ﻗﺒﺲ ﻣﻦ ﺟﺬوة ﻣﻮﳻ اﻟﻘﺮاءة

ﻣﺤﻤﺪ ﻏﺎﻧﻲ

أﻟﻴﺲ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮاءة ﰲ ﻇﻠﻤﺔ ﻟﻴﻞ اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ ﻟﺤﻜﻢ ﻣﺘﻌﺪدة وﻣﻐﺎ ٍز ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ؟، أﻟﻢ ﻳُِﴩ وﺣﻲ ﻗﻠﻢ »اﻟﻘﺪرة« إﱃ أﻫﻤﻴﺔ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻘﺮاءة؟، أﻟﻴﺲ واﻋﺪ اﻹﻟﻪ ﻣﻮﳻ أرﺑﻌني ﻟﻴﻠﺔ وأﺗﻤﻤﻬﺎ ﺑﻌﴩ ﻟﻴﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﻧﻮر وﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ ُﺟِﻤﻊ ﰲ ﺻﺤﻒ ﻟﻴﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﺟﺬوﺗﻬﺎ املﺆﻣﻨﻮن؟ ﻟﻴﺲ ذاك ﻟﴚء، إﻻ ﻟﻴﺘﻐﻠﺒﻮا ﻋﲆ ﻓﺮﻋﻮن »ﺟﻬﺎﻻﺗﻬﻢ« اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺼﺐ آﻟﻬﺔ ﺗﺴري ﺟﻮارﺣﻬﻢ إﱃ اﻟﻀﻼل؟، أﻟﻴﺲ ﺑﻨﻮر ﺟﺬوة ﻣﻮﳻ »اﻟﻘﺮاءة« ﺗﻬﺘﺪي أﻋني اﻟﺴﺎﺋﺮﻳﻦ ﰲ ﻟﻴﻞ اﻟﺠﻬﻞ اﻟﺤﺎﻟﻚ؟، أﻟﻢ ﻳَﻨ ُﻢ رﺿﻴ ٌﻊ »ﻣﻮﳻ« ﺑﻔﻀﻞ ﺟﺬوة اﻟﻨﺒﻮة وﺳﻂ ﻗﴫ ﻓﺮﻋﻮن »اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ«، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺮﺗﻘﻲ رﺿﻊ اﻟﻘﺮاءة وﺳﻂ ﺑﻴﺪاء ﺟﻬﺎﻻﺗﻬﻢ إن ﻫﻢ ﻧﺤﺮوا ﻓﺮﻋﻮن اﻟﻀﻼل واﻟﺠﻬﻞ داﺧﻠﻬﻢ؟.

ﻷﻛﻞ ﻟﺐ اﻟﺜﻤﺎر ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺠﺎوز اﻟﻘﺸﻮر، ﺑﻞ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻧﻌﺜﺮ ﻋﲆ اﻟﺠﻮاﻫﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﻐﻮص ﰲ أﻋﻤﺎق ﺳﻄﻮح املﺤﻴﻄﺎت. ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺟﻮاﻫﺮ املﻌﺎﻧﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﻐﻮص ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻟﻠﻌﺜﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻟﻜﻦ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ إﺗﻘﺎن ﻓﻦ اﻟﻐﻄﺲ، وإﻻ َﻟﻐِﺮَق اﻟﻨﺎﻓﺬ إﱃ اﻟﻘﻌﺮ دون أﺧﺬ ﺑﺎﻷﺣﻮط ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﺢ ﺑﺎملﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻵﻟﻴﺎت املﻴﴪة ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ املﻘﺼﺪ واﻟﻬﺪف.

أ ْﻣ ُﺮ رﺳﻮل اﻹﺳﻼم ﺑﺎﻟﻘﺮاءة -رﻏﻢ أﻧﻪ أﻣﻲ- ﻓﻴﻪ دﻟﻴﻞ ﻋﲆ أن اﻷﻣﺮ ﻳﺘﺠﺎوز املﻌﻨﻰ اﻟﺴﻄﺤﻲ إﱃ ﻗﺮاءة املﻜﺘﻮب ﻣﻦ اﻟﱰاث اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، رﻏﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺋﺪة، وﻳﺘﺠﺎوزه -واﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺎﺗﻪ- إﱃ اﻷﻣﺮ ﺑﻘﺮاءة املﻜﺘﻮب ﺑﻴﺪ اﻟﻘﺪرة، وﻣﺎ ﺳﻄﺮه اﻟﺤﻖ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﻜﻮن اﻟﺬي ﺳﻴﻄﻮى ﻳﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﻛﻄﻲ اﻟﺴﺠﻞ ﻟﻠﻜﺘﺎب.

إﻧﻪ أﻣﺮ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﺤَﺠﻰ ﰲ ﻓﻬﻢ اﻟﺤﻜﻢ واﻷﴎار اﻟﺨﻔﻴﺔ واﻟﻈﺎﻫﺮة وراء ﺧﻠﻖ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﻋﲆ أرض اﻟﻮﺟﻮد، ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻫﺬا املﺨﻠﻮق ﻣﺤﺴﻮﺳﺎ أو ﻏري ﻣﺎدي، واﻟﻐﻮص ﰲ اﻟﺘﻔﻜري واﻟﺘﺪﺑﺮ ﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻧﺘﺎﺋﺞ وﺧﻼﺻﺎت ﺗﻔﻴﺪ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺒﴩي ﰲ إﻋﻤﺎر اﻷرض أوﻻ، وﰲ ﺳريه ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻛﺘﺸﺎف آﺛﺎر اﻟﺤﻖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻮد.

ﻟﻴﺲ اﻟﱰاث اﻟﺪﻳﻨﻲ وﺣﺪه اﻟﺬي ﻳﺮﻓﻊ ﺷﻌﺎر اﻟﺘﻔﻜﺮ واﻟﺘﺪﺑﺮ واﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﺘﺴﻬﻴﻞ اﻟﺤﻴﺎة وﺗﻴﺴريﻫﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺒﴩي، ﺳﻮاء ﰲ ﺷﻘﻬﺎ املﺎدي أو اﻟﺮوﺣﻲ، ﺑﻞ ﻫﺬا أﻟﱪت آﻳﻨﺸﺘني وﺟﺪﺗﻪ ﻳﻘﺮر ﻫﺎﺗﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﺎﺋﻼ »ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻖ اﻟﻠﻪ اﻟﻜﻮن وﻓﻘﺎ ﻟﻘﻮاﻧني ﻻ ﺗﻌﱰف ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ أو اﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ«.

ﻓﻬﻮ ﺑﺘﻔﻜريه اﻟﻌﻤﻴﻖ وﺗﺪﺑﺮه ﰲ أﺣﻮال اﻟﻜﻮن، ﻳﻘﺮر اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ اُملﺴّﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺪ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻟﺪى املﻮﻗﻦ ﺑﻬﺎ، إذ إﻧﻪ ﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن اﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﺘﺒﻊ أﻫﻮاء ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ، وإﻻ ﻟﻔﺴﺪت اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض وﻣﻦ ﻓﻴﻬﻦ.

إن اﻟﺘﻔﻜﺮ واﻟﺘﺪﺑﺮ ﻟﺐ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﻔﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﰲ اﻟﺴﺒﻮرة اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻻﺧﺘﻴﺎر ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﺘﻔﻜري ﻓﻴﻪ، ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺧﺬ أﻓﻌﺎﻟﻨﺎ ﺻﺒﺎﻏﺔ اﻷرﺿﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻤﴚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄﻓﻜﺎرﻧﺎ.

ﻓﻔﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺗﺮى اﻷدﻳﺒﺔ اﻷﻣريﻛﻴﺔ املﺘﺨﺼﺼﺔ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼرية إﻟﻴﺰاﺑﻴﺚ ﺟﻴﻠﱪت »أﻧﺖ ﻟﺴﺖ ﺳﻮى ﻣﺎ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ، وأﺣﺎﺳﻴﺴﻚ ﻫﻲ ﻋﺒﺪ ﻷﻓﻜﺎرك، وأﻧﺖ ﻋﺒﺪ ﻟﻌﻮاﻃﻔﻚ«.

إذا ﺗﺄﻣﻠﺖ -أﻳﻬﺎ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺰﻳﺰ- أﺣﻮال ﻏري اﻟﻨﺎﺟﺤني ﺗﺠﺪﻫﻢ ﻻ ﻳﺤﺴﻨﻮن اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮارات، ﻻ ﻟﴚء إﻻ ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺘﱪوا ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ أﻣﺎﻣﻬﻢ.

ﻓﺎﻟﻠﺒﻴﺐ ﻣﻦ ﻗﺮأ ﻛﺘﺎب اﻟﻜﻮن وﺧﱪ ﺗﺠﺎرﺑﻪ، ﻟﻴﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﺠﻮل ﺑﺪروﺑﻪ ﺑﺄﻣﺎن، ﻓﻼ ﺗﻔﱰﺳﻪ وﺣﻮش، وﻻ ﻳﺴﻠﺒﻪ ُﻗّﻄﺎع ﻃﺮق، ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻘﻮل اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﻣﻦ أﺻﻞ إﺳﺒﺎﻧﻲ ﻛﻮﺑﻲ أﻧﺎﻳﻴﺰ ﻧني »إذا ﻛﻨﺖ ﺑﻠﻴﺪا ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻔﻜري ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻓﺘﺰوج«، وﻛﻼﻣﻬﺎ ﺑﻠﻴﻎ ﻷن ﻓﻴﻪ إﺷﺎرة إﱃ ﴐورة اﻻﺳﺘﺸﺎرة ﻣﻦ اﻟﻐري ﻋﻨﺪ اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮارات، ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻃﺮف املﺘﻤﻜﻨني ﻟﻄﺮق اﻟﺘﻔﻜري.

إن اﻟﻘﺮاءة ﺣﺴﺐ ﻧﻔﺲ املﻔﻜﺮة أﻧﺎﻳﻴﺰ ﻧني ﻫﻲ »ﻓﻦ اﻹﻧﺼﺎت«، ﺑﻤﻌﻨﻰ أن اﻟﺼﻤﺖ ﻋني اﻻﻧﺘﺒﺎه ﺑﺴﺎﺋﺮ اﻟﺤﻮاس ﻟﻸﺧﺬ واﻹﻓﺎدة ﻣﻦ ﺳﺒﻮرة اﻟﻜﻮن.

إن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺪﺑﺮ واﻟﺘﻔﻜﺮ -إن ﺗﺄﻣﻠﻨﺎﻫﺎ ﺟﻴﺪا- ﺳﻨﺠﺪﻫﺎ ﺳﱪا ملﺎ ﺧﻔﻲ وراء ﺳﻄﻮر اﻟﻜﻮن، ﻣﻦ ﻇﻮاﻫﺮ املﺨﻠﻮﻗﺎت، ﻻﺳﺘﻜﻨﺎه اﻟﺤﻜﻢ واﻷﴎار واﻟﺘﺠﻠﻴﺎت اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻮد، وﻫﻮ ﻋني ﻣﻌﻨﻰ املﻌﺮاج اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺮوﺣﻲ املﻄﻠﻮب ﻣﻨﺎ اﻗﺘﻔﺎؤه اﻗﺘﺪاء ﺑﺎﻷﺳﻮة اﻟﺤﺴﻨﺔ.

أﺧريا، ﻛﻢ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻨﺘﺒﻪ إﱃ ﺧﻠﻊ ﻧَْﻌ َﲇ اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ واﻟﻐﻔﻠﺔ، ﻹﺛﺎرة اﻧﺘﺒﺎه ﺣﻮاﺳﻨﺎ وﺗﻮﺟﻴﻬﻬﺎ إﱃ ﺟﺬوة ﻣﻮﳻ »اﻟﻘﺮاءة« ﰲ ﻃﻮر ﺳﻴﻨﺎء »اﻟﺴﺒﻮرة اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ«، ﻟﺘﻠﻘﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻹﻟﻬﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻔﺘﺄ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﺑﺂﻳﺎﺗﻪ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ، ﻻﺳﺘﻜﻨﺎه ﺟﻮاﻫﺮ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻋﱪ اﻷﺟﻴﺎل.