Al-Watan (Saudi)

لماذا يُعد مقتل سليماني هديةً لبوتين

- دينس روس

يشكل قتل قاسم سليماني تغييرا محتملا في معايير اللعبة بالشرق الأوسط،

ومن المؤكد أن فلاديمير بوتين يعتقد ذلك.

ففي غضون أيام، سارع بالسفر إلى دمشق، ليس لدعم بشار الأسد أو تشديد قبضة موسكو في سورية، بل لإظهار أن روسيا

ما تزال طرفا مركزيا لا يمكن تهميشه.

وكانت زيارته إلى سورية أحد هذه الدلائل، وهو الأمر بالنسبة لزيارته اللاحقة إلى تركيا. وفي إسطنبول، أصدر هو والرئيس رجب طيب إردوغان دعوة مشتركة إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، علما بأنهما يدعمان -بفاعلية- طرفين متناحرين في تلك البلاد، ومن المقرر أن يبدأ تنفيذ الاتفاق الأحد.

وهنا كان الرئيس الروسي، بعد وقت قصير من مقتل سليماني، يستعرض دوره كحَكَم حقيقي في المنطقة.

ويستمد بوتين كثيرا من شرعيته في بلاده من نجاحه الظاهري في إعادة إرساء النفوذ الروسي على الساحة العالمية. وفي الواقع، تعذّر على الأمريكيين والأوروبيي­ن -إلى حد كبير- فهم التأثير النفسي لانهيار الاتحاد السوفييتي وخسارة المكانة والهوية الأساسية على الشعب الروسي، وعلى بوتين نفسه. وربما نجح بوتين في إعادة الاستقرار الأساسي، إلا أن فشله في تأمين السلع الاقتصادية يقوّض منزلته تدريجيا.

ولكن، عندما حاولت أمريكا استخدام القوة لأغراض سياسية، أثبتت أنها غير قادرة على الاستمرار، ودفعت نفسها -أيضاإلى التمادي.

وقد سعى الرئيس باراك أوباما إلى تغيير نهج القيادة الأمريكية في العالم، وتحويله من استخدام القوة إلى استخدام القوة الناعمة »قوة التعبئة«، أي قدرة الولايات المتحدة على أن تكون مصدر جذب، كي يتمكن الآخرون من تحديد أهداف واشنطن ودعمها. أما الرئيس ترمب فليس من المؤمنين بالدولية، فهو يحب استخدام القوة العسكرية لمرة واحدة، ولا يبالي كثيرا بالقوة الناعمة، ولذلك لا تتمتع الولايات المتحدة إلا بالقليل منها.

من الوهم الاعتقاد بأن الهجوم الصاروخي على القاعدة العراقية التي توجد فيها قوات أمريكية، كان مجمل ما سيفعله الإيرانيون للانتقام.

فالمواربة والنكران سيكونان نهجهم. ولهذا السبب، وبسبب إعلان ترمب أنّ قتل الأمريكيين خطٌ أحمر، أصبح لدى أصدقاء أمريكا في المنطقة سبب وجيه للقلق.

لكن يجب على الأمريكيين أن يقلقوا أيضا.

فمع لجوء إيران إلى استخدام الأساليب الخفيّة، أو الأعمال الإرهابية أو الهجمات بواسطة الوكلاء على المنشآت النفطية والأهداف الناعمة الأخرى، ستتعرض إدارة ترمب لضغوط متجددة للردّ عليها. ويعني إعلان إيران أنها لم تعُد مُلزمة بأيٍّ من القيود المنصوص عليها في الاتفاق النووي، أنها ستبدأ في التقليل بشكل كبير من الوقت اللازم لتخطّي العتبة النووية، وإنتاج مواد انشطارية لصنع سلاح نووي. فماذا سيفعل ترمب آنذاك؟

فهو اليوم يشهّر بسياسة أوباما تجاه إيران، إلا أن سياسة أوباما نجحت في تمديد مدة تخطي العتبة النووية لدى إيران إلى عام واحد. وحتى قبل الهجوم، كان الخبراء يقولون إن المدة التي تحتاجها إيران لإنتاج المواد اللازمة لصنع سلاح نووي تقلّصت إلى أقل من ذلك.

ومن الواضح أن ترمب لا يريد صراعا، ولكنه لا يتمتع بالقدرة الكافية على التوصل إلى وضع تبدأ فيه المفاوضات التي قال مرارا وتكرارا، إنه يريدها مع إيران. ولا شك في أن خامنئي لا يهتم بالتفاوض مباشرة مع قاتل سليماني.

وهنا يستطيع بوتين أن يلعب دوره، خاصة مع رغبته في الظهور بهيئة الحَكَم المحوري في المنطقة.

ومن المفارقات أن كلا من ترمب

وخامنئي يحتاجان إلى مخرج. فترمب يريد أن يظهر بأنه أنهى انخراط أمريكا في »حروب لا نهاية لها« ولم يشنّ حرباً جديدة. أما خامنئي فلا يريد شن حرب مع الولايات المتحدة، كما أن الحماسة الداخلية التي يسعى إلى استغلالها من مقتل سليماني، لن تُغيّر الواقع الاقتصادي المرير في إيران. ومن جانبه، لا يريد بوتين أن تنفجر المنطقة مع وجود القوات الروسية فيها.

لذلك، ثمة احتمال كبير أن يصبح بوتين هو الوسيط. ومن المرجّح أن يسارع ترمب إلى اقتناص الفرصة لإبرام اتفاق نووي جديد، وفق معيار واحد فقط: أن يكون قادرا على الادعاء بأن أعماله أفضل من تلك التي قام بها أوباما. ولا شك في أن بوتين سيستغل هذه النقطة.

يجب على المقرّبين من ترمب أن يُطلعوه على بضعة حدود بسيطة بل واضحة، يجب الالتزام بها في أي اتفاق، وهي تمديد أحكام انقضاء الاتفاق لفترة 15 عاما على الأقل أي من 2030 إلى 2045، وتوفير قدر أكبر من الشفافية بشكل عام، خاصة فيما يتعلق بمواقع تخزين المواد النووية غير المعلنة، وتدمير جميع المنشآت والمعدات المستخدمة في اختبارات التسلح، ووضع حد لعمليات نقل الصواريخ الإيرانية وتحديثات دقة الصواريخ الموجودة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia