Al-Watan (Saudi)

لنبدأ بجملة مفيدة

- ميسون الدخيل

إن عدم احترام المعلمين ليس خاطئا من الناحية الأخلاقية فحسب، بل إنه عامل مدمر للنظام التعليمي بأكمله، فمن منا لا يتذكر معلما واحدا على الأقل كان له تأثير عميق في حياته، معلم ساهم في تشكيل ما نحن عليه اليوم؟ فالمعلم هو مركز منظومة التعليم وإن لم نعد لهذا المفهوم نكون قد صرفنا الوقت والمجهود والمادة في الاتجاه الخاطئ! الآن حين ننتقد أمرا يعتبر حيويا وهاما بالنسبة للطلبة والتلاميذ، لا يعني أننا نقلل من شأن المدرس أو الطالب، بل كل ما نريده هو إلقاء الضوء على بعض النقاط حتى تتم عملية التعليم على أكمل وجه، ولا نُصدم بطلبة تنقصهم مهارات أساسية منها مهارة الكتابة التي هي محور مقالة اليوم.

خلال مسيرة الطالب في الجامعة سوف يُطلب منه أن يمارس الكتابة من خلال أشكالها المتنوعة، قد يكون على شكل واجب منزلي؛ مثل كتابة الخبرات الشخصية أو عن آخر المعلومات المكتسبة، وقد يكون على هيئة بحث، حيث تتم الاستعانة بمصادر خارجية، وهنا لا يحتاج الأمر إلى مهارات التفكير فحسب بل أيضا إلى مهارات إعادة الصياغة والتوثيق، وربما يطلب منه أن يكتب مقالة خلال فترة زمنية محددة خلال المحاضرة أو خلال اختبار دوري، وإن لم يكن الطالب متمكنا من مهارات الكتابة سوف يجد نفسه في حالة حرب مع المادة ومع من يدرسها له!

خلال مسيرتي كأستاذة جامعية، وهي طويلة، واجهت هذه المشكلة مع الكثير من الطالبات! وجدت أن ضعف مهارات الكتابة لم يكن فقط في اللغة الإنجليزية بل أيضا العربية! لم ألُمْ يوما الطالبات بل كنت مدركة تماما أن التجهيزات التي مررن بها لم تعطِ أهمية لمثل هذه المهارات، ولكن تبدأ محاسبتي للائي يرفضن العمل عليها وبنائها وتطويرها، ومنهن من كانت تلجأ إلى جميع أدوات الحوار والجدال حتى تنفذ من القيام بمثل هكذا مهمة، وأحيانا كثيرة كنت أجد أن بعضهن يلجأ إلى نسخ ما تيسر لهن من الإنترنت وتقديمه على أنه من مجهودهن! ما يحتاجه هنا الأستاذ الجامعي هو النفس الطويل والصبر والإرادة حتى لا يفقد الأمل ويشعر باليأس، لأنه سوف يُنظر إليه كشيطان رجيم وتبدأ محاربته بشتى الطرق المتاحة للطالب المعني بالأمر؛ من شكاوى للإدارة ومناورات، وربما تصل إلى تشويه صورته على الشبكة العنكبوتية! بالرغم من كل ذلك، فمتى ما واجه الأستاذ الجامعي مثل هذه التصرفات يجب ألا ييأس ويستمر في مساره، ولكن قبل كل شيء يجب أن يبقي في حسابه أن الطالب مهما خرج عن سلوك وأخلاقيات التعامل، يظل من مسؤولياته وواجبه أن يعمل للارتقاء به، قد يقول البعض وهل أنا مسؤول عن إعادة تأهيله؟ نعم وأشدد على كلمة »نعم«! فطالما هو دخل ضمن دائرة مهامك العملية، إذن هو من مسؤولياتك! هنا قد تنجح وقد تفشل ولكن بالأساس لا تتوقف عن المحاولة، ربما نجاحك لم يأت في حينه ولكن مع الكثير سوف ينهد ذاك الحائط الذي يبعدهم عن الرؤية الواضحة، ويقدرون ما كنت تقوم به فيما بعد، ربما يصلك ذلك وربما لا تدري عنه أبدا، ولكن تأكد أن هنالك من سيذكرك بالخير وهو مدرك تماما لما كان يقوم به من تحديات ومقاومة للتغير والتحسن!

وهنا نعود لمهارة الكتابة، وحديثي موجه لجميع المعنيين من طلبة ومعلمين وأساتذة، من دون مهارة الكتابة سوف يكون الطالب كمن يشتري الملابس ولا يعرف كيف يرتديها وأين يرتديها ولا حتى كيف ينظفها ويعيد استخدامها! كمن تسأله عن الواجب فيجيبك بأنه ما زال ملتصقا برصاص القلم! فلنقلل من التمرينات أو الاختبارات الموضوعية، لقد دمرت مهارات الكتابة! لنعيد مجد الخط والكتابة، فنحن اليوم لا نجد منطقا أو مهارات تفكير، بل أيضا نجد أنفسنا نسبح في بحر من الطلاسم نجاهد حتى نترجم ما يقدم لنا من إجابات على أوراق الاختبار على الأقل! أتذكر أستاذ إحدى المواد من أيام الجامعة كان يقول لنا: »إن لم أستطع قراءة ما كتب أو لم يحتوِ على منطق أو المعلومة المطلوبة سوف أعتبره خطأ، وأي إضافات تعتبر نقصانا، فأنا لن أصرف جل وقتي في البحث عن الإجابة داخل بحر من الكلمات، ولن أسمح بأي مراجعة للدرجة«! لقد كان شديدا وقاسيا ولكنه علمنا أن نركز ونتدرب، والأهم من ذلك أن نتمكن من ترتيب أفكارنا وتقديمها باختصار وضمن إطار منطقي، كنت أستغرب أين كان يجد الوقت لتصحيح كل هذه الأوراق، فهو لم يكن يترك شيئا إلا ويعمل على تصحيحه ومطالبتنا بالمراجعة وإعادة تقديم العمل، وأدركت فيما بعد أهمية ما كان يقوم به، فلقد وجدت أنني أقلد نهجه ولكنني اكتشفت أيضا شيئا آخر لم يذكره لنا؛ اكتشفت أنه بالرغم من كل الإرهاق الذي كان ينتابني وأنا أراجع الأوراق وأعيد بعضها للمراجعة والتعديل، كنت أشعر بلذة تنتابني كلما عادت إلي ورقة عمل ارتقت إلى مستوى أعلى، مما يعني أنه حدث تقدم!

نعم عملنا مرهق، نعم والمتطلبات منا كثيرة، ولكن كهيئة تعليمية في التعليم العام أو الجامعي، أمامنا مسؤولية كبيرة؛ أن نهيئ أجيالا تعرف كيف تمسك قلما وتسطر فكرا، إن التحديات المعقدة والشائكة في عصرنا هذا والقادم أيضا؛ من سباق تكنولوجي وعلمي وصراعات عالمية، ستتطلب أفكارا أفضل وأساتذة ومعلمين أفضل من أي وقت مضى، ولندرك تماما أنه في تاريخ البشرية كان هنالك دوما معلم وراء كل مخترع عظيم، كل فيلسوف عظيم، كل قائد عظيم وكل فكرة عظيمة، والمسيرة تبدأ مع تركيب أول جملة مفيدة!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia