Al-Watan (Saudi)

ليس الطالب عنصريا ولا مدير جامعة شقراء مستبƩد

- ميسون الدخيل

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعا مجتزأ من حوار بين مدير جامعة شقراء وبين طالب من كلية الطب، وعليه تم الهجوم المستعر على الاثنين معا! حتى إن النقاشات أخذت منحى الشخصنة والتعدّي على الآخر لمجرد قضية رأي! والساحة مفتوحة وستظل كذلك لهذه القضية وكل قضية تظهر بعدها، المشكلة تكمن في أن الكثير يأخذ التعليق السلبي على أي مقطع ويبني عليه رؤيته، بمعنى أنه غالبا ما يؤثر التعليق السلبي على حكم المشاهد للمقطع، بأن يهيئ المتلقي مسبقا لقرار اتخذ من قبل صاحب المقطع!

لنبدأ بصاحب السؤال، الطالب الذي وجد أن جلّ أعضاء هيئة التدريس الذين يقومون على إعداده ليسوا من المملكة، وهو يقرأ عن الرؤية 2030 التي تؤكد على تمكين المواطن وزيادة فرص العمل، كما أنه بالتأكيد يسمع عن البطالة لكثير من أصحاب الشهادات من خريجي جامعات داخلية ومن الخارج أيضا، وسؤاله هنا ينمّ عن إنسان واعٍ يهمه أمر وطنه وأبناء وطنه ومستقبله أيضا، كونه فكّر في غيره فهذا دليل على أنه إنسان يقدر المسؤولية وليس فقط طالبا جلّ همه الدرجات واجتياز المواد! أن يبدي اهتمامه بقضية مجتمع دليل على نضج فكري وحسّ اجتماعي، ومما يؤكد هذا حديثه إلى إحدى الصحف عن تقديره لمدير الجامعة، وأضاف أن كل من هاجم لم يشاهد المقطع كاملا، وبنى حكمه على جزء بدلا من الكل! هذا الشاب كنز يجب أن يفتَخر به وأن يجد من يحتَضنه وينمّيه ليس علميا ومهنيا فقط، بل اجتماعيا، لأنه يبشر بشخصية سوف تعمل على إيجاد الحلول لعدة قضايا، ولن ترضى بأن تكون مجرد رقم وظيفي وراتب في آخر الشهر!

بدأت بالطالب لأنه يمثّل المستقبل، ولكنه لا يقلّ شأنا عن مدير الجامعة في اهتمامه وحرصه على أداء واجبه، فقد كان رده في البداية قاسيا، ربما كان ردة فعل لما يدور أصلا على منابر وسائل التواصل الاجتماعي من عنصرية وتعدٍّ على كل أجنبي أتى ليقدم خدماته في هذا الوطن، ولكنها كانت مجرد لحظات حتى أضاف توضيح أساس القضية ومعطياتها، بل إنه أشاد بالطالب وبسؤاله الذكي، وهنا احتضنه ولم ينفّره أو يقلّل من شأنه، وأعطاه دافعا لكي يستمر في الاهتمام بأن أبقى باب الحوار مفتوحا، ولم يتصرف بفوقية أو تعالٍ، فهو لم يقل له مثلا: »وش فهمك إنت بهذه الأمور، وش دخلك خليك بدراستك، القضية معقدة لن تفهمها،« أو أي شيء من هذا القبيل! لقد حضرت لقاء مع إحدى العميدات وسمعت ورأيت إجابتها لسؤال إحدى الطالبات عن المعدل وعن القبول في التخصصات العلمية، وكأن الطالبة اقترفت ذنبا لا يُغتَفر! فصبّت عليها جام غضبها، وكان من إحدى عباراتها التي لن أنساها: »اشكروا ربكم أن الدولة فتحت لكم جامعة تقبل معدلاتكم هذي«! ولم تكتف بهذا، بل أهانتها أمام الجميع بأن طالبت المشرفات بأخذ اسمها لمعاقبتها على الطريقة التي كانت ترتدي بها ملابسها! خرجت الطالبة مسرعة من القاعة، فأسرعتُ خلفها حتى لحقتُ بها في الخارج، لم يكن بوسعي سوى مواساتها في بادئ الأمر لأنها كانت منهارة من البكاء، وماذا نتوقع من إحراج وتهزيء علني! وبعد أن هدأت قلت لها لا تسمحي لأي أحد أن يقلّل من شأنك! اطردي الأفكار السلبية من رأسك، وثقي بأنك قادرة على فعل كل ما رغبت فيه إن أنت عملت من أجله وبذلت الجهد الكافي ومن ثم أكثر! لم يصوَّر المقطع، ولم ينشر الحديث في وسائل التواصل، ومر كغيره من المواقف الكثيرة المشابهة في مؤسسات تعليم عديدة ومتنوعة! المغزى هنا أنه تمر على الإنسان مواقف سلبية كثيرة، لا يكون له يد في التفاعل أو إبداء الرأي أو حتى الهجوم المعاكس لمن لديهم هذه النزعة، ومع أول فرصة تقع بين أيديهم يتمسكون بها ويصبّون جام غضبهم ليس على الفرد في ذاته، إنما على كل ما يؤلمهم أو آلمهم في وقت ما! المغزى أن الفرصة جاءت واستلّ كل مهاجم سلاحه وبدأت معركة، والضحية ليس الطالب ولا مدير الجامعة فقط، إنما الضحية هي الموضوعية وإعمال المنطق والبصيرة!

والآن لنأتي إلى كل الأطباء الأفاضل الذين قدموا خدماتهم بتدريس مادة حسب تخصصهم، وهم يشكرون على ذلك، ويدل هذا التصرف على حس وطني وتفاعل مع قضية تخص جامعة وطنية، ولكن هل هذا يحلها من جذورها؟ هل تدريس مادة، أي عمل مؤقت يكفي؟ هل تقام الجامعات على هيئة تدريس مؤقتة؟! هل نتوقع أن يسرّح مدير الجامعة هيئة تدريس مستقرة ليحل محلها هيئة تدريس مؤقتة؟ نعم هنالك إجراء متبع لدى الجامعات، حيث يكون هنالك أستاذ جامعي زائر، ولكن هل نسبة الزوار تفوق نسبة أعضاء هيئة التدريس الرسمية؟ بالتأكيد سوف يرحب مدير الجامعة بكل هؤلاء الأطباء، ولكن السؤال هنا »ماذا يتوقع منه بعدها«؟ بمعنى ما الخطوة التالية؟ هل المطلوب منه أن يسرّح المنتظم من أجل المؤقت؟ نحن نحكم من الخارج ولسنا على أرض الواقع وأمامنا كل المعطيات، وهو في قلب الحدث! هل يصدق البعض أنه وجد الكفاءات التي تستوفي كل شروط التوظيف ورفضها مخالفا بهذا كل تعليمات الدولة ومتطلبات الرؤية، وفي هذا الوقت بالذات حيث المساءلة والمتابعة على أشدّها؟! بدلا من أن نأخذ موقع أن هنالك ضدين، طالب ورئيس جامعة، يجب أن نأخذ موقع أن كلا منهما له وجهة نظر، وكلا منهما له معطيات أمامه، وهنا الواضح أنها ليست متطابقة! وحين نسهم في إيجاد حلول فلتكن جذرية تسهم في التعامل مع القضية بشكل كلي، ولا نفكر بأن الحلول الوقتية سوف تحقّق الأهداف المرجوة من تقدم مؤسسات التعليم لدينا، وبالتالي تخرج منتجا قادرا على المنافسة المحلية والعالمية من حيث الجودة والعطاء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia