﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮي اﻷﻣريﻛﻲ، ﺑﻞ إن اﻷﻣﺮ ﻳﻌﻮد اﻵن إﱃ أوروﺑﺎ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮازن ﺑني ﺻﺪاﻗﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻷﻣﺪ وﺟﺮﻋﺔ ﺻﺤﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺻﻨﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ، ﻓﻠﻘﺪ ﻇﻠﺖ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻋﱪ اﻷﻃﻠﴘ ﺗﺘﻐري ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات.

* ﺑﺎﺣﺚ ﺑﻜﻠﻴﺔ ﻟﻨﺪن ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد )ﻧﻴﻮزوﻳﻚ( اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ