Al-Watan (Saudi)

القصة لا تخترق القناع

-

منذ أن تعمقت معرفة الإنسان بالأدب التمثيلي -أيام بداياته- حتى هذا العصر الذي نعيشه، والفنون بكل وظائفها الموضوعية وخصائصها الجمالية، تُعنَى جاهدة بسبر الأغوار الإنسانية، وتقديم نماذج للأنماط الحياتية ضمن بُعديها »الزماني والمكاني«، لغرض النقد أو الإشادة أو الأمل في الارتقاء به من واقع مشدود إلى التراب.

أقول، منذ البداية وحتى الآن، مرورا بكل الأطوار التي أضافت إلى معارف الإنسانية في الفن مكاسب حضارية، فكرا وعمقا ووسائل في الأداء، ما تزال في أعماق الكائن الآدمي مناطق مستعصية على الاستكشاف، محرمة على خطوات الفن أن تطأها وتجسدها في أعمال ماثلة للعيان.

لذلك، كانت الحاجة مُلحّة إلى استخدام الخيال عنصرا مساعدا لبناء الصور المقدمة، وشد الاهتمام، ومنطقة التصورات.

فالأدب -تمثيلا كان أو تصويرا أو استشرافا للحياة- يلبس دائما نظارة الزمان والمكان، فيرى الأشياء ملونة بألوان مزدوجات »لون الرائي المزجج + لون المرئي المغلف«، فإذا جاز هذا التشبيه، أمكنت الإضافة بأن الأدب أيضا يتحسس الأشياء بأصابع خشبية، تحول بينه وبين الانصعاق المحتمل، وإذا تتأكد هذه الحساسية للأدب بخاصة في أطره المحافظة بالضوابط والأيديولو­جيات والتوجهات الأخرى، فإن الموضوعات نفسها التي يتعامل معها -الأدبليست مقننة بمعادلات رياضية يمكن تحليلها، وإعادتها إلى أبسط تركيباتها، كما هو شأن العلم مع العناصر في الكون -صغيرها وكبيرها- في مناوله حتى الآن.

إن أهم موضوعات الآداب والفنون، هو الإنسان، إذ هو محور دولاب الحياة الحثيث، وهو مصدر التعامل مع معطيات الحياة الأخرى، والجوهر الإنساني من حيث التكوين واحد، لكنه يكتسب خصائص أخرى تتفاوت في حجم الطبقات الركامية التي تعلو مستواه المتوهج، عبر العصور وعلى امتداد المراحل الحضارية والسلوكية، وتفاوت الأوضاع المادية والروحية والاجتماعي­ة، واختلاف الحظوظ في مقدار الاغتراف من العلوم، والاستفادة من تجارب الآخرين الخاضعة للمرايا السياسية المحدبة أو المقعرة أو المقلوبة أو المصقولة، التي تعكس مجريات الأمور في الكون على علاتها.

هذه المرايا هي القواعد الأساسية لانطلاق الإنسان نحو تجسيد موقعه -فردا ومجتمعا- بالأداة التعبيرية التي يملكها فنا وفكرا، وهي المعطيات المناخية التي يترتب عليها ضيق الرؤية أو اتساعها، إلى جانب القدرات الذاتية لدى الإنسان، وباعتبار القصة تشكل واحدا من أهم الأجناس الأدبية والفكرية في تاريخ الثقافة المعاصرة، فإنها لا بد أن تتلون بلون تلك الاعتبارات المشار إليها، وتأخذ بُعدها من أبعاد الدوائر التي تسور حياة المجتمعات المعاصرة، فكي نطالب كُتاب القصة بالمعالجات المحلية -مثلا- فإنه يتوجب أولا استيعاب الصورة الصادقة وما يحيط بها من اعتبارات لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها.

فكاتب القصة بمثابة العدسة التي تتغلغل -افتراضا- داخل المعاطف الجوانبية، شعورا وممارسة، تتابع كل الانعطافات والعلاقات الدقيقة المترابطة في حياة البطل »الرمز«.

فالإنسان -بحد ذاته في أي مجتمع كان- كائن مقنع القناع الذي يرتديه من نسيج عوامل كثيرة، بعضها موغل في القدم وبعضها الآخر يأتي من معطيات الحاضر.

فالقصة -تحت أي ظرف- لن تستطيع الولوج إلى مطاوي الخصائص البشرية، والمهارة الإبداعية في نمط الهندسة البنائية للشكل، تظل مجرد طلاء عصري شديد السطوع، ولكنه لا ينم عن محتويات ذات قيمة حضارية، فكي تعرف أهمية العمل الأدبي، يلزمنا الوصول إلى صورة كاملة أو مقاربة عن حالة الطقس التي يكتنفها في خصائصه المحلية، وتداخلاته القومية وفلكه الإنساني العام.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia