Al-Watan (Saudi)

معالجون يطبقون ميكانيكا السيارات على البشر

- سعود الشهري

قبل بضعة أيام نشرت إحدى الصحف المحلية خبرا مفاده القبض على رجل مسن من جنسية عربية يمارس الدجل مدعيا مهنة الطب في علاج العمود الفقري في شقة خاصة، ويتقاضى على هذا مئات الآلاف شهريا، ليس هذا فحسب، بل أفاد هو في التحقيق المبدئي أنه على هذا الحال منذ خمس عشرة سنة!

والحق أنه ليس هذا الوافد فقط من التبس ثوب الدجل، فغيره الكثير من المواطنين ممن يدعون العلاج الشعبي لهذا العمود الفقري المسكين، ومنهم من يدعي علاج الجلطات بواسطة »سيم« حديد أو علاقة ملابس، لا يتجاوز سعرها عشر هللات! وكأنه توصل إلى ما لم تتوصل إليه جامعة هارفارد في علاج الجلطات ويبث فيديوهات لا يعلم عن مدى صحتها ليغري بها المرضى »المساكين«! وآخر يدعي العلاج الطبيعي لآثار الجلطة بجلسة واحدة تبلغ 5000 ريال، مدعيا ما يشابه الوحي تنزل عليه أو ورثه من جده الذي لم يكن بالطبع خريجا من جامعة أكسفورد! وليست النتيجة »لا نتيجة«، بل ربما يتحول ألم ذلك العمود الفقري »المظلوم« إلى انزلاق غضروفي من الدرجة الثالثة ولربما وبقوة تحول الأمر إلى شلل! وذلك بعد أن يعلق المريض برجله بالسقف ويحدر رأسه للأسفل باتجاه الأرض ويسحبه بقوة ليعمل ما نسميه طبيٍّا في علم العظام TRACTION، لكنه هنا »تراكشن« من نوع آخر لم يعرفه حتى الطب الفرعوني! ولربما اقتبسه من عمليات »كبس« عكوس السيارات! وآخر يشبهه لكنه يستخدم جهاز الحفر »الدريل« ويستبدل رأسه الحاد بجسم مسطح ليعمل علاجا طبيعيا للعمود الفقري!

ومعالج »قاتل« آخر يشتري دواء METFORMINE المستخدم للسكري، والذي لا تتعدى قيمته 15 ريالا ليحول هذه الحبوب إلى مسحوق يخلطه بأي عشبة يجدها على الطريق ثم يضعها في علبة ليبيعها بـ500 ريال، مدعيا أنه صاحب براءة الاختراع! ويذيل اختراعه بوصية للمريض »اترك عنك المستشفيات ما عندهم شيء«!!

في النظر في هذا الحال نرى بلا شك أن »ضعفين« هما »ضعف الخلفية الثقافية« لدى المرضى والتعلق بـ»القشة« كمريض، والثاني ضعف الرقابة، هذان الضعفان هما الداعمان الأساسيان لتواجد هؤلاء الدجلة، ولك أن تضيف ثالث »الأثافي« وهو المواعيد المطولة الطائلة الطويلة المستطيلة من قبل وزارة الصحة، ولك أن تسألني »كيف«!؟

فأقول موطئا: لا تستغرب أن يأتيك مريض يحدثك عن موعده بعد 5 سنين!

وفي حال أفضل من ذي »الخمس سنين«، يأتي مريض آخر إلى طبيب المركز الصحي فيكتب له تحويلا بموضوعية ويكون تصنيفه »عاجلا« -فضلا عن الفوري- فيستقبله طبيب المستشفى العام ويعاين الحالة ويتيقن بضرورة إخضاعها لإجراءات العلاج عاجلا، لكنه سيصدم بعدم توفر سرير! فيصبح الموعد »العاجل« »اختياريا« بقدرة قادر! وسينتظر هذا المريض أربعة أشهر على أفضل حال، فيخرج هذا المريض منتظرا هذا الموعد »البعيد« وهنا تبدأ القصة، فيبدأ ينصاع للنصائح »المجالسية« الخاطئة الموصية بالمعالج فلان والمداوي علان اللذين لا يملكان من العلم شيئا سوى »جيوب« أثقلتها الأموال المكتسبة بغير حق!

هؤلاء المعالجون »الدجالون« سيستقبلونه بحفاوة بالغة قد

يجب إجبار الاستشاريي­ن على أداء مهنة الطب ببساطة، وعدم ترك العيادات للأخصائيين أو الأطباء المقيمين وتحديد نصاب واضح كامل من العيادات اليومية يلزم الاستشاري بالانخراط فيها

افتقدها في المستشفى ليتطلعوا بشغف إلى كم من الممكن تحصيله من هذا المسكين، والحقيقة إن هذا المسكين محظوظ جدا إن كانت الإصابة انتحت »جيبه« فقط، فالكارثة أنها قد تتعدى الجيب إلى شلل أو ربما وفاة، فلا سبيل إلى معرفة غريمه »المعالج« الذي يتخذ شقة مجهولة المعالم ليقبض مبلغا ما ثم يغيرها لئلا يستدل عليه!

والحق فإن على الوزارة المسؤولية الكبرى تجاه هؤلاء المرتزقة، من ناحيتين: أولاهما الاضطلاع بالرقابة الصحية وتفعيلها، وثانيتهما دراسة ما الأسباب التي أجبرت هؤلاء المرضى إلى الالتجاء لهؤلاء الوحوش الماصة للدم!

وقد كان جميلا جدا لو أن وزارة الصحة قامت بدورها التوعوي لتنبه المجتمع عن هؤلاء، فلم أر شخصيا -وربما كان- دورا توعويا واحدا يتحدث عن دجل معالجي الجلطات الشعبيين، أو حتى هؤلاء الذين يعالجون الجهاز العصبي وعموده الفقري في غرف وشقق مزوية عن كل نظر! أو أصحاب الخلطات »السحرية« الوهمية التي تشفي من السكر للأبد والضغط والفشل الكلوي! وما هي في الحقيقة إلا السم الزعاف!

لم أر »برشورا« واحدا أو مقطعا تلفزيونيا ولو بـ20 ثانية يثقف الناس عن تركيبة العمود الفقري الحساسة المعقدة! وقس على ذلك الكثير.

من المحبذ جدا أن تنظر الوزارة في أمور مترابطة وهي باختصار التثقيف ضد هؤلاء الدجالين، وتوسيع المستشفيات وإنشاء المدن الطبية -كتلك المدينة الطبية المنسية في عسير والتي سنفرد لها مقالا خاصاإنشاء هذه المدن لتستوعب التضخم السكاني الذي بلغ 2.2% عام 2016، وإعادة هيكلة آلية المواعيد بشكل سلس واضح، وإجبار الاستشاريي­ن »وبعضهم العائمين في أبراج عاجية« على أداء مهنة الطب ببساطة، وعدم ترك العيادات للأخصائيين أو الأطباء المقيمين، وتحديد نصاب واضح كامل من العيادات اليومية يلزم الاستشاري بالانخراط فيها و»ليُجْذب« كل استشاري من وراء المكتب الفخم وليترك الأعمال المكتبية عنه جانبا، وليتذكر أنه في نهاية الأمر »طبيب« لا خريج إدارة أعمال ولا محاسبة! وما زلنا جميعا نعلق الآمال وبقوة في معالي وزير الصحة ، وهو -كما أعتقد جازما- أهل لها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia