Al-Watan (Saudi)

الموت حق والفراق مؤلم

- عبدالله فدعق

يعد الشاعر (ابن النبيه) ـ كمال الدين علي بن محمد بن الحسن المصري ـ أحد أهم شعراء العصر العباسي، ومن أبرز الذين تميزوا بالرقة، والغرام، والألفاظ اللينة، وعدم التكلف؛ له قصيدة مشهورة مطلعها »الناس للموت كخيلِ الطراد.. فالسابقُ السابقُ منها الجوادْ«، تضمنت بيتا ثالثا رائعا، يردده كثير من الناس، وخصوصا عندما يصاب أحدهم بفقدان صاحب أو عزيز؛ وهو قوله: »المَوْتُ نَقَّاٌد عَلى كَفِّهِ.. جَواهِرٌ يَخْتارُ مِنْها الجِيادْ«؛ يصف فيه اختيار الموت لأصفيائه، وأنه يختار الأخيار، باحتراف ودقة، وفي مواعيد محددة، لا يمكن أن يعلم بها إلا الخالق الأوحد، سبحانه وتعالى؛ ووجدت انطباق بيت (ابن النبيه) على أخي الأصيل، المهندس الشاب، السيد محمد بن حسين بلخي، الذي نعاه إلي الناعي، مساء السبت قبل الماضي، بعد أن فاجأته السكتة القلبية، ولم تمهله أكثر من دقائق معدودة، رحل بعدها إلى جوار خالقه الرحيم، بعد أن خلف وراءه أما مكلومة، وأسرة صابرة، وأصدقاء أوفياء، وسيرة جميلة كجمال خِلقته، ونقية كنقاء خُلقه، ومسيرة عملية يشهد له بها من عرفه، ومن سمع عنه؛ رحمه الله رحمة واسعة، وعوضه الجنة ونعيمها، وجبر محبيه..

لا أشك أبدا في أن غالب الذين يفارقون هذه الدنيا، ويرحلون عنها في غمضة عين، هم أفضل من كثير من الأحياء، في كثير من القيم والمُثل والمكارم الظاهرة، وحظهم أيضا من طهارة القلب، والقرب من الله تعالى غير قليل؛ وهنا يأتي الفهم الدقيق لحديث »كَفى بالموتِ واعظاً«، وأن من مواعظه أن كثيرا من الموتى، يمنحون بموتهم الدروس لكثير من الأحياء، ومن هذه الدروس أن الموت أمر حقيقي، ومسألة قريبة، ولا يمكن أن ينجو من حتميته أحد؛ قال الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}؛ أي يتمتع بها من يغتر بها.

قبل أربع سنوات كتبت هنا مقالا بعنوان (فلسفة الموت)، ولعلي أزيد عليه هنا، أن الإنسان يعيش في هذه الحياة، ما شاء الله له أن يعيش، ثم يرحل، وبين فترة حياته ورحيله، يرى مصائر الأقارب والأباعد قبله، فما على من وفقه ربه؛ إلا أن يُصبِّر نفسه، ويزيد من يقينه في أن الموت مرحلة أخرى عظيمة لا تقاس بمرحلة الدنيا، وأن الحياة الدنيا ليست إلا ممراً يعبر به المرء للوصول إليها، وعن ذلك يقول سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فيما رواه الإمام البخاري: »ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل .«

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia