Al-Watan (Saudi)

اFفعال أبلغ من اFقوال

- آنا بورشيفسكاي­ا

الغضب الذي لا يخرج عن الاعتدال، ويكون له موجب، كانتهاك محارم اY، أو تنفير الناس عن دين اY، فيغضب لذلك، ولكن لا يقول إلا حقًّا، فهذا محمود

في 16 يونيو، اجتمع الرئسس جو بايدن مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في جنيف، غير أن اللقاء لن يؤدي إلى إعادة ضبط العلاقات بين البلدين، ولا حتى إلى عقد مؤتمر صحفي مشترك. ولا شك في أن الأمر الأخير أزعج »بوتين«، الذي يستغل مثل هذه الأحداث للارتقاء رمزيا بمكانته، لكن يبدو أن إدارة »بايدن« استوعبت دروسا مهمة من الإدارات الأمريكية السابقة، الديمقراطي­ة والجمهورية على حد سواء، التي سعت إلى تحسين العلاقات مع روسيا، لكنها عادت من مساعيها محبطة، ومع ذلك، فإن الواقع أقل تشجيعا.

فعلى الرغم من عدم عقد مؤتمر صحفي مشترك، فإن اللقاء كان بمنزلة مكافأة لـ»بوتين«، بعد الرد الصامت على سلسلة من الاختراقات السيبرانية الروسية، والأعمال العدائية على أيدي وكلاء »الكرملين«، في ظل تنامي القمع المحلي في روسيا. وعلى الرغم من الصرخة الاحتجاجية التي أطلقها كلا الحزبين في الكونجرس الأمريكي، تخلى »بايدن« عن نفوذ حاسم، حين رفع العقوبات عن خط أنابيب »نورد ستريم 2«، وهو أبرز مشروع جيوسياسي لـ»بوتين« في أوروبا، لكن الأهم من ذلك هو أن هدف »بايدن« من إقامة »علاقات مستقرة وقابلة للتنبؤ« مع روسيا، ليتمكن من تركيز طاقة أكبر على الصين، يشير إلى أنه أساء فهم »الكرملين« وحساباته الإستراتيج­ية.

في الواقع، يفضل »بوتين« نوعا من المواجهة والصراع على العلاقة المستقرة مع الغرب، كونه يلتمس اعترافا بمكانته كقوة عظمى ذات مجال نفوذ »متميز«. لكن هناك قضية أعمق تحرك هذه المطالب، إذ يرفض »بوتين« الليبرالية الغربية، ويسعى إلى تقويض النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. ولهذه الغاية، لم يتطلع إلى أوروبا فحسب، بل إلى البحر المتوسط والشرق الأوسط أيضا - أي إلى المنطقة التي لطالما اعتبرها الحكام الروس »الجنوب الضعيف«. وللمرة الأولى منذ 1972، أصبحت لدى روسيا قاعدة عسكرية كبيرة على البحر المتوسط، وسوف تواصل تعزيز وضعها العسكري الإقليمي، في إطار حسابات »بوتين« الإستراتيج­ية العالمية لردع الغرب.

في سبيل تحقيق أهدافه، يدأب »بوتين« باستمرار على تكوين نفوذ براغماتي صارم، تدعمه القوة العسكرية، ولا تزال سورية - الدولة الحيوية من الناحية الإستراتيج­ية - أساسية في حساباته الإقليمية، لذلك لم يتوانَ »بوتين« وكبار المسؤولين الروس، خلال الأسابيع الأخيرة، عن تكرار الادعاء المتداول منذ زمن بأن العقوبات الغربية ضد الديكتاتور السوري بشار الأسد أضرّت بالشعب السوري، في إطار حملة ضغط مستمرة، لتولي نظام الأسد مهمة توزيع جميع المساعدات، وهو المسؤول عن تجويع شعبه في المقام الأول.

كانت هذه رسالة إلى الولايات المتحدة عن النفوذ الروسي في سورية، قبل لقاء الرئيس الروسي مع »بايدن«، حيث ربما كان يسعى »بوتين« إلى تخفيف العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة مقابل فتح طرق إغاثة عبر الحدود. وهدفت أيضا إلى توجيه رسالة قبل اجتماع الأمم المتحدة في يوليو بشأن المساعدات عبر الحدود.

لا يخفى أن قائمة المظالم المشروعة ضد روسيا طويلة جدا، وقد كان »بايدن« ثابتا في خطابه، لكن حتى الآن لم يُترجم هذا الخطاب إلى نهج إستراتيجي وسياسة خارجية متماسكة، فالأفعال أبلغ من الأقوال، وهذا أمر يعرفه »بوتين« بالذات. لذلك، حين اجتمع »بايدن« مع »بوتين« ربما تذكَّر أن البحر الأبيض المتوسط لطالما كان أساسيا للمكانة العالمية للولايات المتحدة، وإذا تنازل عنه لروسيا، فإن ذلك سيضر حتما بجهوده في مواجهة الصين.

* معهد واشنطن

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia