Al-Watan (Saudi)

قزع اللاعبين إلى أين نحن ماضون

- محمد فايع

الرياضة بكل فنونها وألعابها، هي في الأساس »ثقافة« لأنها تتجاوز مفهوم القيام بحركات جسدية أو اللعب بالكرة، أو تنمية عضلات تكسو الجسم، أو ممارسة هواية؛ إلى مفاهيم أوسع من ذلك، فهي تربي الناشئة على التنافس الشريف، وتكسب ممارسيها الأخلاقيات الرياضية كالتواضع عند النصر والابتسامة عند الخسارة، وتدعو إلى استثمار أوقات الفراغ، كما أنه بالرياضة يمكن اكتساب الصحة المثالية، ويمكن مكافحة السمنة والكثير من الأمراض التي بدأت تستشري في المجتمع بنسب عالية، كأمراض القلب والضغط والسكري وغيرها، كما أنه يوصى بها من أجل طرد الاكتئاب، والحصول على لياقة جسدية تدعم نشاط الجسم، وغير ذلك، إذاً فهي ليست كرة وحركة، بل هي أشمل من كل ذلك في حياة الإنسان، ومن يتأمل بعض الشعوب التي تميزت في مجالات الرياضة، سيرى أنها أصبحت تشكل هوية لهذا البلد أو ذاك، وتعكس عناوين ذات مفاهيم حضارية عن الشعوب الممارسة للرياضة.

اليوم ومع انفتاح العائلات على الملاعب، واصطحاب أفراد الأسر أطفالهم إلى حضور مباريات كرة القدم، فمن المؤكد أن الأطفال الصغار حين يرون بعض اللاعبين من نجومهم المفضلين الذين يلعبون في أنديتهم، أو من اللاعبين النجوم المعروفين، بدون شك أنهم سيتأثرون بهم وسيسعون إلى تقليدهم، فالطفل كما يقول علماء التربية كالإسفنجة يلتقط كل ما يراه وسرعان ما يقلده، ولهذا فهو بحاجة دائمة إلى رعايته وتغذيته تربويا وثقافيا وتعليميا حول ما يفعله وهو صحيح، وما يجب أن يتجنبه إذا كان ضارا أو فعلا سلبيا، بل هناك دراسات تربوية منها ما قرأته، ونشره »معهد جيزيل« أن الطفل عندما يبلغ عامه الأول يبدأ دماغه في استقبال المعلومات وكل ما يستطيع التقاطه ببصره وسمعه، ويقوم بتقليده فورا! كما تشير طبيبة مختصة في علوم الأطفال العصبية بأحد المراكز الأميركية، تدعى »لورا لوبين« إلى أن الطفل يبدأ في تقليد تعابير وجه أمه وأبيه، ويزداد ذلك التقليد كلما كبر! واليوم تشاهدون أطفالا في أعمار الزهور تبدو عليهم قصات القزع وغيرها، فلا تتعجبوا كثيرا، فهم يقلدون كل ما يرونه في المجتمع، وتلحظون ذلك في الأماكن العامة عندنا برؤية شباب وقد أرسلوا شعورهم حتى منتصف ظهورهم، ومنهم من يربط شعره بربطات الشعر »كالبكلة أو المطاط« ومنهم من يقوم »بضفره« على الطريقة الإفريقية في مشاهد لم تكن من قبل.

ومن سيأتي إلى الملاعب الرياضية، أو يشاهد المباريات الكروية عبر الفضائيات تحديدا في ملاعبنا السعودية، سيلحظ أن ما أتحدث عنه من المظاهر الدخيلة على ملاعبنا، ظهور »قصات شعر« شاذة وغريبة وبصورة لافتة لم يسبق لمجتمعنا معرفتها، وتعد مخالفة لعاداتنا وتقاليدنا، وهي حقيقة من السلوكيات التي وفدت إلينا من الملاعب العالمية، منها على الأخص قصة الشعر المسماة »القزع«، وهي عبارة عن قص أو حلق أطراف الرأس كلية، وترك شعر خفيف في مقدمة الرأس أو في أعلاه، والمسألة ورد حولها ما ذكره ابن عمر رضي الله عنهما قال »نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع« وورد أن صبياً أتُي به لرسول الله، وقد حُلق بعض رأسه وترك بعضه، فقال »احلقوه كله أو أتركوه كله« سواء صح هذا الحديث أو ضعف، فهو يتسق مع الفطرة السليمة، فانتشار هذه التقليعات من قصات الشعر الشاذة، كإطالة الشعر وربطه كما تفعل النساء، أو رسم فراغات في الرأس تشير إلى حروف أو أرقام على شكل ممرات، أو ما يسمى بالعامية بـ»الفرق« كما يفعل نجوم الملاعب الأوروبية، أو »ضفر الشعر« بحسب الموضة الإفريقية وغيرها، جميعها تعد من التقاليع الشاذة على رؤوس اللاعبين في ملاعبنا السعودية؛ سيشعر وكأن الأمر قد تُرك للاعبين أو سمح لهم بفعل ذلك، وكأن هذا الأمر من حرياتهم الشخصية مع تجاوزها على عادات وتقاليد مجتمعنا المحافظ، أو أن هناك تراخيا في تطبيق أوامر تنص على أن تلك التقاليع ممنوعة في الملاعب السعودية وغير مسموح بها، نقولها بكل صراحة للمسؤولين عن الرياضة في بلادنا، وصدقوني إن تُرك الأمر بدون حزم، أو بدون العمل على وقف هذه الموجة المخترقة لملاعبنا، ستتحول بين عشية وضحاها

نحن مقبلون على متغيرات اجتماعية، وتحديات عالمية تعيشها منطقتنا، يجب معها تنمية عقول أبنائنا بمفاهيم دينهم السمح الوسطي المعتدل، وتزويدهم بالعلم والمعرفة لمواجهة التحديات

إلى إحدى الموضات في مدارسنا، وقد بدأت، مما سيجد المربون أنفسهم مع تحديات تربوية أخرى في ساحات التعليم، فإن تلك التقاليع ستأخذ مدى أوسع، وسنرى بعض اللاعبين سيتحول »همهم« الذي سيصرفهم عن مستوياتهم الرياضية؛ إلى التفكير كثيرا كيف سيبدون بقصات غريبة وتقاليع في المباريات القادمة، وهذا على حساب أهداف الرياضة.

إن من الأفضل لنا كبلد له واجهة ومكانة في قلوب الملايين من العرب والمسلمين والعالم، مكانة دينية وسياسية واقتصادية؛ معالجة الأمر قبل استفحاله، وقبل أن تتحول الذرات الصغيرة إلى أكوام يصعب حلها أو إزالتها، فأطفالنا أصبحوا يسيرون في ركب التقليد الأعمى دون تمييز لهؤلاء اللاعبين، وأصبحت صوالين الحلاقة تروج لمثل هذه التقاليع وغيرها، ولا تمانع في تقديمها كواحدة من موضات أو قصات الشعر لزبائنها، مع أن كثيرها »مقزّز« ولا يمكن تخيلها تعلو رؤوس أطفالنا الذين نحرص على تنشئتهم تنشئة سليمة، لا يجب أن نهوّن من الأمر ونحن مقبلون على متغيرات اجتماعية، وتحديات عالمية تعيشها منطقتنا، يجب معها تنمية عقول أبنائنا بمفاهيم دينهم السمح الوسطي المعتدل، وتزويدهم بالعلم والمعرفة لمواجهة التحديات، وأخشى ما أخشاه أن نرى غدا من اللاعبين من »يوشم جسده« بما يسمى »التاتو« ولا يجد من يمنعه.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia